القاهرة - اجتاح جدل شديد شبكات التواصل الاجتماعيّ في مصر بعدما أعلن الشاب محمّد سلطان والمحكوم عليه في قضيّة "غرفة عمليّات رابعة" تنازله عن الجنسيّة المصريّة في 30 أيّار/مايو 2015، ليتمكّن من الإفلات من عقوبة السجن في السجون المصريّة إذ تم سجنه في 25 آب/أغسطس 2013... في إطار القانون المصريّ رقم 140 في عام 2014، الذي يسمح بتسليم المحكوم عليهم في قضايا داخل الأراضي المصريّة، ويحملون جنسيّة أخرى أو جنسيّة مزدوجة إلى دولهم خارج مصر شرط التنازل عن الجنسيّة المصريّة أوّلاً.
وقد تباينت الآراء في مصر بين غضب من الشابّ الذي تنازل عن جنسيّته الأمّ، ووصل الأمر إلى اتّهامه بالخيانة لوطنه، وبين متعاطف مع الشابّ الذي ضاقت به السبل من أجل أن يحصل على حريّته، وانتهى به الأمر بالتجرّد من حقّه في جنسيّته الأصليّة، ولم يفوّت سياسيّون عدّة الفرصة للتعليق على القضيّة. فمحمد محسوب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية في عهد "مرسي" قال الإفراج عن محمد سلطان انتصار على عصابات القمع والفساد، فيما قال محمود بدر مؤسس حركة تمرد: "ناس بتضحي ببلدها من أجل أن تأكل وجبات سريعة" مطالبا بوجبة من الحجم الكبير لسلطان .
في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، أصدر الرئيس السيسى القانون 140 في عام 2014 الذي يرتبط بقضية خليّة ماريوت، والتي قبض فيها على صحافيّي شبكة الجزيرة الإنجليزيّة بتهمة مساعدة منظّمة الإخوان الإرهابيّة في 29 كانون/الأول 2013، ومنهم الأستراليّ بيتر غريسته والمصريّ الذي يحمل الجنسيّة الكنديّة محمّد فهمي. وتسبّبت هذه القضيّة في إحراج بالغ للنظام المصريّ بعد غضب دول غربيّة عدّة منها بريطانيا وهولّاندا، إضافة إلى أستراليا وكندا من الأحكام بالسجن على صحافيّي شبكة الجزيرة. في 23 حزيران/ يونيو 2014 حكم على كلا الصحفيين بالسجن المشدد 7 سنوات.
استخدم القانون نفسه للإفراج عن المواطن المصريّ محمّد سلطان، الذي يحمل الجنسيّة الأميركيّة إذ تعيش عائلة سلطان الأب منذ عام 1990 في أمريكا، وهو نجل الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة القياديّ الإخوانيّ صلاح الدين سلطان الذي يقوم بالتدريس بمختلف المعاهد الإسلامية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك في ميتشيجان وميسوري وأوهايو. وقد أثارت هذه القضيّة تعاطفاً عالميّاً بعدما أضرب محمّد سلطان عن الطعام منذ 29 كانون الثاني/يناير 2014، وحتّى الإفراج عنه. وأثارت صورة سلطان على سرير متحرّك يحتضنه والده، بعد سوء حالته الصحيّة أمام القاضي، تعاطفاً داخليّاً واستهجاناً خارجيّاً.
تخرّج محمّد سلطان عام 2012 من جامعة ولاية أوهايو، حاصلاً على بكالوريوس في العلوم الاقتصاديّة، ثمّ عمل عام 2013 كمدير التطوير المؤسّسيّ في الشركة المصرية للخدمات البترولية سابقاً، إلّا أنّه في آذار/مارس 2013، قرّر مغادرة أميركا والمجيء إلى مصر، لرعاية والدته عقب إصابتها بمرض السرطان وإصابة أخيه بمرض بهاقيّ، ولكنّه لم يمكث سوى خمسة أشهر ليجد نفسه بين جدران السجن عقب إلقاء القبض عليه من قبل قوّات الأمن في 25 آب/أغسطس 2013. ووجّهت إليه تهم بإدارة مركز إعلاميّ في مقر اعتصام رابعة، ونشر أخبار كاذبة عن مصر، وتشويه صورة البلاد في الخارج.
حظيت قضيّة محمّد سلطان باهتمام كبير من الإدارة الأميركيّة، حيث تناولها الرئيس الأميركيّ باراك أوباما أثناء لقائه الأخير بالرئيس عبد الفتّاح السيسي على هامش جمعيّة الأمم المتّحدة في 25 أيلول/سبتمبر 2014، مطالباً بالإفراج عنه، على خلفيّة الظروف الإنسانيّة للمتّهم، إلى جانب طلب 12 منظّمة حقوقيّة، كمركز هشام مبارك للقانون ومركز الأرض لحقوق الإنسان، بالإفراج عن المتّهم. واعتبرت هيئة المحكمة المصريّة، أنّ ما حدث تدخّل سافر في شؤون القضاء، ورفضت بشدّة تدخّل أيّ جهة، سواء كانت داخليّة أم خارجيّة.
