الرباط — لا يكاد يمرّ أسبوع من دون أن تعلن الأجهزة الأمنيّة في المغرب اعتقال عناصر يزعم ارتباطها بتنظيم يعرف بـ"الدولة الإسلاميّة" الإرهابيّ. فمنذ الإعلان الرسميّ عن استحداث المكتب المركزيّ للأبحاث القضائيّة في 20 آذار/مارس الماضي، جرى الإعلان عن تفكيك عدد من الخلايا الجهاديّة المرتبطة فكريّاً بجماعة أبي بكر البغدادي، وهو ما يعني أنّ السلطات المغربيّة باتت موقنة أنّها ليست مستثناة من انتقال التهديد الإرهابيّ إلى أراضيها، خصوصاً بعد الهجمات على متحف باردو التي شهدتها الجارة تونس في 18 آذار/مارس الماضي.
واعتبرت الخليّة التي تمّ الإعلان عن تفكيكها في 22 آذار/مارس أخطر هذه الشبكات التي تمّ إحباط مخطّطاتها، حيث قالت الأجهزة الأمنيّة المغربيّة إنّ "تحريّاتها تؤكّد أنّ المجموعة المكوّنة من 13 عنصراً والتي تنشط في 9 مدن مغربيّة كانت تستعدّ لتنفيذ عمليّات اغتيال شخصيّات مدنيّة وسياسيّة وعسكريّة، وأنّ هذه العناصر قد أعلنت مبايعتها لأبي بكر البغدادي، وأطلقت على نفسها اسم "ولاية الدولة الإسلاميّة في بلاد المغرب الأقصى - أحفاد يوسف بن تاشفين".
وإلى جانب هذا الاكتشاف الذي يعدّ الأضخم من نوعه لناحية نشاط المتعاطفين مع "داعش" في المغرب، تمّ الكشف عن إحباط مخطّطات أخرى عدّة لأتباع "داعش" شأن خليّة مدينة "العيون" (الصحراء المتنازع عليها) المكوّنة من أربعة أفراد في 28 نيسان/أبريل، وسبقها تفكيك خليّة مدينة "فاس" التي كانت تجنّد متطوّعين للالتحاق بجبهات القتال في الأوّل من نيسان/أبريل، وخليّة أخرى في 13 من الشهر نفسه في مدينة "الناظور" شرق البلاد. وأكّدت التحقيقات حدوث اتّصالات بين معظم هذه المجموعات وعناصر قياديّة داخل التنظيم في جبهات القتال.
وعلى الرغم من أنّ المغرب كان جزءاً من التحالف الدوليّ الموجّه ضدّ "داعش" من خلال مشاركة قوّاته الجويّة الموجودة في الإمارات العربيّة المتّحدة في الضربات قبل انسحابها، فإنّ المراقبين لا يعتقدون أنّ "داعش" يعتبر المغرب هدفاً له في الوقت الراهن، حيث يرى الصحافيّ والباحث المغربيّ المتخصّص في شؤون "التنظيمات الجهاديّة" محمّد أحمد عدة أنّ كلّ المؤشّرات الميدانيّة المتوافرة تفنّد فرضيّة أن يكون التنظيم يفكّر في خلق "ولاية" أو منطقة تابعة له جغرافيّاً في المغرب.
ويتابع أحمد عدة في حديثه إلى "المونيتور" : "تنفي كلّ نداءات "الدولة الإسلاميّة" التي صدرت منذ إعلان الخلافة إلى اليوم، وجود أيّ نيّة لهذا التنظيم لإعلان المغرب أرضاً للجهاد. فالمغرب توجد فيه دولة مركزيّة قويّة وحدود محميّة وجيش نظاميّ، إضافة إلى أنّ العناصر الرمزيّة التي شكّلت أرضيّة صلبة لتمدّد "داعش" مثل الطائفيّة والحروب تنتفي في الحالة المغربيّة".
ويصف محمّد أحمد عدة المجموعات المرتبطة بالتنظيم التي تمّ إيقافها أخيراً بأنّها "ذئاب شاردة" تتلقّف النداءات المتعدّدة التي يطلقها التنظيم. ويكمل عدة: "يمكننا أن نتحدّث عن صدى هذه الرسائل والدعوات التي يرسلها التنظيم بين الفينة والأخرى ويتلقّاها المتعاطفون معه. نحن إذاً في حالة هذه الخلايا، نتحدّث عن مجموعات منفردة وصغيرة محدودة العدد لا يتجاوز أفرادها العشرة، تتلقّى هذه النداءات ثمّ تبدأ في التخطيط وتحاول الانتقال إلى مرحلة التنفيذ. وهنا مكمن الخطورة، لأنّه يصعب ضبط هذه العناصر ومراقبتها".
