القاهرة - يبدو أنّ الأزهر الشريف يستعدّ لمعركة وجوديّة لمواجهة التطرّف والإرهاب، في ظلّ الاتّهامات التي طالته أخيراً، خصوصاً من جانب الإعلاميّين، بالتقصير في مواجهة التطرّف، والدعوات المطالبة بتجديد الخطاب الدينيّ. لذلك أطلق مرصد إلكترونيّ للردّ على مزاعم الإرهابيّين بلغات أجنبيّة مختلفة، كما قامت وزارة الأوقاف بتنظيم دورات تدريبيّة للأئمّة الشباب لتعريفهم بطرق التواصل على مواقع التواصل الاجتماعيّ الـ"فايسبوك" والـ"واتس آب" لتصحيح مفاهيم الإسلام.
ولكنّ قدرة الأزهر على اختراق الفضاء الإلكترونيّ تظلّ مرهونة بامتلاك إمكانات تقنيّة موازنة لتلك التي تمتلكها التنظيمات الإرهابيّة، وخصوصاً "داعش".
افتتح شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب المرصد الإلكترونيّ في 2 حزيران/يونيو، بهدف رصد ما تبثّه الجماعات الإرهابيّة، وتروّج له من أفكار مغلوطة عبر مواقعها بلغات عدّة، وإعداد الردود العلميّة عبر"بوّابة الأزهر"، لتحصين الشباب من هذه الأفكار. وفي 6 حزيران/يونيو، نظّمت وزارة الأوقاف دورة تدريبيّة لـ300 من شباب الأئمّة تتناول تصحيح المفاهيم الإسلاميّة بمداخل جديدة، وهي الـ"فايسبوك" والـ"واتس آب"، وتدريب الدعاة الشباب على كيفيّة الحوار مع غيرهم .
وفي هذا السياق، يقول مدير عام الإدارة العامّة لتدريب الأئمّة في الوزارة الشيخ أحمد ترك، في حواره مع "المونيتور" إنّهم أمام جيل جديد مختلف عن الأجيال القديمة للوزارة، وهو جيل متّصل بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعيّ. وشدّد على ضرورة عدم التركيز على عقد المؤتمرات وورش العمل، وإصدار توصيات لا تنفّذ في معظم الوقت، والتركيز بدلاً عنها على التواصل مباشرة مع الشباب.
من هنا، تأتي أهميّة هذه الدورة، وفقاً لترك، الذي يقول: "أحضّر الشباب أمامنا وأتعرّف على طريقة تفكيرهم، وأجاوب عن الأسئلة الشائكة وأعمل كقناة اتّصال بيننا وبينهم". و يعتبر ترك ذلك خطاباً دينيّاً متوازناً ويصل إلى الشباب. وأردف: "هناك صفحة على الـ"فايسبوك معنيّة بتصحيح المفاهيم، والـ"واتس آب"، وهو مكان لتجمّع الأئمّة لأيّ أحد لديه أسئلة". وقال في حديثه: هناك تعليمات أنّ أيّ أحد لديه مشكلة أو ظاهرة غلط مثل التكفير، نساعده ونجاوب على أسئلته". ويؤكّد ترك أنّ الدورة تستهدف كلّ الأئمّة من سن الـ25 وحتّى الـ40 عاماً. ويفسّر ذلك قائلاً: "هذا هو سنّ التعامل مع الشباب. أمّا الأجيال الأخرى فلديها برامج مختلفة مثل المؤتمرات وورش العمل والمساجد". ويأسف ترك لأنّ المؤسّسات الدينيّة في مصر في شكل عامّ متأخّرة جدّاً في مواجهة العصر والتوافق مع الشباب.
وأكّد أنّه لا توجد قيود تعترض عمل المؤسّسات الدينيّة في تطبيق استراتيجيّاتها. ويسعى إلى ألّا يرتبط عمل المؤسّسة بالجهد الشخصيّ، وأن يكون في إطار مؤسّساتيّ.
كثر الحديث أخيراً سواء على الساحة الفكريّة أم الدينيّة حول مسألة تجديد الخطاب الدينيّ، نتيجة صعود الجماعات المتطرّفة والجهاديّة، وهذا ما دفع بالرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي إلى الدعوة المتكرّرة إلى تجديد الخطاب الدينيّ في مصر.
ومن هنا، اعتبر الترك أنّ أيّ استراتيجيّة لتجديد الخطاب الدينيّ، لا بدّ أن تشتمل على محاور عدّة، تتمثّل في هيكلة المؤسّسات، بحيث تتناسب مع الوقت الراهن سواء ماليّاً أم إداريّاً. وأردف: "والتدريب العصريّ، هو ما تسعى إليه الوزارة في الوقت الحاليّ، إضافة إلى مناهج التعليم، ومسألة التراث الإسلاميّ وإعادة مراجعته".
