الشيخ زويد، مصر - أربع سنوات مرّت على ذكرى مشاركة سيناء في الثورة المصريّة في شكل مسلّح، انتقاميّ ومغاير عن شعار القاهرة السلميّ، على أمل التحرّر من تهميش الدولة الذي استمرّ أكثر من ثلاثين عاماً. لكنّ أملهم في التغيير تحوّل إلى مأساة شديدة التعقيد من منطقة حافظت على هدوئها، إلى منطقة صاخبة ونزاع مستمرّ يدفع العزل فاتورته.
فمساء السابع والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011، هاجم الناقمون من أهالي سيناء، وخصوصاً في مدينتي الشيخ زويد ورفح، المؤسّسات الأمنيّة، وأحدثوا فيها أضراراً واسعة، بعد هجوم بكلّ أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والصواريخ، كردّ انتقاميّ وعنيف على سنوات، اعتبروا أنّه حدثت خلالها ممارسات قمعيّة من السلطات الحاكمة في حقّهم. وقد نتج عن ذلك العنف المسلّح، اختفاء الشرطة من سيناء، وهو ما وفّر بيئة من الفوضى في ظلّ غياب الجيش في هذه المنطقة آنذاك، وفقاً لبنود اتّفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.
وحول الأسباب الرئيسيّة التي دفعت المشاركين في الثورة في سيناء إلى اللجوء إلى العنف على عكس طبيعة المظاهرات، التي رفعت شعار السلميّة في القاهرة والميادين المصريّة الأخرى، يرى الباحث في شؤون سيناء والمنطقة الحدوديّة مصطفى سنجر، في حديث إلى "المونيتور" أنّ "سقوط شهيد وهو الشابّ محمّد عاطف ثاني شهداء مصر في ثورة يناير في ميدان الشيخ زويد في شمال سيناء، والاستخدام المفرط للقوّة هما سببان رئيسيّان في تحوّل سلميّة الثورة واستخدام الناقمين للسلاح".
لكنّ سنجر يرى أنّ "سقوط محمّد عاطف كان بمثابة مبرّر للناقمين ببدء مسلسل الثأر، الذي يعود إلى وجود احتقانات هائلة لدى آلاف الأهالي الذين شعروا بالغبن منذ عام 2004 بعد الحملات العشوائيّة لاعتقال الأبناء حتّى السيّدات والأطفال، خلال عمليّات ملاحقة المتورّطين في تفجيرات طابا، إضافة إلى وقوع مئات الأشخاص تحت طائلة الأحكام الغيابيّة، ممّا دفعهم إلى حمل السلاح واللجوء إلى الجبال، فكانت الثورة ممرّاً للثأر".
ويؤكّد سنجر أنّ "الثورة في الشيخ زويد في 25 و26 وحتّى عصر 27 كانون الثاني/يناير 2011، لم تكن مسلّحة نهائيّاً، وكانت تحمل مطالب محليّة على رأسها الإفراج عن المعتقلين، وإسقاط الأحكام الغيابيّة، تطوّرت بعد ذلك إلى مطالب عامّة على غرار بقيّة ميادين الجمهوريّة".
"شاركنا في الثورة لرفع الظلم، لكنّ واقعنا تحوّل إلى الأظلم"، بهذه الكلمات بدأ أبو مصطفى السيناوي، من أبناء قبيلة السواركة، إحدى أكبر القبائل في سيناء حديثه إلى "المونيتور"، مضيفاً: "ثرنا من أجل القضاء على التهميش، من أجل إعلام حرّ ينقل معاناتنا ويهتمّ بنا، من أجل تملّك أراضينا، من أجل الاعتراف بمصريّتنا، من أجل دخول الكليّات العسكريّة والشرطيّة لحماية وطننا، من أجل استغلال كلّ ثرواتنا الغنيّة بها سيناء، وتعميرها وتحويلها إلى جنّة، لكنّ النتيجة أنّنا رأينا واقعاً أسوأ، ونتعرّض إلى بطش لا يتصوّره عقل، وتحوّلت حياتنا إلى عراق جديد".
