أعلنت السلطات العراقيّة في 13/7/2015 انطلاق معركة تحرير محافظة الأنبار كبرى المحافظات العراقيّة، من سيطرة تنظيم "داعش" بمشاركة قوّات الشرطة والجيش، إضافة الى "الحشد الشعبيّ" ومقاتلي العشائر.
وبحسب المصادر الأمنيّة العراقيّة، فإنّ مدينة "الفلّوجة" الّتي يسيطر عليها تنظيم "داعش" منذ 1/1/2014، هي الهدف الأوّل للعمليّة العسكريّة، خصوصاً بعد محاصرة المدينة من جهات عدّة، عبر تقدّم بطيء للقوّات العراقيّة منذ 14 تموز /يوليو 2014 يهدف إلى قطع إمدادات التّنظيم داخل المدينة، الّتي شهدت أيضاً عمليّات قصف متواصلة.
وكان "المونيتور" أكّد في 9/7/2014 أنّ استعادة الفلّوجة من قبضة "داعش" سيكسرهيبة التنظيم، ويقوض قدرته على تهديد بغداد، لكن تحرير المدينة يجب انيتمّ من خلال جهود الدولة، وبالتّعاون مع السكّان السنّة في المدينة.
وكتب "المونيتور" في 16/10/2014 أيضاً أنّ "استعادة الأنبار بالكامل، ومن ضمنها مدينة الفلّوجة، يجب أن يكون جوهر الخطط الأمنيّة الجديدة للعراق، وقد تطلّب الأمر عاماً كاملاً من القوّات العراقيّة للعودة إلى الأنبار، وتحقيق الحدود الدنيا من الاشتراطات ل لتحرير عبر القوات الرسمية للدولة وتعاون السكان. وينبغي الإشارة إلى أنّ التوصّل إلى هذا التّعاون تمّ بضغوط أميركيّة، وبتداخل أميركيّ مباشر لدعم تشكيل وحدات عسكريّة من عشائر الأنبار، شمل زيادة عديد المدرّبين الأميركيّين في قاعدة الحبانيّة العسكريّة.
فقد وصل في 13 يونيو 2015 ، 80 مستشارا عسكريا أمريكيا، لينضموا الى 450 خبيرا عسكريا في قاعدة الحبانية في محافظة الانبار بعد قرار للرئيس الأمريكي في 12 يونيو/حزيران 2015 لينضموا الى 3000 جندي امريكي متواجدين هناك منذ وصول أولى طلائعهم في بداية فبراير/شباط 2015 في اطار الاستعدادات لتحرير الفلوجة ومناطق غرب العراق من سيطرة التنظيم المتشدد.
كما أنّ هذه الخطوة كانت نالت اعتراضات من عدد من فصائل "الحشد الشعبيّ" مثل عصائب اهل الحق التي عدّت في 2015/06/10 تواجد القوات الأمريكية في الرمادي تكريس للاحتلال، الّتي سبق أن رفضت خوض الحرب في الأنبار، عبر الرؤية المطروحة أميركيّاً، أو بالتّنسيق مع "التّحالف الدوليّ".
وفي هذا الإطار، فإنّ العراق أضاع العديد من الفرص لحسم المعركة في الفلّوجة، في جدل حول طريقة مشاركة "الحشد الشعبيّ" بالمعارك، وكان زعماء قبائل وسياسيّون في الأنبار في 5 ابريل 2015 يرفضون مشاركة "الحشد" بمعارك الأنبار، ويتّهمون الحكومة برفض تسليحهم لتحرير مدنهم بأنفسهم.
ففي 23 فبراير/شباط 2104 عزى عضو مجلس محافظة الانبار راجع العيساوي، تأخر دخول القوات الامنية إلى قضاء الفلوجة هو لدعم حكومة نوري المالكي والتمديد له لولاية ثالثة.
ففي 17/5/2015عزا النائب عن كتلة الاحرار النيابية عبد العزيز الظالمي تقدم داعش في مدينة الرمادي الى الخلافات السياسية والتصريحات التحريضية.
وفي 28/06/2015، زعمت مصادر سياسية وجود خلافات بين العبادي والادارة الاميركية حول تحرير الانبار.
وإنّ أجواء الارتباك الاستراتيجيّ في الحرب على "داعش" كانت ظهرت بأوضح صورها في أسلوب التّعامل مع الحرب في الأنبار، حتّى نجح تنظيم "داعش" في تغيير معادلات الحرب في 15/5/2015 باحتلاله مدينة الرماديّ (عاصمة الأنبار)، الّتي قاومت محاولات التّنظيم احتلالها طوال نحو عام كامل.