وأصدرت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار ناجي شحاتة حكمها في 11 نيسان/أبريل2015، بمعاقبة 14 متّهماً في القضيّة بالإعدام شنقاً، و37 بالسجن المؤبّد "السجن مدى الحياة "، من بينهم محمّد سلطان.
وقال رئيس مجلس أمناء المنظّمة المصريّة لحقوق الإنسان وعضو المجلس القوميّ المصريّ لحقوق الإنسان المحامي والحقوقيّ حافظ أبو سعده لـ"المونيتور" إنّ القانون 140 في عام 2014 غير دستوريّ، حيث أنّه يميّز بين المواطنين ويخالف قاعدة المساواة". وتوقّع أبو سعده عدم دستوريّة الحكم علي يد المحكمة الدستورية في حال رفع أيّ دعوى قضائيّة أمام المحكمة الدستوريّة ضدّه. وأضاف: "يخلّ القانون بمبادئ قانونيّة هامّة منها أنّ المواطنين أمام القانون سواء. فهل يعقل أن تكون هناك جريمة يوجد فيها أكثر من شخص، ويعطي القانون ميزة لمواطن مصريّ لأنّه يحمل جنسيّة دولة أخرى، ويتمّ ترحيله إلى الدولة الأخرى، فيما يتمّ تطبيق العقوبة على شركائه في الجريمة نفسها في السجون المصريّة"؟
وأضاف: "يخلّ القانون أيضاً بمبدأ السيادة المصريّة على أراضيها. فعلى سبيل المثال، الزعيم الروحيّ للجماعة الإسلاميّة الشيخ عمر عبد الرحمن الذي اعتقل في الولايات المتّحدة عام 2013، ويقضي فيها عقوبة السجن المؤبّد بتهمة التآمر، في قضيّة تفجيرات نيويورك في عام 1993، وهي التهم التي ينفيها عمر. وعلى الرغم من بلوغه الـ77 عاماً، ومعاناته من فقدان حاسّة البصر، فهو مسجون في أميركا، وترفض أميركا تسليمه إلى مصر، على الرغم من كلّ المحاولات من الرئيس المعزول محمد مرسي التي بذلت من أجل تسليمه إلى مصر".
وقال مقرّر لجنة الحقوق السياسيّة والمدنيّة في المجلس القوميّ لحقوق الإنسان والأمين العام لحزب مصر الحريّة جورج إسحاق لـ"المونيتور" إنّه شيء محزن أن يتخلّى مصريّ عن جنسيّته، ولكن من حقّ كلّ إنسان أن يختار ما يريد. وأرفض أن يتّهم سلطان أو غيره بالخيانة، فالمناخ المصريّ أصبح ملبّداً بكلمة الخيانة والعمالة، فكلّ صاحب رأي لا يسير مع التيّار هو خائن أو عميل". واعتبر أنّ هذا المناخ لا يمكن أن يثمر حواراً بنّاء يجمع أبناء الشعب المصريّ للخروج من هذه المرحلة الصعبة، بل يؤدّي إلى مزيد من الاستقطاب الذي يفرز المزيد من العنف. فعندما ما يسمع العالم بأن هناك 683 شخص حولت أوراقهم للمفتي تمهيدا لإعدامهم بتهمة اقتحام قسم شرطة العدوة في محافظة المنيا وذلك بعد جلستين فقط من المحاكمة فأنة يعطي شعور بأن هناك مظلومين.
وتابع إسحاق لأنّ هذه الأحكام تقدّم أكبر دعم لجماعة الإخوان المسلمين، وتكسبها تعاطفاً داخليّاً وخارجيّاً، أصبح متّهماً بأنّه خائن وعميل.
وعلّقت أستاذة الرياضيات بكلية علوم جامعة القاهرة والناشطة السياسيّة الدكتورة ليلى سويف لـ"المونيتور" بالقول: "من الغريب أن نحاسب سلطان أو غيره، ونتّهمهم بالخيانة على الرغم من أنّهم استخدموا حقّاً كفله لهم القانون من دون أن نحاسب من أصدر القانون".
وأضافت: "المجرمون الحقيقيّون هم من حوّلوا الجنسيّة المصريّة إلى مجرّد أوراق من دون أن تكون للمواطن حقوق تحميه من البطش والظلم".