لا يزال استمرار فقدان العائلات لأبنائها مستمرّاً من قبل التّنظيمات المسلّحة، الّتي سيطرت على بعض من الأراضي السوريّة. إنّ تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش) هدفه ترهيب المجتمع السوريّ، فكان الخطف أولى عمليّات التّرهيب ضدّ الشعب السوريّ، مبرّرأً لنفسه ذلك من دون وجه حقّ.
وتحدّثت السيّدة شاها محمّد، وهي والدة الشاب آكر، الّذي فقدته منذ بداية الهجوم على مدينة كوباني، عن فقدان ابنها الّذي يبلغ من العمر 17 عاماً، وانضمّ إلى وحدات حماية الشعب الكرديّة للدفاع عن مدينتهم (مدينة كوباني)، وقالت لـ"المونيتور": "منذ فترة، ونحن نحاول معرفة أيّ خبر عنه، لا نستطيع التّواصل معه رغم أنّ كلّ رفاقه يتواصلون مع عائلاتهم، فنحن لا نريد شيئاً، فقط نريد أن نعرف ما حلّ به، فلو كان فقد حياته لكنّا علمنا بذلك. إنّ أخباره منقطعة عنّا، ونحن نعاني آلاماً نفسيّة حادّة جدّاً، ومستعدّون للقيام بأيّ شيء من أجل معرفة أخباره، فهو ابننا البكر".
لم يتوان التّنظيم عن خطف المدنيّين فقط، بل يحاول التّضييق على الكلمة ونقل الخبر، فيعمد إلى خطف الصحافيّين من أماكن عملهم ويهدّد بالذبح تارة، وبالحرق طوراً، كما حصل مع الصحافيّين الكرديّين فرهاد حمو ومسعود عقيل. وفي هذا السّياق، قال الصحافيّ الكرديّ فاروق حجي مصطفى لـ"المونيتور": "في الحقيقة، إنّ داعش اعتمد سياسة التّخويف من خلال نحر الرهائن سواء أكانوا صحافيّين أم ناشطين في المجالين المدنيّ أو الإغاثيّ. ولعلّ سبب اختطافه ونحره للصحافيّين هو ترهيبهم وتهجيرهم من مناطقه حتّى يتمكّن من بثّ الخبر، كما يراه مناسباً أو يتمكّن من أن يُسوِّق لنفسه. ومنذ أن سيطر تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام على مناطق واسعة من الأراضي السوريّة، بدأ الجميع يأخذ حذره، وبدأت الدول تنصح رعاياها بعدم الاقتراب من مناطق تنظيم الدولة، وخصوصاً عندما نحر الصحافيّ الأميركيّ جيمس فولي وآخرين."
وإنّ الأمر لم يكن فقط بالنّسبة إلى الصحافيّين، إنّما عمد "داعش" إلى خطف الكرد أيضاً، فهناك عدد من الصحافيّين الكرد رهائن لدى "داعش"، وكان آخرهم فرهاد حمو والمصوّر مسعود عقيل. ولا أظنّ أنّه انتقام بقدر ما أنّ "داعش" يريد احتكار السّاحة، ليس عسكريّاً فحسب، إنّما حتّى إعلاميّاً. لذلك، نرى أن اختطاف الصحافيّين الّذين يخاطرون بحياتهم لأجل الحقيقة أشدّ وطأة من بقيّة الرهائن، الّذين وقعوا في أيدي "داعش".
ولا تعتبر هذه الحادثة الوحيدة الّتي بحثنا عنها، فهناك الكثير من هذه الأمثال، فالمخطوف الكرديّ على يدّ النّظام السوريّ جوان عبد الرّحمن خالد، الّذي يعتبر من أبرز ناشطي الثورة السوريّة، خطف على يدّ جماعات تابعة للنّظام السوريّ منذ 03/ 09/ 2012، ولا يعرف عنه شيء حتّى الآن. وفي هذا السّياق، قالت السيّدة فيان، وهي زوجة خالد لـ"المونيتور": "كان جوان يعمل في مجال الإغاثة مع الثورة السوريّة. ولقد اعتقل أكثر من مرّتين سابقاً. أمّا هذه المرّة فدهمت مجموعات كانت تسمّى باللّجان الشعبيّة منزل أحد أصدقائه، حيث كانوا يحضّرون أنفسهم للعمل، وخطفتهم في 04/09/2012، وسلّموه إلى الأمن، بحسب معلومات وصلتنا".