والسؤال اليوم، بالاستناد الى عروض "المونيتور" السّابقة حول أهميّة مدينة الفلّوجة عسكريّاً ورمزيّاً بالنّسبة إلى تنظيم "داعش"، مفاده: هل مازالت الأسباب قائمة لبدء معركة تحرير الفلوجة؟
والجواب أنّ خسارة "داعش" للفلّوجة كان يمكن أن تكون المدخل الأكبر لتحطيم معنويّاته، قبل نجاحه في احتلال الرماديّ، لأنّ هزيمته في الفلّوجة، وهي ثاني أكبر مدن الأنبار بعد الرماديّ، كانت ستتيح سلسلة من التّراجعات للتّنظيم في محورين:
الأوّل: من الفلّوجة في اتّجاه مدينة الرماديّ، ومنها إلى مدن نهر الفرات "هيت" و"حديثة" و"عانة" و"راوة" و"العبيدي"، وصولاً الى تحرير مدينة "القائم" على الحدود العراقيّة – السوريّة، وهي مدينة استراتيجيّة أساسيّة للتّنظيم.
الثاني: من الفلّوجة في اتّجاه مدينة الرماديّ، ومنها إلى عمق الصحراء عبر الطريق الدوليّة، وصولاً إلى منطقة الرطبة الاستراتيجيّة، ومنها إلى الحدود العراقيّة – الأردنيّة، والعراقيّة - السوريّة.
وهذه الانطلاقة، ما زالت ضمن أهداف التحرّكات العسكريّة العراقيّة، ولكنّها باتت أكثر صعوبة، بعد سيطرة "داعش" على الرماديّ، الّتي تمثّل قلب تقاطعات الطرق بين مدن الأنبار المختلفة.
وعلى المستوى الرمزيّ، مثّلت السيطرة على الرماديّ تعويضاً ثميناً لخسارة "داعش" لمدينة تكريت في 11/3/2015، وحينها اعتبر التّنظيم على لسان النّاطق باسمه أبو محمّد العدناني أنّ خسارة تكريت تدخل في سياق "معركة الكرّ والفرّ".
ومن المتوقّع أن يلجأ التّنظيم إلى رفع الشعار نفسه في معرض تبرير خسارته للفلّوجة، ولكن هل بإمكان القوّات العراقيّة مسنودة بمقاتلي "الحشد الشعبيّ" والعشائر تحرير الفلّوجة بسهولة؟ كلّ المعطيات تشير إلى أنّ تنظيم "داعش" سيحاول تحويل معركة الفلّوجة إلى معركة استنزاف طويلة تختلف في سياقها العام عن معركة تكريت، وهي أقرب إلى معركة "بيجي"، الّتي ما زالت القوّات العراقيّة تحاول السيطرة عليها منذ ان تقدمت اليها في 19 اوكتوبر/ تشرين أول 2014، من دون حسم معركتها في الكامل.
وإنّ اختيار تنظيم "داعش" لـ"بيجي" لتكون نقطة استنزاف القوّات العراقيّة، مبرّر بقدرته على التسلّل في شكل مستمرّ إلى المناطق الّتي سيطرت عليها القوّات العراقيّة سواء أكان في داخل مدينة بيجي أم في مصفاة بيجي، الّتي ما زالت بدورها ميدان صراع غير محسوم منذ أشهر، وهو ما تتيحه التركيبة الجغرافيّة لمناطق بيجي وصعوبة إغلاق حدودها عسكريّاً، إضافة إلى وجود السكّان فيها.
وفي الفلّوجة، ورغم الإعلان الرسميّ العراقيّ عن محاصرة القوّات العراقيّة للمدينة من جهاتها الأربع، إلاّ أنّ هذا الحصار لا يبدو محسوماً في شكل كامل. وبحسب مطّلعين وشهود من داخل الفلّوجة، فإنّ تنظيم "داعش" ما زال في إمكانه حتّى لحظة إعلان بدء المعارك، التسلّل من شمال الفلّوجة وجنوبها. وأبلغ الشهود "المونيتور" أنّ وجود السكّان داخل مدينة الفلّوجة يمثّل الغطاء النموذجيّ لتحرّك مقاتلي تنظيم "داعش" وتسلّلهم سواء أكان اليوم وهم داخل مدينة الفلّوجة، أم في مرحلة ما بعد دخول القوّات العراقيّة إليها. وتحدّث الشهود عن منطقتين حسّاستين وهشّتين للقوّات العراقيّة:
الأولى: شمال الفلّوجة (بين بلدتي السجر والصقلاويّة)، حيث تمتدّ العشرات من الأحياء السكنيّة والعشوائيّات المتداخلة والمسكونة.
الثانية: جنوب وجنوب غرب الفلّوجة، حيث المناطق الزراعيّة الممتدّة، وصولاً إلى نهر الفرات، ومنه إلى صحراء الأنبار، الّتي كانت وما زالت مخبأ "داعش" الأكبر.
لا يمكن استباق الأحداث، بتوقّع حجم المعركة، ومدّتها وتوقيتاتها، ولكن معركة الفلّوجة ستكون بالتّأكيد كبيرة، وستشكّل مدخلاً مهمّاً لاستعادة مدينة الرماديّ ومدن الأنبار الأخرى، شرط ألاّ تقع القوّات العراقيّة في فخّ الاستنزاف العسكريّ الطويل داخل أحياء المدينة الملغّمة.