أثار الاجتماع الذي جرى في 20 أيار/مايو بين رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو والمفوضة العليا للشؤون الخارجيّة والسياسة الأمنيّة في الاتحاد الأوروبيّ فيديريكا موغيريني مخاوف مناصري حلّ الدولتين.
فالصمت المطبق تقريباً إزاء التقارير التي أفادت بأنّ نتنياهو اقترح على ضيفته من بروكسل أن يتفاوض الإسرائيليّون والفلسطينيّون بشأن حدود الكتل الاستيطانيّة يضعف تفاؤلهم ويجعلهم يواجهون حقيقة تحالف نتنياهو. لو فكّر المستوطنون وممثّلوهم في الكنيست والحكومة للحظة واحدة في أنّ الفلسطينيّين قد يؤيّدون الاقتراح الجديد، لما جلسوا مكتوفي الأيدي. لكنّ وزير التعليم نفتالي بينيت ووزير الدفاع موشيه يعلون يدركان على ما يبدو أنّ الفلسطينيّين لن يوافقوا على ترسيم حدود المستوطنات بدلاً من رسم خارطة فلسطين، مع إدراج القدس الشرقيّة. وليس بالضرورة أن نكون فقهاء في القانون كي نفهم أنّ إذعان الفلسطينيّين لوجود المستوطنات قد يشكّل اعترافاً غير مباشر بشرعيّتها ويحرمهم من حججهم الرئيسيّة ضدّ إسرائيل في المحكمة الجنائيّة الدوليّة. إنّ الطعم الذي ألقي لهم من خلال موغيريني كان شفّافاً جداً ومتأخّراً جداً.
وليست هذه المرّة الأولى التي يحاول فيها نتنياهو استرضاء المجتمع الدوليّ والإعلام. ولن تكون أيضاً المرّة الأخيرة. فمنذ لحظة خروج موغيريني من الاجتماع، سارع المراسلون الدبلوماسيّون إلى القول إنّ نتنياهو يؤيّد مبادرة سلام إقليميّة. ولم يقصد نتنياهو مبادرة السلام العربيّة التي تتوقّعها إسرائيل منذ العام 2002، والتي تتضمّن اقتراحاً بانسحاب إسرائيل من الأراضي مقابل تطبيع العلاقات مع الدول العربيّة. فقد أشار رئيس الحكومة إلى أنّ الربيع العربيّ وصعود تنظيم الدولة الإسلاميّة غيّرا المشهد الإقليميّ بالكامل – وكأنّه أيّد المبادرة في الماضي، وكأنّه لا يسعى حتّى هذا اليوم إلى تقويض اتّفاق أوسلو.
على حدّ علمنا، لم تثر كلمات نتنياهو المطمئنة الحماس لا في مقرّ الاتّحاد الأوروبيّ في بروكسل، ولا في واشنطن أو مستوطنتي أرئيل وإيتمار. فلم يعر أحد في العاصمتين كلماته أيّ اهتمام. وفي الوقت الحاليّ، يُعتبر الحدث الأهمّ المفاوضات المتسارعة مع إيران، التي يُفترض أن تنتهي في 30 حزيران/يونيو. ولا يأمل أحد في القدس أن تقف روسيا أو الصين أو فرنسا أو بريطانيا في وجه الرئيس باراك أوباما لتوقيع الاتّفاق النوويّ. لكنّ الاتّفاق، الذي قارنه المقرّبون من نتنياهو بشكل غير مباشر بمعاهدة ميونيخ سنة 1938، سيجدّد دين ألمانيا التاريخيّ لإسرائيل. وتستحقّ الدفعة الأولى على الحساب في أيلول/سبتمبر عندما تقدّم فرنسا اقتراحها لمجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة للاعتراف بفلسطين.
ولا تتردّد المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل في التعبير عن رأيها بشأن سياسة إسرائيل الاستيطانيّة بشكل عامّ ومصداقيّة نتنياهو بشكل خاصّ. مع ذلك، ووفقاً لمسؤولين إسرائيليّين تحدّثوا إلى "المونيتور" رافضين الكشف عن أسمائهم، وعد أعضاء من الوفد النيابيّ التابع للحزب الديمقراطيّ الاجتماعيّ، في محادثات أجريت في أواخر أيار/مايو في القدس، بأنّ مركل لن تعترف بفلسطين سوى بعد مفاوضات من أجل اتّفاق للسلام بين الطرفين. وأوضح بعض أعضاء هذا الوفد (الذي يترأسه الناطق باسم الحزب الديمقراطيّ الاجتماعيّ، نيلس أنين)، الذي زار إسرائيل بمناسبة مرور 50 عاماً على العلاقات الدبلوماسيّة بين الدولتين، أنّه نظراً إلى علاقة ألمانيا "المميّزة مع إسرائيل"، يتمتّع هذا الموقف بدعم أحزاب التحالف بكاملها، ولن يتغيّر إلا إذا استخدمت الولايات المتّحدة الأميركيّة حقّ النقض في تصويت لمجلس الأمن على الاقتراح الفرنسيّ.
