القاهرة - في محاولة للخروج من أزمة الطاقة والانقطاع المتكرّر للكهرباء، بسبب نقص إمدادات الوقود، وتهالك الشبكات القوميّة ومحطّات الكهرباء، بدأت الحكومة المصريّة إجراءات وسياسات طموحة للتوسّع في استخدام الطاقة الجديدة والمتجدّدة وأهمّها الطاقة الشمسيّة، والتي لا تزال صعبة المنال، على الرغم من الإمكانات الهائلة التي تتمتّع بها مصر، وذلك بسبب ارتفاع كلفة الاستثمارات المطلوبة، للتوسّع في إنتاج الطاقة الشمسيّة، في ظل عجز لا يزال قائماً في الموازنة العامة للدولة.
وخلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي، عقد رئيس الوزراء عدداً من الاجتماعات المكثّفة مع وزير الكهرباء والطاقة، وكلّ المعنيّين بقطاع الطاقة في مصر من شركات القطاع الخاصّ، لبحث تنفيذ استراتيجيّة طويلة المدى للطاقة المتجدّدة ، بينما أكّدت الحكومة في بيانات صحافيّة عدّة –حصل المونيتور على نسخ منها- أنّه لا بديل عن التوسّع في استخدام الطاقة الشمسيّة، ومصادر الطاقة المتجدّدة الأخرى، للخروج من أزمة الطاقة من دون الاعتماد على الغاز الطبيعيّ، أو السولار لتشغيل محطّات الكهرباء.
وفي 20 أيلول/سبتمبر، أعلنت وزارة الكهرباء والطاقة عن تعريفة مميّزة (تسعيرة) لشراء الطاقة الجديدة من الشمس والرياح، والتي تنتجها شركات القطاع الخاصّ، بعدما تمّ تأجيل هذه الخطوة لأكثر من خمس سنوات، في محاولة لتشجيع القطاع الخاصّ على إنتاج هذا النوع من الطاقة، وتخصيصها للاستخدامات المنزليّة والتجاريّة، على أن يكون البدء بالمباني الحكوميّة. وتموّل الدولة جزءاً من هذه المشاريع، من خلال قروض ميسّرة من وزارة الماليّة بفائدة 4%.
قال المتحدث باسم وزير الكهرباء والطاقة، محمد اليماني، في تصريح لـ:"المونيتور" : " خطة الحكومة تستهدف انتاج 20% من الطاقة المستخدمة داخل مصر من مصادر الطاقة المتجددة، منها 12% من الرياح، خلال عام 2020"، بينما تنتج مصر أقل من 1% من استخدامات الطاقة من المصادر المتجددة ( الشمس أو الرياح)".
ويوضح اليامني أن "المشروعات الحالية لتوليد الطاقة الشمسية لا تزال مشروعات صغيرة لإنارة المباني الحكومية والشركات وبعض مباني الجامعات في صعيد مصر".
ولا تزال شكاوى المستثمرين في مجالات الطاقة في مصر تتلخّص دائماً في صعوبة الإجراءات، للبدء في أيّ مشاريع في هذا المجال، إلاّ أنّ شاكر أكّد: "لدينا الآن إجراءات تنظيميّة سهلة لتشجيع المستثمر، وتسهيل إجراءات الحصول على تراخيص بناء محطّات توليد الكهرباء، باستخدام الطاقة المتجدّدة".
ويضيف شاكر: "تلقّت الحكومة عروضاً من شركات خاصّة محليّة وعالميّة، لتنفيذ 20 مشروعاً لإنتاج الطاقة الشمسيّة بكلفة 30 مليار دولار، ستساهم في إضافة 20 ألف ميجا وات إلى شبكة الكهرباء خلال عامين فقط".
وكانت هيئة الطاقة المتجدّدة في وزارة الكهرباء أنشأت محطّات شمسيّة تعمل بالخلايا الشمسيّة في منطقة "كوم أمبو" في محافظة أسوان وفي مدينة الغردقة، إضافة إلى المحطّات الحراريّة التي أنشأتها وزارة الكهرباء مثل محطّة الكريمات الشمسيّة، ومحطة أخرى مزمع إنشاؤها في أسوان، إلاّ أنّها لا تزال قيد الدراسة.
وعلى الرغم من حالة الحماس داخل الحكومة، للإسراع في تنفيذ خطّة استخدام الطاقة الشمسيّة الطموحة، لا تزال الجهّات القانونيّة واللجان التشريعيّة في الدولة، تراجع عقود الاستثمار والتراخيص، ليكون بناء المحطّات والحصول على الأراضي بنظام حقّ الانتفاع لمدّة محدّدة.
ولإمكان الاستفادة من إجراءات الحكومة الأخيرة للدفع باستخدام الطاقة الشمسيّة، يطالب أصحاب شركات القطاع الخاصّ الحكومة بإنهاء عقبات التعاقد واستخراج التراخيص اللازمة، والتي كانت ولا تزال سبباً في تأخير التوسّع وانطلاق مشاريع الطاقة الشمسيّة في مصر.