وأكّد التعاون بين كلّ المؤسّسات الدينيّة، خصوصاً في سياق التواصل مع الشباب ونقل رسالته من المساجد إلى الفضاء الإلكترونيّ، وفي ظلّ وجود جيش من الإرهاب موجود على الفضاء الإلكترونيّ، وأهميّة محاربته فكريّاً.
وفي خطوة أخرى لمدى تفاعل الأزهر مع الأحداث الجارية ومواجهة التطرّف وفوضى الفضائيّات، أطلق الأزهر المرصد الإلكترونيّ بنحو 10 لغات أجنبيّة.
يقول وكيل الأزهر الدكتور عبّاس شومان إنّ تجربة المرصد الإلكترونيّ جديدة. ويتابع: "الجديد أيضاً أنّه يرصد كلّ ما تبثّه الجماعات الإرهابيّة من شبهات وترويج لأفكار ضالّة مثل الخلافة الإسلاميّة، والاستناد إلى أدلّة تخرج عن سياقها للشباب". وأضاف في حديثه إلى "المونيتور": "يعاد نشرها باللغة نفسها التي نشرها فيها موقعها، ونعدّ الردود عليها". أمّا عن الفئات المستهدفة، فيقول شومان: "يستهدف المرصد فئة معيّنة من الشباب تستخدم التقنيّات الحديثة".
ويأسف شومان لعدم امتلاك الأزهر الوسائل الإلكترونيّة نفسها التي يمتلكها "داعش". ولكنّه اعتبر المرصد خطوة جيّدة لمواجهة "داعش".
أمّا عن التحدّيات التي ستواجهم، فيقول شومان: إنّها إعداد ردود علميّة محكمة، كما أنّها قد تستغرق وقتاً طويلاً، إضافة إلى استخدامهم لغات أخرى غير المتواجدة في المرصد". لذلك، طالب شومان بدعم فنّي وتقنيّ وإتاحة المعلومات، والردّ على شبهاتهم في شكل حوار.
وفي نظرة تحليليّة إلى الموضوع، يقول الباحث الزائر في مركز كارنيجي للشرق الأوسط الدكتور جورج فهمي، إنّ هناك افتراضاً قائلاً إنّ الشباب ينضمّون إلى الجماعات الجهاديّة بسبب تبنّيهم الأفكار الجهاديّة في البداية. وهو ما اعتبره فهمي افتراضاً غير حقيقيّ. ويشرح: "أحياناً كثيرة، ينضمّ الشباب إلى السلفيّة الجهاديّة نتيجة أسباب أخرى لها علاقة بالأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة والإحباط على المستوى الإجتماعيّ، أو لرفع الظلم عن المسلمين". ويتابع: "في هذه الحالات، الفكر الدينيّ ليس الأساس الذي يدفع الشباب إلى العنف".
ومن هنا، وفقاً لفهمي، قد يلعب الأزهر، إلى جانب دار الإفتاء والأوقاف دوراً مهمّاً في احتواء غضب الشباب وإحباطهم. وأشار فهمي إلى أنّ آليّة مواجهة هذه الجماعات ليست من خلال العمل الإلكترونيّ لأنّ الشباب الذين اتّخذوا القرار بالفعل لن يزوروا صفحات الأوقاف أو الإفتاء، ولكن من خلال العمل على الأرض، وتفعيل دور المسجد، لأنّه ليس مكاناً للصلاة فقط، بل مركزاً اجتماعيّاً-دينيّاً. ونوّه بأنّ الأزهر يتميّز بقدرته على التواجد على الأرض، بخلاف "داعش"، الذي لجأ إلى الفضاء الإلكتروني، لأنّه غير قادر على التواجد على الأرض.
ودعا في النهاية إلى استقلاليّة المؤسّسات الدينيّة عن الدولة، خصوصاً وأنّها مسيّسة، حتّى لا يفقد الشباب ثقتهم في هذه المؤسّسات.
رغم التجديد الذي يتبنَاه الأزهر ومن أدواته اختراق الفضاء الالكتروني، ولكنه مازال يتحدّث بمنطق ضرورة تجديد الخطاب الديني مع الحفاظ على الثوابت الدينية وعدم المساس بها ، من دون أن يحدّد ماهيّة هذه الثوابت وحدودها، وأسباب قدسيتها. ناهيك عن كون أنّ الخطاب الأزهريّ لا يزال يعتبر نفسه الممثل الوحيد للإسلام السنّي الوسطيّ المعتدل، ومن ثم لا يرضى بأيه انتقادات توجه له أو تنتقص من هذا الدور.