تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"داعش" استولى على الموصل قبل احتلالها وخسرها قبل الرّحيل عنها

Residents shop at a market in the city of Mosul June 17, 2014. The United States is contemplating talks with its arch-enemy Iran to support the Iraqi government in its battle with Sunni Islamist insurgents who routed Baghdad's army and seized the north of the country in the past week.  Picture taken June 17, 2014. REUTERS/Stringer (IRAQ - Tags: CIVIL UNREST POLITICS SOCIETY TPX IMAGES OF THE DAY) - RTR3UL3P

نّ الرواية الأكثر مصداقيّة اليوم، حول احتلال تنظيم "داعش" للموصل في 9/6/2014 مفادها أنّ "داعش" احتلّ الموصل قبل سنوات عدّة من هذا التّاريخ، وحكمها كدولة داخل الدولة، فالمدينة كانت غير مستقرة منذ العام 2006 وكانت القاعدة و من ثم داعش تصول وتجول. لكن اللّحظة التي مارس فيها التّنظيم الحكم الكامل للمدينة تطرح فرضيّة جديدة تماماً، مفادها أنّ "داعش" يخسر الموصل، قبل خروجه الرسميّ منها. فالغضب السني ضد حكومة بغداد، سرعان ما تحول الى غضب ضد تنظيم "داعش" الذي حاول استثمار الاستياء السني، تماماً كما حاولت الحكومة المحلية في الموصل استثمار الاستياء نفسه.

في بداية نوفمبر الجاري، أصدر من يعرف باسم والي الموصل قصي عبد المحسن، المسؤول عن دار الافتاء عند داعش تعميماً اهتمّت به وسائل الإعلام التّابعة للتّنظيم، ونشر أوّلاً عبر "النقاط الإعلاميّة"، وهي أكشاك موزّعة في أحياء المدينة تضمّ شاشات عرض للبيانات والفديوهات الخاصّة بالتّنظيم، ثمّ نشر في مواقع إلكترونيّة مقرّبة منه وفي مواقع التّواصل الإجتماعيّ.

وإنّ جوهر التّعميم هو منع أيّ عمليّة اعتقال لمواطني الموصل من دون أمر موقّع من القاضي الشرعيّ وإعلان عقوبات في حقّ أيّ مخالف لهذا القرار.

وفي واقع الحال، إنّ أهالي الموصل الذين شاركوا طوال عام 2013 في التّظاهرات ضدّ حكومة المالكي، والتي يصحّ عنها القول إنّها خسرت الموصل قبل احتلال "داعش" لها بسبب استياء سكان المدينة من تصرفات حكومة المالكي وجيشه، كانت شكاواهم تتركّز على عمليّات الاعتقال العشوائيّة - من دون الأوامر القضائيّة- التي مارستها السلطات ضدّ السكان طوال السنوات السابقة، لكنّهم صدموا بواقع أشدّ قسوة.

وإنّ استراتيجيّة "داعش" لاحتلال المدن شيّدت في الأساس على استثمار الشكاوى السنيّة من سلوك السلطات الأمنيّة في بغداد، ولم يكن في إمكان التّنظيم المغامرة باحتلال مساحات شاسعة من العراق، من دون تحديد التّوقيت المناسب، وهو لحظة وصول الغضب السنيّ من الحكومة إلى أقصى غاياته.

وما تؤكّده المصادر والشهادات التي جمعها "المونيتور" أنّ "داعش" نفّذ بين 30/6 و30 /10 من هذا العام، عمليّات اعتقال طاولت نحو 20–25 ألفاً من أهالي الموصل، وإنّ هذه الاعتقالات، وزّعت على الشكل الآتي:

- ضبّاط الجيش وعناصره والشرطة وحرس الحدود والأجهزة الأمنيّة الأخرى.

- أعضاء وقيادات في الحكومة المحليّة وأعضاء أحزاب سياسيّة، خصوصاً من المشاركين في الانتخابات الأخيرة.

- ضبّاط الجيش العراقيّ السابق وبعثيّون سابقون.

- وجهاء وزعماء قبليّون ودينيّون.

- نساء عملن في السلكين القضائيّ أو الحكوميّ في الموصل أو سيّدات أعمال، أو من عرف عنهم عدم التزام الزيّ الذي ألزم "داعش" النّساء على ارتدائه.

- شباب عرفوا بانتقاداتهم للتّنظيم أو تناولوا الخمور أو السجائر أو خالفوا التّعليمات الضريبيّة.

- الأهالي من المسيحيّين والإزيديّين أو الشبك والتّركمان أو الأكراد الذين احتلّت مناطقهم ولم تتح لهم فرص الهرب.

إنّ معظم تلك الاعتقالات، تمّت على أساس إعادة انتاج "المخبر السريّ"، فإنّ المعتقلين الذين أتيحت لهم فرصة الخروج من سجن "داعش" أكّدوا أنّ شبكة مخبري "داعش" منتشرين في الأحياء، وهم يمرّرون انتقامات شخصيّة أو مصالح ماليّة أو نيل تقدير وكسب ثقة التّنظيم.

