العريش، مصر— في أقلّ من أسبوعين في شهر نيسان/أبريل الجاري، نفّذ تنظيم بيت المقدس الإرهابيّ (ولاية سيناء)، هجومين نوعيّين، أحدثا خسائر فادحة في صفوف قوّات الأمن، حيث استشهد 35 عنصراً من ضبّاط القوّات المسلّحة وقوّات الشرطة وجنودها، إضافة إلى استشهاد 8 مدنيّين وإصابة 100 من قوّات الأمن و40 مدنيّاً، بحسب تأكيد مصدر طبّي لـ"المونيتور"، مقابل مقتل 5 إرهابيّين من منفّذي الهجمات. وقد أحدث ذلك حالة من الجدل والاستغراب بين صفوف الشعب المصريّ، نتيجة تطوّر الهجمات الإرهابيّة إلى أكثر شراسة، على الرغم من التصريحات العسكريّة الإيجابيّة بالقضاء على الإرهاب.
ويقول الباحث في شؤون سيناء والجماعات المسلحة، رفض الكشف عن هويّته في حديث إلى "المونيتور": "الاستغراب من نجاح هجمات الإرهاب في سيناء ليس في محلّه، لأنّ الجيش لم يغيّر في خططه التي تعدّ دفاعيّة وتعتبر محاولات لصدّ الهجمات وإغلاق الثغرات، بدلاً عن كونها خططاً هجوميّة لاستهداف الإرهاب واقتلاعه من جذوره".
وأضاف الباحث: "تعمل قوّات الجيش في سيناء في شكل روتيني أشبه بالواجب الوظيفيّ اليوميّ، من دون إجراء أيّ تغييرات لها دلالات استراتيجيّة ومستقبليّة في اجتثاث الإرهاب. فعندما يهاجم الإرهاب معسكرات الجيش بالسيّارات المفخّخة، يقوم الجيش بإغلاق الطرق المحيطة بالمعسكرات، ويعتقد بذلك أنّه أوقف الهجمات، فيتّجه الإرهاب إلى تغيير استراتيجيّته ويهجم بالعبوات الناسفة، فيتّجه الجيش إلى تغيير الطرق والسير عشوائيّاً عبر طرق صحراويّة غير منتظمة. وعندما يهاجم الإرهابيّون الارتكازات ومعسكرات الجيش بزخّات الرصاص وقذائف الـ"آر بي جي"، يتّجه الجيش إلى تعزيز معسكراته ومقرّاته من الخارج بالمزيد من أكوام الرمال".
ويستطرد: "يخطّط الإرهابيّون دائماً حسب آخر المستجدّات، ويجهّزون للهجمات بحسب الثغرات الجديدة. ومن أكبر الأخطاء التي يقع فيها الجيش هو وضع نقاط وارتكازات عسكريّة ثابتة على الطرق، ممّا يسهّل على الإرهابيّين خطط المباغتة وتنفيذ الهجمات لأهداف ثابتة، ليس لها ظهير حماية في أراضٍ صحراويّة".
بعد كلّ هجمة نوعيّة، تحدث خسائر فادحة في صفوف قوّات الجيش والأمن في سيناء، وتتّجه الحكومة على الفور بقيادة المجلس العسكري، إلى إجراء حركة تغييرات لقادة الجيش ومسؤولي الحملات العسكريّة والحرب على الإرهاب، وإدخال أسلحة جديدة أكثر فتكاً إلى ساحة المعركة.
ويرى أحد شيوخ قبيلة السواركة، إحدى أكبر القبائل في سيناء، أنّ التغييرات في القادة على مدار العامين، هي مجرّد تغييرات في الأسماء، في حين يستمرّ الإخفاق نفسه في الخطط العسكريّة الثابتة على الأرض التي لا تليق بهزيمة عدوّ إرهابيّ ذكيّ مثل ولاية سيناء، يستغلّ كلّ ما يحيط به لتنفيذ هجمات قاتلة لا يستهان بها.
ويقول الشيخ، الذي رفض الكشف عن هويّته، في حديث إلى "المونتيور": "لا تتغيّر الخطط العسكريّة في سيناء إلّا في توسيع دوائر الاشتباه، وقمع أكثر للمدنيّين، ممّا يفقد الجيش ظهيره الشعبيّ والمعلوماتي في مناطق الشيخ زويد ورفح. فعندما يخسر المدنيّون نتيجة هذه الإجراءات التعسّفية، تزيد المعركة صعوبة ويستمّر الإرهاب لسنوات عدّة".
صبيحة الخميس مطلع نيسان/أبريل الجاري، نفّذ الإرهابيّون في ولاية سيناء هجمة نوعيّة، طالت ارتكاز العبيدات غرب الشيخ زويد، أصعب الارتكازات العسكريّة للجيش في منطقة الحرب المحصورة بين العريش ورفح.
عند النظر إلى الارتكاز المستهدف، يتّضح مدى صعوبة التحصينات العسكريّة الشديدة المحيطة: وحدة عسكريّة كاملة من سلاح المشاة والمدرّعات، فوق منطقة رمليّة مرتفعة ومحيطة بأكوام من الرمال ودبّابة أميركيّة من طراز M60 المضادّة للدروع، ومجنزرتين أمريكية الصنع، ووحدات مراقبة مزوّدة بنواظير ليليّة وأسلحة رشّاشة ثقيلة، إضافة إلى مدفعيّات هاون 120 مم، في وضع مشابه لارتكاز كرم القواديس.
