مدينة غزّة - كانت إصابة منى حسين بمرض السكّري وضغط الدمّ في حملها الأخير قبل نحو عامين، بسبب سمنتها عامل ضغط لتتوجّه إلى طبيب تخسيس، وتحوّلت حياتها الاجتماعيّة إلى الأسوأ بسبب هذه السّمنة الّتي بدأت تزداد وتيرتها أخيراً حتى وصلت الى 95 كيلو جرام. وأشارت منى، البالغة من العمر 30 عاماً، لـ"المونيتور": "زادت من حماسي رغبتي في أن أرتدي ملابس ذات مقاس أصغر، وأن أشارك في كلّ المناسبات الاجتماعيّة من دونَ خجل، ناهيك عن تعرّضي لمواقف محرجة وانتقادات من البعض حول شكلي الّذي أصبح سيّئاً بسبب الزيادة الكبيرة في وزني، مثل اعتباري في الكثير من الأحاديث نموذجا للمرأة السمينة".
لطالما قرأت منى الكثير من المواضيع الّتي تتحدّث عن الضرر الّذي تخلّفه أنظمة التّخسيس القاسية على بشرة النّساء وشعرهنّ وصحتهنّ، غير أنّ اعتماد أحد الأطباء من اختصاصي التغذية على نظام غذائيّ صحيّ يساعدها في التخلّص من كتلة كبيرة من وزنها من دون الإضرار بصحّتها شجّعها على البدء، في ما وصفت الذهاب إليه بالخيار الموفّق.
ومن جهتها، وجدت سماح خالد، التّي تبلغ من العمر 26 عاماً، من مدينة غزّة، أنّ وزنها الزّائد يقف عائقاً أمام دخولها قفص الحياة الزوجيّة، لأنّ الشباب يبحثون عن فتيات ذات قوام ممشوق. وقبل خمسة أشهر، توجّهت إلى أحد أطبّاء التّخسيس لخفض وزنها، الّذي كان يزيد عن حدّه الطبيعيّ بأكثر من أربعين كلغ. وفي هذا السّياق، قالت لـ"المونيتور": "أتى هذا الأمر من باب محاولة تغيير حياتي الإجتماعيّة ودخول مرحلة جديدة، خصوصاً أنّ معظم صديقاتي دخلن عالم الحياة الزوجيّة. وانطلاقاً من ذلك، فضّلت التوجّه إلى طبيب التّخسيس لإنقاص وزني وتغيير شكلي نحو الأحسن، واقتنعت بفكرة التّخسيس في شكل أكبر حينما وجدت فتيات أعرفهنّ فقدن جزءاً كبيراً من أوزانهنّ".
وبعد خمسة أشهر، تخلّصت سماح من حوالي خمس وعشرين كيلوغرام من وزنها الزائد في جسمها، وتغيّرت حالها النفسيّة نحو الأفضل، وازدادت فرصها بالزواج أكثر من ذي قبل، حتى ارتبطت مؤخرا بأحد الأشخاص بعد أن تغيّر شكلها كلّيا، وفق قولها.
أضحت السمنة، وهي مرض العصر، من أكثر الأمراض انتشاراً في قطاع غزّة، وهذا ما أكّده حجم الإقبال على أطباء التّخسيس.
وفي هذا الإطار، أشار اختصاصيّ واستشاريّ الرعاية الصحيّة والوقائيّة وصاحب مركز "دايت" للتّخسيس في مدينة غزّة الدّكتور عطا القيسي إلى أنّ السّمنة هي الزيادة في كتلة الدهون بالوزن، ولها مضاعفات سلبيّة على حياة الإنسان، وتعرّضه في شكل أكبر لأمراض ضغط الدمّ والسكّري وآلام المفاصل وإعاقة الحمل والإجهاض المتكرّر، وأحياناً الإعاقة العقليّة من ناحية الذاكرة.
ولفت القيسي لـ"المونيتور" إلى أنّ هناك إقبالاً كبيراً من المواطنين على برامج التّخسيس، مشيراً إلى أنّ المقبلين على هذه البرامج يشعرون بالرّاحة، نتيجة الأنظمة الغذائيّة الّتي تحسّن في نمط حياتهم، وقال: "إنّ موضوع الرّاحة يتمثّل في شكل الجسم وتحسّنه، وهذا ما نسعى إليه من خلال برامجنا، ويفترض أن يتّبع في أنظمة التّخسيس، لا أن يتمّ فقط الاعتماد على إنقاص الوزن. وحين يجد الشخص أنّ وزنه قد انخفض وتحسّن شكله، تتغيّر حياته من كلّ النّواحي، وفي شكل كليّ، ممّا يبعث الرّاحة في قلبه وتفكيره".
