حين بدأت لجنة التحقيق بسقوط الموصل اعمالها، في كانون الاول 2014 وقد استبشر العراقيون خيرا حين بدأت اللجنة اعمالها بعد أشهر من الانتظار.
فقد اقرت اللجنة في بداية عملها منع سفر اكثر من خمسين من القيادات الامنية وقامت باستجواب ثلاثة من ابرز القادة الامنيين، هم قائد العمليات المشتركة السابق الفريق عبود كنبر والفريق أول ركن علي غيدان، قائد العمليات المشتركة، إلى جانب قائد الشرطة الاتحادية السابق اللواء محسن الكعبي.
وكان من المقرر ان تنهي اللجنة اعمالها في غضون 60 يوما لتقدم تقريراً الى مجلس النواب عن نتائج التحقيق. ولكن ما حدث بعد الجلسات الاولى في اواخر ديسمبر الماضي هو ان بعض الكتل السياسية اعترضت على اداء اللجنة وطالبت بتوسيعها وزيادة عدد الاعضاء. ونتيجة لهذه الاعتراضات قرر البرلمان العراقي في 8 كانون الثاني الماضي، اعادة تشكيل اللجنة حيث تم توسيعها لتشمل جميع الاطياف والكتل السياسية العراقية، واصبح عدد اعضاء اللجنة 26 عضوا بعد ان كانت مؤلفة من 7 أعضاء.
وكنتيجة لهذه الزيادة توجب الغاء تحقيقات الجلسات الثلاث الاولى، وتقرر اعادة تلك التحقيقات.
ولكن هذه الزيادة واجهت اعتراضات كثيرة، فبعد يوم واحد من قرار البرلمان العراقي بزيادة اعضاء اللجنة، ابدى رئيس اللجنة حاكم الزاملي استياءه من هذا القرار، وأكد في مؤتمر صحفي عقده في مجلس النواب في 9 كانون الثاني، بأن زيادة عدد الاعضاء ستعيق التحقيق، وأن الهدف من هذه الزيادة، حسب تصريح الزاملي، هو "حرف التحقيقات عن مسارها الصحيح". وأشار الى ان بعض الاعضاء الجدد الذين اضيفوا الى اللجنة، جاءوا كمحامين عن بعض المتهمين، حسب وصفه.
وهنا يبرز سؤال على درجة كبيرة من الاهمية، اذ كيف يمكن للجنة ان تواصل عملها بشكل صحيح اذا ما كان رئيسها لديه مثل هذا النوع من الاعتراضات على اعضائها وعلى تشكيلها؟
وقد أبدت كتلة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي اعتراضا مماثلا من خلال بيان وزع على وسائل الاعلام العراقية في 15 كانون الثاني الماضي. واتهم البيان بعض اعضاء اللجنة بعدم المهنية، ووصف وجودهم على انه جاء لحماية بعض الشخصيات المتورطة في القضية. وقد وجه البيان بلغة حادة ومباشرة، اصابع الاتهام الى محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، وهو شقيق رئيس مجلس النواب السابق اسامة النجيفي. ورأى البيان ان اللجنة تحاول التغطية على مسؤوليته عن سقوط الموصل.
ولعل المنعطف الاخطر الذي دخلته اللجنة هو تمثيل كافة القوى السياسية فيها. لأن هذا يعبر عن توافق سياسي وفق نظام المحاصصة الذي اعتادته العملية السياسية العراقية. وهو النظام الذي اثبت فشله طيلة السنوات العشر الماضية. وطالما ابدى العراقيون استياءهم منه وعدوه السبب الأول في اشاعة الفساد وتأخر البلاد.
وفي حديث هاتفي خاص بالمونيتور من بغداد في 10 شباط الجاري، اكد الدكتور عامر حسن فياض استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، ان لجنة التحقيق بسقوط الموصل تعاني مشاكل جوهرية، وانها لا تصلح بشكلها الحالي على انجاز تحقيقات موثوقة. ويجمل فياض في حديثه للمونيتور المشكلات التي تعانيها اللجنة بثلاث نقاط. هي اولا: ان اللجنة ليست مهنية إذ لا يوجد لها قانون او منهج واضح. والثاني هو انها تشكلت على اساس المحاصصة وهذا كفيل بإضعافها وإغراقها في الرأي والرأي المضاد. والثالث هو انها غير مختصة، فلجان كهذه ينبغي ان تحظى بمختصين في المجالين القانوني والعسكري.
وتؤدي المحاصصة بالنتيجة الى توافقات سياسية تفضي الى ارضاء الكتل والاحزاب السياسية على حساب القضايا الاساسية. ودخول لجنة التحقيق في سقوط الموصل مجال المحاصصة، يعني دخولها في مجال التوافقات السياسية، الامر الذي يضعف الأمل في الوصول الى المقصرين الحقيقيين.
ومنذ لحظة الاعلان عن عزم البرلمان العراقي التحقيق بسقوط الموصل، ابدى بعض المتابعين تخوفهم من هذه الخطوة التي قد تتسبب في تسييس القضية وتمييعها.
وكانت السلطة القضائية في العراق، وعلى لسان رئيس الادعاء العام محمد قاسم الجنابي، أبدت اعتراضها على تولي البرلمان قضية التحقيق بسقوط الموصل، وجاء ذلك خلال تصريح تناقلته وسائل الاعلام المحلية والعربية في 13 كانون الثاني الماضي، ورأت أن الادعاء المدني لا علاقة له بسقوط الموصل لأنها جريمة عسكرية ترك فيها القادة العسكريون والضباط مواقعهم في المحافظة وهو ما يستدعي إسناد القضية برمتها للقانون العسكري.
وفي حديثه للمونيتور، أكد الدكتور عامر حسن فياض ان اللجنة بصيغتها الحالية ستكون عاجزة عن الوصول الى الاهداف المنشودة. ولأجل معالجة الموقف، يضيف فياض، ينبغي أن تعاد صياغة اللجنة وفق اسس قانونية صحيحة على ان يشرك فيها مختصون من خارج البرلمان.