وقال لـ"المونيتور" محمود الموصلّي بعد خروجه من السجن بوساطة أحد أقربائه، وهو الشاب الذي أبلغ عنه مخبر سريّ: "إنّ معظم من كانوا معي في المعتقل، اقتيدوا بناء على معلومات استحصلها تنظيم "داعش" من مخبرين سريّين، وهو يزداد اعتماده عليهم في شكل متواصل".

وهذه الخريطة من المعتقلين في الموصل هي أكثر اتّساعاً بكثير، من تلك التي تعرّض لها السكّان على أيدي القوّات الأمنيّة العراقيّة. وإنّ هامش الإحالات على المحاكم وتوكيل محامي دفاع ألغيت تماماً بإلغاء القانون نفسه، فأصبحت العقوبة مقترنة برأي رجل الدين الذي يسمّى "القاضي الشرعيّ"، وهو في الغالب من أكثر عناصر التّنظيم تشدّداً، وغالباً ما يكون من الأجانب.

إنّ اتّساع الاعتقالات كان أنتج اكتظاظاً غير مسبوق في السجون التي استخدمها "داعش"، إلى درجة أنّ تضاعف عدد المعتقلين يشكّل ضغطاً على اقتصاد التّنظيم الذي عليه توفير الحراسة اللاّزمة للمعتقلات والمحقّقين، والحدود الدنيا من التّغذية، ممّا دفعه إلى توسيع عمليّات الإعدام لتسريع إفراغ سجونه. وقد يتعرّض معتقل بتهمة التّدخين إلى الإعدام، والأمر منوط باجتهاد القاضي الشرعيّ نفسه.

وتنفّذ معظم الإعدامات بحسب الشهود، بطريقة سريّة وفي شكل جماعيّ، وبعضها ينفّذ في ساحات عامّة بهدف التّنكيل، فتمتلئ مشرحة الموصل بالجثث، ويربض أهالي المعتقلين أمام أبواب المشرحة، بدلاً من المحاكم بانتظار أبنائهم.

وتحدّث هاتفيّاً لـ"المونيتور" موسى الحمداني، وهو من أهالي الموصل، عن مزاج المدينة المتغيّر، فقال: "علينا أن نعترف بأنّ "داعش"، كان يمتلك حاضنة شعبيّة عريضة داخل المدينة، وكثيراً ما طرح نفسه كحام أو منتقم لأيّ اعتداء يحصل ضدّ السكان، بل كان يرعى مئات من عائلات المعتقلين أو القتلى بصرف النظر عن انتمائهم للتّنظيم".

أضاف: "كما أنّ التّنظيم، الذي عرض نفسه كمدافع عن أهل السنّة، استقطب تعاطفاً وترحيباً من الأهالي في الأيّام الأولى لاحتلال الموصل، خصوصاً أنّ الاحتلال تمّ تحت غطاء بعثيّين سابقين وضباط جيش قبل أن يتمّ الانقلاب على هؤلاء أيضاً".

لقد امتدّ الاستثمار الطويل لـ"داعش" في الموصل لسنوات، لكنّه بحسب موسى تصدّع بعد أقلّ من شهرين من احتلال المدينة.

وقال حسن: "في أسابيع قليلة فقط، خسر داعش قاعدته في الموصل، وهذا ما برّر سلوكه العدوانيّ ضدّ الأهالي وتضاعف المعتقلين والمعدومين. وإنّ التّنظيم اكتشف أنّ حكم مدينة يزيد سكّانها عن مليوني نسمة، يختلف عن احتلالها. وإضافة إلى الجرائم التي ارتكبت ضد المسيحيّين والإزيديّين وهدم المراقد والتّهجير، فإنّ تفشّي البطالة وتحطّم اقتصاد المدينة وتضاعف معدّلات التضخّم وإفلاس عدد كبير من التجار، ساعدت على تغيّر المزاج الشعبيّ ضدّ داعش".

وإنّ سلوك مقاتلي البغدادي وتدخّلهم في خصوصيّات العائلات وانتهاك القيم القبليّة أو العائليّة المحافظة ونشر القوانين الرجعيّة وإجبار السكّان على طريقة لبس ونمط حياة لم يعتادوا عليهما، عوامل أخرى أوردها الشهود عن تحوّلات مدينتهم.

وإنّ "داعش"، بحسب محي الدين، وهو محام سابق في الموصل، "لم يقدّم إلى الأهالي أيّ حلول لأزماتهم الإقتصاديّة والأمنيّة والإجتماعية بل ضاعفها، وهو يخوض مغامرة دوليّة وإقليميّة يدرك السكّان أنّ تكلفتها سيدفعونها هم قبل عناصر التّنظيم".

وقال: إنّ "داعش" أراد للسكّان أن يقطعوا أيّ أمل بالحياة، في حال تحطّمت أسطورة "الخلافة"، وهو يراهن على الوقت لتكريس هذا الإحساس.

وما يتّفق عليه أهالي الموصل، على أنّ "داعش" خارج حسابات المستقبل، وهو يصبح أكثر عنفاً مع تكريس غربة مقاتليه عن المدينة، ويستدعي المزيد من المتطوّعين من دول أخرى.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in