ونظراً إلى العوائق أمام المنظّمات الدوليّة التي تضعها الولايات المتّحدة، المنقسمة بين الإدارة الديمقراطيّة والكونغرس الجمهوريّ، وأوروبا، المنقسمة بين الشعور بالذنب والمصالح السياسيّة، يضطرّ الفلسطينيّون إلى البحث عن جهات ثانويّة لا تسيطر عليها هذه القوى الدبلوماسيّة. وقد نجحوا في نيل اعتراف الفاتيكان بفلسطين. ومع أنّ قداسة البابا لم يتولّ إدارة جيوش منذ زمن طويل وليس لديه حتّى ممثّل في مجلس الأمن، إلا أنّ مئات الملايين في العالم يقدّرون كلامه. وفشلت محاولة الفلسطينيّين في 29 أيار/مايو لعزل إسرائيل من الاتّحاد الدوليّ لكرة القدم (فيفا)، لكنّ هذه ليست سوى بداية سيطرة جنوب إفريقيا على تلك المنظّمة. حتّى كوريا الشماليّة لم تُعزل يوماً من الاتّحاد.
وبعد أن سحب الفلسطينيّون اقتراحهم بعزل إسرائيل من الاتّحاد الدوليّ لكرة القدم في اللحظة الأخيرة، بدت ردود فعل السياسيّين والمسؤولين الإسرائيليّين غير متكافئة، لا بل بعيدة عن الواقع. فقد قال نتنياهو: "فشل التحريض الفلسطينيّ". ووصفت وزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريغيف، الأمر بأنّه "إنجازنا الضخم". وسارع وزير النقل إسرائيل كاتز إلى نشر تعليق استفزازيّ على "فيسبوك" عن رئيس الاتحّاد الفلسطينيّ لكرة القدم كتب فيه: "لقد فشلت مؤامرة جبريل الرجوب بطرد إسرائيل من الفيفا. حان الوقت لسجنه في المقاطعة [مجمّع الحكومة الفلسطينيّة في رام الله] كي يلعب كرة القدم مع رفقائه!". وقال رئيس الاتّحاد الإسرائيليّ لكرة القدم إنّ رؤساء الوفود الأخرى أشادوا به لأنّه وجّه إلى الرجوب "ضربة قاضية".
لقد فهم كلّ من شاهد البثّ المباشر للإعلام الإسرائيليّ أنّ الدبلوماسيّة الإسرائيليّة لم تسجّل هدفاً في سويسرا. في الواقع، كان ما حصل بداية رمزيّة ومدويّة لمرحلة جديدة. فقد حقّقت جلسة واحدة لإدارة الرياضة الأكثر شعبيّة في العالم ما عجزت عشرات النقاشات الأكاديميّة حول مقاطعة إسرائيل عن تحقيقه. حتّى الساعة، لم يتمّ تعليق عضويّة إسرائيل، وما زال حلمها في الوصول إلى البطولات الأوروبيّة لكرة القدم للعام 2016 قائماً، لكنّ الأصوات الـ 165 المؤيّدة لتشكيل لجنة للتحقّق من استجابة إسرائيل للمطالب الفلسطينيّة (مع 18 صوتاً معارضاً فقط) أظهرت بوضوح كبير أنّ المستقبل وشيك.
ففي النهاية، ليس كونغرس الفيفا المنتدى الوحيد الذي لا يتمتّع فيه الأميركيّون بحقّ نقض تلقائيّ والذي يتمّ فيه البتّ في مسائل عزيزة على قلوب الإسرائيليّين.
ويتولّى الرجوب نفسه (الذي قصف قوّات الدفاع الإسرائيليّة منزله سنة 2001) مسؤوليّات إضافيّة في السلطة الفلسطينيّة. فبالإضافة إلى ترأسه اتّحاد كرة القدم، يتولى أيضاً رئاسة اللجنة الأولمبيّة الفلسطينيّة. ومن الممكن أن تثير هذه اللجنة، التي عُرفت في الماضي كمسرح للجدالات والمقاطعات، مخاوف الدبلوماسيّين الإسرائيليّين قريباً. ويدرك المسؤولون المخضرمون في وزارة الخارجيّة الإسرائيليّين هذا الأمر. من المؤسف أنّ السياسة يديرها أشخاص آخرون يقدّرون الأصوات الأوليّة الحزبيّة أكثر من الرسائل الدوليّة. إنّ هؤلاء السياسيّين مسؤولون عن اللحظة الوشيكة التي ستؤدّي فيها تلك الخطوات والتحرّكات إلى عزل إسرائيل، لا بالتصاريح فحسب، بل أيضاً بالأفعال.