واعتبرت منظّمة العفو الدوليّة قصّة جوان عبد الرّحمن خالد كأحد النّاشطين السوريّين المدافعين عن الحريّة والديموقراطيّة، وطالبت النّظام السوريّ بالكشف عن مصير خالد مرّات عدّة.
إنّ الثورة تأكل من أبنائها، هذا ما قاله الكثير من النّاشطين في الحراك الثوريّ الكرديّ، بعد فقدان كلّ الامتيازات وتحويل البوصلة الثوريّة وفقدان زمام المبادرة من أيديهم. خطف الناشطين الكُرد على يدّ الجماعات المسلحة الكُردية وحدات حماية الشعب YPG الجناح العسكريّ لحزب الإتّحاد الديموقراطيّ
وفي هذا الإطار، قال المعتقل السياسيّ السّابق والقياديّ في المنظّمة الوطنيّة للشباب الكرد شبال إبراهيم لـ"المونيتور": "تتالت عمليّات الخطف في المنطقة الكرديّة، ولم يعد خافياً على أحد ما تعرّض له النّاشطون الكرد خلال فترة الثورة السوريّة، وإنّ أسباب خطفهم لم تكن إلاّ بسبب مواقفهم الدّاعمة للثورة السوريّة. لذا، كانوا عرضة للاعتقال والخطف والمضايقات والتّهديدات بالتّصفية الجسديّة، لأنّه لم تكن هناك جهة تدعم أو تحمي الشباب أو تطالب بهم". وإنّ أخطر ما يمكن أن يتعرّض له النّاشطون هو الخطف وجهل المصير، مثلما حدث مع النّاشط والعضو البارز في منظّمتنا، المنظّمة الوطنيّة للشباب الكرد أمير حامد وآخرين.
وأكّد القياديّ في المنظّمة شبال إبراهيم أنّ تلك الممارسات تعدّ الأكثر ترهيباً على حياة النّاس، وقال لـ"المونيتور": "في الحقيقة، إنّ سبب عدم اعتراف هذه الجهات بخطفهم تصبّ في خانة الرّعب، الّتي تتم ممارستها بشتّى الطرق، ومن بينها الخطف وما يتبعه من مساوئ. منذ بداية اختطاف أمير حامد، ونحن نحمّل قوّات الأسايش مسؤوليّة خطفها للنّاشط أمير، باعتبارها السلطة الوحيدة في المدينة الّتي اختطف منها، ولدينا كلّ الوثائق والمؤشّرات الّتي تثبت أنّها وراء خطفه. وبالتّحديد، تلك المعلومات حصلنا عليها من الذين كانوا برفقته، وقد نشرنا كلّ ذلك على صفحاتنا الرسميّة، ولقد طالبت به منظمة هيومن رايتس ووتش أيضاً.
أمّا النّاشط أزاد عطا فاعترفت قوّات الأسايش بعد فترة طويلة بأنّه موجود لديها، ولكنّها لم تعرّضه لأيّ محاكمة بعد، ولم يتمّ التعرّف إلى التّهم الموجّهة إليه، ولا ندري ما هي المدّة الّتي سيبقى فيها أزاد داوود مسجوناً".
وما بين التّرهيب و التّرغيب في العيش تحت وطأة السلاح في سوريا، يبقى ما يهمّ المتتبّع للشأن السوريّ أمراً واحداً، هو متى يعمّ الهدوء وننعم براحة البال والسكينة في بلدنا.
لايزال الخطف حالة يتعرض لها الشباب السوري بشكل عام في المدن السورية، ويتخوف منها المواطنين، وخاصة حالات الخطف المتكرر في صفوف القاصرات لإجبارهم على الالتحاق بالمنظمات العسكرية.