القاهرة - كثير من المعطيات أفرزتها الضربة الجويّة المصريّة على معاقل تنظيم "داعش" الإرهابيّ في ليبيا فجر الإثنين في 16شباط/فبراير. ففي الوقت الذي كانت محلّ تقدير وترحيب على المستوى الداخليّ من الشعب المصريّ لقيادته، إلّا أنّها كشفت عن كثير من التغييرات في خريطة التحالفات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، بعدما خاب أمل القاهرة في حلفائها السابقين من دول مجلس التعاون الخليجيّ، وحيث لم يبارك رغبتها في الاستمرار بالحرب على "داعش" في ليبيا سوى دولة الإمارات العربيّة المتّحدة.
وعلى الرغم من خيبة أمل القاهرة في الحصول على دعم دوليّ يمكّنها من الاستمرار في حربها على معاقل "داعش" في الأراضي الليبيّة، إلّا أنّه كانت هناك مطالبات في مصر بتوجيه ضربات بحريّة إلى جانب الجويّة للوصول إلى معاقل التنظيم في المدن الساحليّة الليبيّة، حيث أنّ 76%من المصريّين موافقون على مواصلة القاهرة توجيه ضربات أخرى للقضاء على "داعش"، بينما 11% يرفضون ذلك وفقاً لاستطلاع رأي أجري بعد ساعات من الضربة.
وأظهر الاستطلاع الذي قام به مركز بصيرة أنّ 85% من المصريّين مؤيّدون للضربة الجويّة لـ"داعش"، (65% موافقون جدّاً و20% موافقون)، بينما 8% غير موافقين (5% غير موافقين و3% غير موافقين على الإطلاق)، و7% لا يستطيعون التحديد. وترتفع نسبة الموافقة من 82% بين الشباب من عمر 18 إلى 29 سنة إلى 90% بين الذين بلغوا من العمر 50 سنة فأكثر، كما ترتفع من 79% في الوجه القبليّ إلى 86% في الوجه البحريّ و91% في المحافظات الحضريّة.
ويذكر أنّ الوضع قد تفجّر بين مصر وتنظيم "داعش" بعد فشل المفاوضات التى كانت تستهدف إعادة 21 مصريّاً قبطيّاً أسرهم التنظيم وقام بنشر فيديو لإعدامهم ذبحاً فى مدينة سرت.
ويأتي ذلك مع وجود مئات الآلاف من المصريّين العاملين في ليبيا، حيث أصبحوا مهدّدين من تنظيم "داعش"، وهو ما جعل القاهرة تسارع إلى تسهيل عودتهم إلى مصر، ووسط كثير من التساؤلات حول تأثير عودتهم على الاقتصاد المصريّ ونسب البطالة.
على الرغم من تأكيد غالبيّة الأحزاب المصريّة أهميّة الضربة المصريّة الأخيرة لمعاقل "داعش" في ليبيا، بما اعتبرته رسالة واضحة تظهر قوّة الجيش المصريّ واستعداده، إلّا أنّه كان هناك خلاف في الرؤى بين هذه الأحزاب على استمرار الهجمات، فهناك تخوّف من جرّ مصر إلى حرب خارج أراضيها في ظلّ أزماتها الداخليّة الحاليّة سواء الاقتصاديّة أم الأمنيّة، بينما كان هناك رأي يطالب بتأجيل الانتخابات البرلمانيّة والوقوف خلف القيادة السياسيّة والجيش، في سبيل سحق الإرهاب الذي يهدّد الأمن القوميّ المصريّ من هذا التنظيم الإرهابيّ الذي امتدّ إلى عمق سيناء.
وكان لأنصار جماعة الإخوان المسلمين في مصر موقف معارض للهجمة المصريّة على تنظيم "داعش" في ليبيا، حيث دعوا إلى أسبوع ثوريّ ينطلق يوم الجمعة الذي أعقب الضربة تحت عنوان "الإرهاب صناعة الانقلاب". وأصدر تحالف دعم الشرعيّة التابع للرئيس المعزول محمّد مرسي، بياناً أكّد فيه أنّ الأمن القوميّ لمصر ومشاكل المصريّين الداخليّة أكبر من مغامرات انقلابيّة فاشلة، على حدّ تعبير البيان.
وفي المقابل، دشّن شباب مصريّون أكبر مظاهرة إلكترونيّة لدعم الجيش في مواجهة الإرهاب يوم السبت في21 شباط/فبراير 2015، على صفحات فايسبوك وتويتر، وكانت المشاركة باستخدام هاشتاج "كلّنا_الجيش_المصريّ". وعبّر المشاركون عن فخرهم واعتزازهم بالجيش المصريّ الذي لم يتهاون فى الحصول على حقّ ضحايا العمل الإرهابيّ من قبل تنظيم "داعش".
وتصدّر الهاشتاج المسىء "هل شتمت قطر اليوم" قائمة الجمل الأكثر تغريداً في مصر، والأكثر تداولاً عالميّاً، حيث حلّ في المركز الثالث في قائمة أكثر الجمل المتداولة عالميّاً، والذي صبّ مصريّون من خلاله غضبهم على قطر. ويأتي ذلك في ضوء هذا التصاعد لأزمة مصريّة-قطريّة جديدة والتي بدأت بإدانة قناة الجزيرة الضربة الجويّة المصريّة، وإظهارها صور أطفال ومدنيّين راحوا ضحايا، وما تبعها من بيان لجامعة الدول العربيّة، يؤكّد إجماع الدول العربيّة الأعضاء على دعم الغارة الجويّة المصريّة باستثناء قطر التي تحفّظت.
وردّاً على هذا التحفّظ القطريّ، اتّهم مندوب مصر الدائم لدى الجامعة العربيّة قطر بدعم الإرهاب. وعلى إثر ذلك، سارعت الدوحة إلى استدعاء سفيرها في القاهرة للتشاور، بينما كان هناك موقف من مجلس التعاون الخليجيّ مساند لقطر، ورافض للاتّهامات المصريّة لقطر بدعم الإرهاب في بيان رسميّ.
وكان البيان المشترك للولايات المتّحدة الأميركيّة و4 دول هي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وإنجلترا وألمانيا، وما تبعه من قرار لمجلس الأمن برفض الطلب المصريّ بتوفير غطاء دوليّ للتدخّل ضدّ الإرهابيّين في ليبيا، أو حتّى رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبيّ الشرعيّ، محلّ استياء من الجانب المصريّ الذي اتّهم المجتمع الدوليّ بالكيل بمكيالين تجاه "داعش"، والذي يسمح بضربات ضدّه في العراق وسوريا، ويؤكد أهميّة التعامل معه سياسيّاً في ليبيا.
جاء موقف حلفاء القاهرة المتمثّلين في دول مجلس التعاون الخليجيّ، ليكشف عن هذا التغيّر في خريطة التحالفات في منطقة الشرق الأوسط، أمام هذا الصمت السعوديّ غير المعهود، والذي يدعم هذه الشكوك في شأن برودة العلاقات المصريّة-السعوديّة بعد وفاة الملك عبد الله، وفي ضوء هذا التغيّر الأخير في الموقف السعودي من جماعة الإخوان المسلمين، وبما يدعم بقوّة كفّة عودة التحالف المصريّ-الروسيّ في منطقة الشرق الأوسط على حساب العلاقات ليس الأميركيّة فقط، بل والخليجيّة أيضاً.