مدينة غزّة - إنّها الخلافات السياسيّة التي تقف عثرة أمام حلّ أزمات قطاع غزّة، كانقطاع رواتب الموظّفين وإغلاق معبر رفح، وآخرها أزمة شراء الوقود الصناعيّ لمحطة توليد الكهرباء في غزّة. فحكومة الوفاق في رام الله تفرض ما يسمّى بضريبة "البلو" على السولار الصناعيّ قبل أن يباع لغزّة.
ففي الوقت الذي ينادي نائب رئيس سلطة الطاقة في قطاع غزّة فتحي الشيخ خليل بإلغاء هذه الضريبة في شكل تامّ عن السولار الخاصّ بمحطّة الكهرباء، وبالتالي القدرة على تشغيل المحطّة ساعات أكثر، نجد رئيس الهيئة العامّة للبترول في رام الله فؤاد الشوبكي يرفض هذا الخيار، ويتّهم محطّة الكهرباء في غزّة بتخزين الوقود.
وبحسب اتّفاقيّة باريس الاقتصاديّة الموقّعة عام 1994، وهي البروتوكل الاقتصاديّ الملحق باتّفاقية أوسلو، اشترطت إسرائيل أن يكون تسعير البنزين للمستهلك الفلسطينيّ بفرق لا يتجاوز الـ15% عن ثمن البنزين للمستهلك الإسرائيليّ، ممّا نتج عنه فرض السلطة الفلسطينيّة ضريبة "البلو" لتعويض هذا الفارق.
وقد حصل "المونيتور" على جدول يوضح قيمة السولار الصناعيّ الذي تمّ شراؤه من الهيئة العامّة للبترول التابعة لحكومة الوفاق في رام الله، كوقود لمحطّة الكهرباء، وتبيّن أنّ قيمة لتر السولار في أوّل أشهر العام الماضي ترواحت بين 5.6 و5.8 شيكل، إلى أن وصلت مع شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأوّل/ديسمبر إلى 3.8 شيكل.
وقال مصدر رسميّ من سلطة الطاقة في غزّة، فضّل عدم ذكر اسمه لحساسيّة القضيّة، إنّ تفاوت سعر لتر السولار الصناعيّ يعود إلى إلى ضريبة "البلو"، والتي اتّخذ مجلس الوزراء في رام الله قرار إعفاء غزّة منها بعد العدوان الإسرائيليّ، فهبط سعر اللتر إلى 3.8، في حين كان الإعفاء منها بداية العام يصل إلى 50% فقط، ممّا زاد من قيمة لتر السولار ضعف سعره الأصليّ.
وأضاف المصدر لـ"المونيتور" أنّ ضريبة "البلو" ليست الوحيدة التي تفرض على فاتورة السولار الذي يتمّ شراؤه لتشغيل محطّة الكهرباء، بل هناك ضريبة القيمة المضافة والتي تبلغ 18%، وفرق الضريبة والذي يبلغ 3%.
وفي لقاء معه عبر الهاتف، قال رئيس هئية البترول الشوبكي: "نحن جهّة تنفيذ فقط، ونعتمد على قرار مجلس الوزراء في شأن ضريبة "البلو"، ونقوم بتخفيضها على الدوام إلى 50% أو نلغيها حين يتعلّق الأمر بغزّة".
وأكّد لـ"المونيتور" أنّ عدم إلغائها في شكل دائم يعود إلى أنّ ضرائب المحروقات بمثابة دخل رئيسيّ لحكومة رام الله، خصوصاً في ظلّ الأزمات الماليّة الأخيرة التي تتعرّض لها، موضحاً أنّهم يتكبّدون فوق ذلك دفع ما قيمته 65 مليون شيكل شهريّاً، بدل استخدام قطاع غزّة للكهرباء من إسرائيل ومصر.
وأوضح أنّهم لا يتدخّلون بالقرارات التي يتّخذها مجلس الوزراء، على الرغم من أنّهم من الممكن أن يرفعوا أحياناً توصيات بخصم الضريبة، لكنّه يستدرك قائلاً: "لو كان القرار في يدي، فلن أعفي قطاع غزّة من ضريبة "البلو" لأنّ شركة الكهرباء شركة خاصّة، وتستطيع أن تشتري الوقود من تحصيلات فواتير الكهرباء".