يقول رئيس مجلس إدارة الشركة المصريّة لأنظمة الطاقة الشمسيّة سمير صبحي: "كانت قرارات الحكومة الأخيرة بوضع تعريفة للطاقة المتجدّدة من الشمس والرياح، المحرّك والمحفّذ الأساسيّ للشركات للعمل في هذا المجال، بعدما كان هذا القرار سبباً رئيسيّاً في تأخّر استخدام الطاقة الشمسيّة في مصر".
وطالب صبحي الدولة بسرعة إنجاز ما تبقّى من إجراءات قد تكون عائقاً أمام القطاع الخاصّ للاستثمار في إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجدّدة، قائلاً: "أصبح تحرّك الدولة الآن في هذا الملفّ هدفاً وطنيّاً... وليس ترفيهيّاً".
وأوضح صبحي الذي تقوم شركته بإنتاج 500 كيلو وات يوميّاً من الطاقة الشمسيّة، وإضافتهم إلى شبكة الكهرباء في حيّ مدينة نصر قائلاً: "لدينا تجارب ودراسات تؤكّد نجاح هذه المشاريع بنسب كبيرة، خصوصاً وأنّ مصر تقع في الحزام الشمسيّ الذي يعطيها فرص التوسّع في إنتاج الطاقة من الشمس أكثر من الدول الأوروبيّة".
كذلك، أكّد رئيس مجلس إدارة شركة طاقة عربيّة خالد أبو بكر في حديثه إلى "المونيتور": "تشجيع القطاع الخاصّ لدعم خطّة الدولة في إنتاج الطاقة المتجدّدة، في حاجة إلى تثبيت الأطر التشريعيّة والنظام الضريبيّ، حتّى يمكن تطمين المستثمر في ضخّ استثمارات في بنية أساسيّة لمشاريع قد تدرّ عائداً بعد فترة زمنيّة".
ويرى أبو بكر أنّ "إصلاح ملفّ الطاقة في مصر قد يكون قاطرة لمزيد من الاستثمارات التي تدعم الوضع الاقتصاديّ للدولة". وقال: "وفق الدراسات، نحن في حاجة على الأقلّ إلى 3000 ميجا وات من الطاقة الشمسيّة، إلاّ أنّ الدولة لا تزال في موقف حرج وصعب، لوجود تحدّيات كبيرة لإمكان توفير هذه الحاجات".
وتحاول القاهرة إعادة الترويج لمشروع "ديزرتك" Desertec للطاقة الشمسيّة، لربط شمال إفريقيا والمنطقة العربيّة بجنوب أوروبّا وباقي القارّة الأوروبيّة، لجذب رؤوس الأموال العالميّة للاستثمار في مصر لإنتاج الطاقة من مصادر متجدّدة، ثم تصديرها إلى الخارج.
وكان تقرير منظّمة ديسرتك بعنوان "طاقة نظيفة من الصحراء"، قد رصد وضع أزمة الطاقة في مصر، في ظلّ ارتفاع معدّلات الزيادة السكّانيّة، وزيادة الطلب على الطاقة وقلّة إمكانات إنتاج الكهرباء من المصادر التقليديّة المعتمدة على الموادّ البتروليّة، إلى جانب مشكلة أخرى، وهي عجز القاهرة في التوسّع في توليد الطاقة الكهرومائيّة من السدّ العالي، بعد وجود تهديدات واضحة لحصّتها المائيّة من نهر النيل، وهو ما يؤكّد عدم وجود بديل سوى التوسّع في الطاقة الشمسيّة، والتي تتمتّع بها الصحراء الغربيّة والشرقيّة في مصر.
ويؤكّد التقرير أنّ كلّ الدراسات التي أجريت على إمكانات الطاقة الشمسيّة في مصر تؤكّد إمكان الاعتماد الاقتصاديّ الكامل على إمدادات الطاقة المنتجة من مصادر متجدّدة، بل ويمكن أن تكون هذه الطاقة مصدراً للدخل القوميّ لمصر إذا تمّ تصديرها.
وتقف محاولات الحكومة للدفع باستخدام الطاقة الشمسيّة عند إمكانات التوصّل إلى تشريعات توازن بين ضمان تأمين الحاجات الداخليّة، والطلب المتزايد على الطاقة، وجذب المستثمرين في الوقت نفسه من خلال مزايا تحفيزيّة، بعدما أصبح البحث عن مصادر بديلة للطاقة السبيل الوحيد للخروج من المأزق الحاليّ، وتجنباً للمعارضة الشعبيّة التي أثيرت بعد سماح الحكومة لشركات الإسمنت باستخدام الفحم كمزيج للطاقة.