من جهّة أخرى، يبدو المغرب منشغلاً أكثر في معضلة المقاتلين المغاربة المتواجدين في ساحات القتال، وما يطرحه إمكان عودتهم من مخاوف. وعلى الرغم من تشديد الأجهزة الأمنيّة الخناق على شبكات ترحيل المقاتلين إلى سوريا والعراق، إلّا أنّ ذلك لم يستطع منع تدفّقهم في شكل نهائيّ بسبب استمرار نشاط شبكات التهجير داخل مدينة سبتة الخاضعة إلى الحكم الإسبانيّ.
وكشف تقرير نشر أخيراً لمرصد "الشمال لحقوق الإنسان" التحاق ستّة عناصر جديدة من شمال المغرب بأرض المعارك. لكنّ مدير المرصد محمّد بنعيسى كشف لـ"المونيتور" عن تراجع ملحوظ في أعداد المغاربة الملتحقين منذ بداية السنة الحاليّة، ويرجع بنعيسى ذلك إلى أسباب عدّة، من بينها تكثيف التعاون بين المغرب وإسبانيا على المستوى الأمنيّ ومحاصرة خلايا الاستقطاب، وإلى فقدان التنظيم جاذبيّته بالنسبة إلى الشباب بسبب ارتكابه جرائم قتل للمسلمين.
في هذا السياق، تشير آخر تقديرات المصالح الأمنيّة المغربيّة إلى أنّ عدد المقاتلين المغاربة الذين سافروا للقتال في سوريا والعراق يبلغ حوالى 1354 مقاتلاً، قتل منهم 246 في سوريا و40 في العراق، فيما اعتقل 156 منهم بعد عودتهم.
وأثبتت دراسة أعدّها مرصد الشمال لحقوق الإنسان على عيّنة من 30 مقاتلاً مغربيّاً سافروا للقتال في سوريا، أنّ الدوافع الدنيويّة مثل تحقيق الذات والبحث عن البطولة والمغامرة والرفاهيّة، كانت أبرز الأسباب التي دفعتهم إلى الهجرة. وأكّد البحث أنّ العامل الدينيّ كان ثانويّاً، خصوصاً بالنسبة إلى الجيل الثاني الذي تأثّر بالصور التي يبّثها أنصار التنظيم وتظهر رغد العيش الذي ينعم به المقاتلون.
تتضارب المعطيات في خصوص الدور الذي يلعبه المقاتلون المغاربة داخل "داعش"، فعلى الرغم ممّا عرف عن المقاتلين المغاربة من شراسة في القتال ومبادرة إلى التطوّع في العمليّات الانتحاريّة، إذ يعرف المغاربة بأنّهم يشكّلون فرقة تسمّى "الانغماسيّين"، إلّا أنّ ذلك لم يكن كافياً ليتدرّجوا داخل مناصب المسؤوليّة البارزة.
فباستثناء شخصيّة عبد العزيز المحدالي المعروف حركيّاً بأبو أسامة المغربي، والذي كان "أمير حرب" وقائداً عسكريّاً بارزاً في حلب السوريّة قبل مقتله في معارك ضدّ جبهة النصرة في آذار/مارس 2014 (10)، لا توجد هناك معطيات تشير إلى تحمّل المغاربة مسؤوليّات تنظيميّة كبيرة في "داعش".
ويوضح الباحث أحمد عدة في هذا الإطار: "لا يمكن أن يكون المغربي قائداً لرباط أو قاطع. هناك مغاربة تحمّلوا مسؤوليّات محدودة كأمراء حسبة، كأبو دجانة المغربي الذي رقّي بعدها إلى مرتبة رقيب الأمنيّين في بلدة الحسكة السوريّة، وهي مدينة من دون أيّ قيمة كبيرة".
كما أفصح محمّد أحمد عدة عن وجود حالة من التذمّر والنفور في صفوف مجموعة من المقاتلين المغاربة، بسبب تهميشهم وإقصائهم عن الامتيازات والمناصب والغنائم التي يستأثر بها السعوديّون والعراقيّون، إضافة إلى تعريضهم الدائم للخطر بوضعهم في مقدّمة المعارك. وأشار إلى تسجيل حالات هروب في أوساط المقاتلين المغاربة من الأراضي التي يسيطر عليها "داعش" إلى الحدود السوريّة – التركيّة.