وأضاف: "حين ضرب الاحتلال محطّة الكهرباء في العدوان الأخير، اكتشف الجميع أنّه كان هناك ثلاثة ملايين لتر من السولار الصناعيّ في مخازن المحطّة".
وردّاً على الشوبكي، يقول نائب رئيس سلطة الطاقة في غزّة الشيخ خليل خلال لقاء في مكتبه، لـ"المونيتور" إنّ تحصيل الفواتير في قطاع غزّة لا يتجاوز الـ23 % من سكّان قطاع غزّة، أي ما قيمته شهريّاً أربعة ملايين دولار، وهو لا يكفي لشراء الوقود بسبب الضرائب المتزايدة من رام الله على سعر لتر الوقود، فسداد حاجة المحطّة من الوقود يتطلّب توفير حوالى 10 مليون دولار شهريّاً.
وأضاف أنّ قيمة المنحة القطريّة العام الماضي، كانت حوالى 62 مليون دولار، ذهب نصفها إلى حكومة التوافق في رام الله، لأنّها فرضت ضريبة "البلو" بمقدار 100%، متابعاً: "نحن ندفع ثمن الوقود في شكل مضاعف. لقد خصموها بعد العدوان الأخير على غزّة، ولكن عادوا وفرضوها من جديد".
ويطالب الشيخ خليل بإلغاء ضريبة "البلو" كاملة، موضحاً أنّ هذا قرار يستطيع أن يتّخذه مجلس الوزراء في رام الله في لحظات، معتبراً أنّ مشكلة الكهرباء في غزّة سياسيّة بالدرجة الأولى.
ويضيف لـ"المونيتور": "حين تكون هناك منحة لشراء الوقود، ترجع حكومة الوفاق قيمة ضريبة "البلو" كاملة. فعلى سبيل المثال، تمّ تخصيص عشرة ملايين دولار من قطر لشهر كانون الثاني/يناير المنصرم على أساس أن تكفي لتشغيل محطّة الكهرباء مدّة شهر، ولكن بسبب الضريبة، أصبحت تكفي لأسبوعين فقط".
هذا، وقد بدأت أزمة الكهرباء تتفاقم، في شهر تمّوز/يوليو لعام 2013، حين قرّرت السلطات المصريّة تدمير الأنفاق تحت الأرض، على الحدود بين جنوب القطاع ومصر، فقد كان يأتي عبرها السولار الصناعيّ لمحطّة الكهرباء، بسعر منخفض تصل قيمته إلى حوالى 1.5 شيكل فقط للّتر الواحد.
ويفيد تقرير صادر عن سلطة الطاقة في غزّة استطاعت مراسة "المونيتور" الحصول على نسخة منه، أنّ وصول برنامج الكهرباء إلى ثماني ساعات يوميّاً، وهو أفضل برنامج وفّرته سلطة الطاقة منذ قصف طائرات الاحتلال المحطّة في حزيران/يونيو عام 2006، يحتاج إلى تشغيل مولّدين أيّ 300 ألف لتر من السولار الصناعيّ يوميّاً، ولكن بسبب ارتفاع قيمة السولار الصناعيّ وعدم شراء الوقود اللازم لتشغيل المحطّة، فإنّ جدول الساعات يهبط إلى ستّ ساعات يوميّاً وأحياناً إلى أربعة.
في الإطار ذاته، يقول رئيس سلطة الطاقة عمر كتّانة من رام الله عبر الهاتف إنّهم يطالبون بإلغاء ضريبة "البلو" على قطاع غزّة، إلّا أنّهم يعرفون في الوقت ذاته قدرات الحكومة، وما يكبّدها ذلك من خسائر، موضحاً أنّ إلغاءها يحتاج إلى قرار من 24 وزيراً، وعلى الدوام هناك وزراء معارضون لإلغاء هذه الضريبة.
وفي عودة إلى الخلافات السياسيّة، يؤكّد كتّانة لـ"المونيتور" أنّ كلّ هذه الأمور العالقة، ومنها ضريبة "البلو"، تعود إلى الخلاف السياسيّ بين الضفّة الغربيّة وغزّة، مضيفاً: "إنّ عدم تمكين حكومة الوفاق في قطاع غزّة وإعطائها الصلاحيّات، وأن تعمل في شكل مرن، أمور توقف حلّ كثير من المشاكل كأزمة الكهرباء".