فور انسحاب الشرطة التي كانت تدير الأوضاع في سيناء، في نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2011، سيطر مسلّحون ينتمون إلى الجماعات الدينيّة على مدينتي الشيخ زويد ورفح وبعض المناطق في العريش، بدعوى حفظ الممتلكات، وسرعان ما فرضوا لجاناً للتحاكم بين المواطنين بالشريعة الإسلاميّة، سمّيت آنذاك بالمحاكم الشرعيّة، وسط غياب تامّ لمؤسّسات الدولة المصريّة.
أدّى غياب الدولة إلى تنامي الجماعات الدينيّة المسلّحة، والعصابات الإجراميّة والإتجار بالبشر والأسلحة والمخدّرات، وزاد الأمر توتّراً مع تفاقم الأوضاع في ليبيا، إلى أن تحوّلت الأسلحة النظاميّة الليبيّة كافّة إلى سيناء، عبر المهرّبين بقصد دخولها إلى قطاع غزّة عبر الأنفاق، إلّا أنّها ساهمت في تأجيج الصراع في سيناء، وتحوّلها إلى حديقة صراع ومرتع للتطرّف، يهدّد الجوار الإسرائيليّ، وكذلك استقرار النظام المصريّ في القاهرة، فضلاً عن معاناة المدنيّين العزّل في سيناء.
عقب عزل الجيش الرئيس الإخوانيّ المنتخب محمّد مرسي في الثالث من تمّوز/يوليو عام 2013، عادت الدولة بقوة إلى سيناء متمثّلة في حملات عسكريّة شرسة هي الأولى من نوعها في سيناء منذ عام 1967، بهدف السيطرة على سيناء والقضاء على الجماعات الدينيّة المسلّحة والخارجين عن القانون، وانطلقت هذه الحملات الموسّعة في السابع من آب/أغسطس 2013 وهي مستمرّة حتّى الآن.
لكنّ أحلام مواطني سيناء تبخّرت مع هذه الحملات، فزادت مظالمهم، حيث لم تفرّق الحملات بين الأبرياء والمتورّطين في جرائم، بحسب تأكيد أحد شيوخ عشائر مدينة الشيخ زويد.
ويقول الشيخ القبلي الذي رفض الإفصاح عن اسمه لدواعٍ أمنيّة، في حديث إلى "المونيتور": "يبدو أنّ القيادة المصريّة لا تدرك عواقب المظالم التي ترتكبها في حقّ أبناء سيناء، وخصوصاً العام الماضي. وحتّى هذه اللحظة، لا يبدو أنّ لديها إرادة لفصل الأبرياء الناقمين عن العناصر الإرهابيّة".
ويضيف الشيخ: "حالنا الآن، ليس مغايراً عن العراق وسوريا، فالدولة تقتل كلّ شيء بلا استثناء، وتحوّلت أحلامنا في سيناء، من المطالبة بتسليط الإعلام المصريّ الضوء علينا، إلى اعتبارنا جميعاً إرهابيّين، ومن الأحلام بالمطالبة بشربة مياه وحقّ في المواطنة، إلى مطالب بعدم قتلنا عشوائيّاً أو هدم منازلنا وتجريف مزارعنا التي زرعناها بجهودنا الذاتيّة عند غياب الدولة عنّا وتهميشنا طيلة الثلاثين سنة الماضية. وكلّ هذه المظالم تعطي الاستمراريّة والبقاء للجماعات الإرهابيّة التي تتغذّى من أفعال القمع الأمنيّ للأبرياء".
تؤكّد كلّ هذه المعطيات والقراءات الميدانيّة لـ"المونيتور" في سيناء، أنّ المقبل سيكون أسوأ، إذا لم تدرك الإرادة السياسيّة المصريّة، خطورة تزايد الناقمين من الممارسات الأمنيّة السيّئة، الذين سبق لهم الانفجار بالأسلحة والصواريخ في وجه الدولة، عندما وجدوا فرصة مؤاتيّة في ثورة 2011.