تواصلنا مع أحد المنشقّين عن تنظيمات السلفيّة الجهاديّة في سيناء، للإجابة عن كيفيّة نجاح الإرهابيّين في تنفيذ الهجوم. وهو يرى أنّ السبب الرئيسيّ لهذا النجاح هو اعتماد الإرهابيّين على تراخي قوّات الجيش. ويوضح الجهادي، الذي رفض الإفصاح عن هويّته، في حديث إلى "المونيتور": "هناك وحدة عسكريّة في تنظيم ولاية سيناء تسمّى الرصد والتخطيط، وظيفتها مراقبة الارتكازات والمعسكرات على فترات وأوقات مختلفة، وبناء على المعلومات التي يتمّ جمعها، يتمّ تنفيذ الهجمات النوعيّة الكبيرة".
ويستكمل: "تزداد في الأماكن العسكريّة ذات التحصين الشديد الثغرات لقناعة قوّاتها العسكريّة بأنّها في آمان، وبالتالي تحدث حالة من التراخي، يعتمد عليها عناصر ولاية سيناء في وضع خطط محكمة والتدريب عليها جيّداً. وقد تمّ التدريب على اقتحام ارتكاز العبيدات منذ انشغال قوّات الجيش في تأمين المؤتمر الاقتصاديّ، عندما فشل التنظيم في تنفيذ هجمات لإفشال المؤتمر".
وعن كيفيّة تنفيذ الهجوم المعقّد، يقول الجهادي: "كانت الهجمات المعتادة لولاية سيناء على مدار الأشهر السابقة، تتمّ بالسيّارات المخفّفة والانتحاريّين، لكنّ قوّات الجيش أغلقت الطرق كافّة المؤدّية إلى مقرّاتها بأكوام الرمال، وأعتقدت أنّها بذلك قد أوقفت الهجمات الكبيرة، مع توقّعات وتطمينات باستحالة حدوث اشتباكات ومباغتة من نقطة قريبة". ويستكمل: "لكن في حروب الإرهاب التي تعتمد على الخديعة، من أكبر الأخطاء التي تقع فيها القوّات النظاميّة هو وضع التوقّعات والتطمينات. فطالما هناك إرهاب، يجب أن تكون القوّات متأهّبة وحذرة على مدار الوقت، فالإرهاب يعتمد على الثغرات والمفاجأة وتغيير الخطط في استمرار، مع أسلوب الكرّ والفرّ على فترات مختلفة".
ويشرح الجهادي كيفيّة تنفيذ الهجوم، قائلاً: "كان هجوماً متعدّداً، بدأ كالعادة بخطّة خديعة معتمدة على إطلاق نار على خمس ارتكازات في مدن مختلفة في التوقيت ذاته، وهي العريش والشيخ زويد ورفح، بهدف التغطية على العمليّة الرئيسيّة وإرباك قيادة الجيش، في حين كان الهجوم الرئيسيّ على ارتكاز العبيدات. في البداية، تسلّل مسلّحون بأسلحة كلاشنكوف خفيفة وقنابل يدويّة خلف الكثبان الرمليّة التي وضعها الجيش، حيث تمّ استغلال التأمين كثغرة من دون رؤيتهم، ومن ثمّ أطلق آخرون قذائف "آر بي جي" من اتّجاه آخر للارتكاز لإرباك الجيش مع إطلاق رصاص كثيف من محور آخر، وكلّ ذلك بهدف التغطية على العناصر التي تسلّلت وتعاملت بالقنابل اليدويّة والأسلحة الرشّاشة. وبدأت المعركة التي انتهت بسهولة لصالح ولاية سيناء، بقتل قوّات الارتكاز واغتنامها مجنزرتين وأسر جندي".
ويرى الجهادي أسباباً عدّة في تسهيل المهمّة، أوّلها اختيار التوقيت في الخامسة فجراً، وهي من المواعيد التي يتراخى فيها الجنود، ويتّضح من الصور التي نشرها ولاية سيناء، أنّ القوّات كانت في حالة تراخٍ في شكل لا يوحي بوجودها في حالة حرب. العامل الثاني هو استغلال التحصينات العسكريّة في شكل عكسيّ، حيث تمّ استغلال الأكوام الرمليّة التي وضعها الجيش لحمايته من اختراق السيّارات المفخخة، كحاجب رؤية تسلّلوا من خلفه إلى داخل الارتكاز والاشتباك في الداخل بكلّ سهولة.
وقد تكرّر الأمر بعد عشرة أيّام، ظهر الأحد 12 نيسان/أبريل، عند مهاجمة سيّارة مفخّخة قسم ثاني العريش، الأمر لم يختلف كثيراً لدى الجهاديّ الذي يؤكّد أنّ عنصر الوقت كان الأهمّ، وهو توقيت تناول الشرطة وجبة الغداء، مع خداع قوّات التأمين بإطلاق زخّات من الرصاص من اتّجاه معاكس لسير السيّارة المخفّفة في شكل سريع واختراقها أكوام الرمال.
لكنّ المفاجأة التي فجّرها الجهاديّ لـ"المونيتور" هي أنّ "قوّات التأمين أطلقت النار على السيّارة المفخّخة قبل وصولها بوّابة القسم لكنّها لم تتأثّر، لقيام ولاية سيناء بتدريع السيّارة بقطع من الحديد المصفّح الخاصّ بالمجنزرتين التي تمّ اغتنامهما من ارتكاز العبيدات العسكري.
ويتوقّع الجهاديّ نشر تنظيم ولاية سيناء فيديو دعائيّ في الفترة المقبلة، يوثّق هذه العمليّات النوعيّة، خصوصاً لحظة هروب دبّابة من الاشتباكات، واللعب على العامل النفسيّ للشعب المصريّ، فيما يرى النشطاء والأهالي أنّ سيناء ستبقى مرتعاً للعنف والدماء لسنوات عدّة مقبلة.