أضاف: هناك شرائح من المجتمع بدأت تتردّد إلى مراكز التّخسيس، ومنها مرضى يتوجّهون إلى المراكز للعلاج من السّمنة الّتي تسبّبت بأمراضهم، فيما تأتي البقيّة لتحسين أشكالها أو لأسباب إجتماعيّة كحضور احتفال أو مناسبة ما.
وقال القيسي إنه يبلغ تعداد المراكز المتخصصة بالتخسيس فقط خمس مراكز على مستوى قطاع غزة، غير أنه لا يوجد أي إحصائية رسمية أو غير رسمية لعدد اختصاصي التغذية في غزة.
وأشار إلى أنّ هناك أشخاصاً يتّجهون إلى تناول الأعشاب أو العقاقير لأنّهم يريدون خفض أوزانهم في شكل سريع وكبير، غير أنّ هذا الأمر خاطئ وله مضاعفات كبيرة ولا يعطيهم النّتائج الّتي يرجونها، وقال القيسي: تمثّل النّساء ما نسبته 95 في المئة من المقبلين على برامج التّخسيس، فيما يشكّل الرّجال 5 في المئة فقط بسبب ظروفهم العمليّة والحياتيّة، الّتي تختلف عن حياة النّساء وعدم امتلاكهم الوقت للذهاب إلى البرامج.
ولفت إلى أنّ في قطاع غزّة هناك نسبة عالية من المواطنين مصابة بالسّمنة، وقال: "بين 18 و25 في المئة من المواطنين وزنهم طبيعيّ. أمّا البقيّة فمصابة بالسمنة بسبب طبيعة نمط حياتنا السيّئة والعادات والتّقاليد الغذائيّة الخاطئة وأسلوب الحياة غير المتوازن إجتماعيّاً وصحيّاً وغذائيّاً، مثل عادات تناول الطعام وما تخلفه من حلوى وغيرها".
وتابع :"هذه النّسبة الكبيرة تولّدت من خلال الأمراض المنتشرة كالسكّري والضغط والسرطان والروماتزم الّتي يكون سببها السمنة، فإذا كانت مثلاً نسبة مرضى ارتفاع ضغط الدمّ 30 في المئة من السكّان، فمن المؤكّد أنّ 97 في المئة منهم بسبب السمنة. أمّا البقيّة فأسبابها عرضيّة".
من جهته، أشار الاستشاريّ في أمراض الغدد الصمّاء والسكّري الدّكتور سهيل القيشاوي لـ"المونيتور" إلى أنّ السمنة تعتبر أحد عوامل الخطر الّتي تؤدّي إلى الإصابة بالنّوع الثاني من السكّري، وهو ما يعني الإصابة بمرض السكري بشكل جزئي، ولا يعتمد فيه المريض على التداوي بمادة الانسولين، مع توافر عوامل أخرى كعدم لعب الرياضة والتقدّم في العمر والوراثة، وقال: "إنّ السمنة تصنّف الآن كمرض، وهي في حدّ ذاتها مدخل يتسبّب بارتفاع في ضغط الدمّ، وترتبط كذلك بانخفاض معدّل إنتاج البنكرياس لمادة الانسولين بسبب تراكم الدهون عليه، مما يؤدي لإصابة الشخص السمين بمرض السكّري. أمّا مرضى السكّري من النّوع الثاني في قطاع غزّة فيمثّلون أكثر من 95 في المئة من مرضى السكّري عموماً، وهذا يعني أنّ سبب إصابة حوالى 95 في المئة من المرضى بمرض السكّري في القطاع هو السمنة".
وأكّد القيشاوي أنّ الإحصائيّات الّتي بين يديه تشير إلى أنّ نحو 47 في المئة من السيّدات اللواتي يراجعن عيادات السكّري في قطاع غزّة يعانين من السمنة.
ورغم سوء الحال الاقتصاديّة في قطاع غزّة، غير أنّ وعي السكّان لخطورة "مرض العصر" أيّ السمنة وتأثيره على حياتهم الاجتماعيّة وحالاتهم النفسيّة كان عاملاً مهمّاً في توجّههم إلى مراكز التّخسيس للتغلّب عليه.