فاجأت قطر العديد من الأوساط السياسية حين طلبت صباح الجمعة 12/9 من بعض قيادات الإخوان المسلمين مغادرة الدوحة، في إطار الموافقة على الشروط الخليجية لعودة العلاقات الطبيعية معها.
خرجت تسريبات يوم 14/9 تحدثت عن إمكانية تعميم إخراج القيادات الإخوانية على زعامات حركة حماس، المقيمة في الدوحة بصورة دائمة منذ خروجها من سوريا أواسط 2012، وذلك استجابة للضغوط الدولية.
الصراعات الداخلية
فيما نفى القيادي البارز في حماس إسماعيل رضوان، وزير الأوقاف الفلسطيني السابق، المقيم في الآونة الأخيرة بين بيروت والدوحة، "للمونيتور" "أن تكون الدوحة طلبت من حماس مغادرة أراضيها، معتبرا تسريب تلك الأنباء محاولة بائسة لتوتير العلاقات بين الجانبين، التي تمر في أفضل حالاتها".
لكن أحمد يوسف، المستشار السابق لرئيس حكومة حماس إسماعيل هنية، أكد "للمونيتور" أن "حماس لم يصلها أي مطلب بتخفيف تواجدها في الدوحة، ولم تمارس عليها أي ضغوط حول هذا المطلب، لاسيما أن خالد مشعل زعيم الحركة يمتلك علاقات وطيدة مع الأسرة الحاكمة في قطر لمدة تزيد عن 20 عاما، ويسودها أجواء التفاهم والاحترام المتبادل، حماس وقطر تمتلكان علاقات سياسية قوية، وهناك تفاهمات في السياسات حيال التطورات المتلاحقة في الإقليم، وقطر عندما استضافت حماس في أراضيها رغبت أن يكون لها دور في المنطقة، وقرارها بإبعاد قيادات الإخوان المسلمين عن أراضيها لا يعمم على قيادات حماس".
الإجابة الأكثر صراحة وردت على لسان موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، في حواره الأخير مع "المونيتور" يوم 15/9، حين نفى أن يكون الإجراء القطري ضد الإخوان المسلمين سينعكس على السياسة القطريّة تجاه حماس.
الاطمئنان الحمساوي من بقائهم في الدوحة، لم يمنع مسئولاً إعلامياً في حماس من القول "للمونيتور": "متانة علاقاتنا مع قطر، تجعلنا نقر بوجود ضغوط سياسية عليها من عواصم إقليمية ودولية ترى في حماس خصماً لها، واحترامنا للموقف القطري، يدفعنا لتفهم أي خطوة ما، بغض النظر عن تفاصيلها، والحركة تمتلك من البدائل العديدة في حال وصلها أي طلب من هذا النوع، دون أن يؤثر على متانة علاقاتنا مع الدوحة، ونحن لا ننسى لها أنها شكلت، وما زالت تشكل، حاضنة لحماس في هذا الظرف الإقليمي الصعب".
ومع ذلك، فقد أكد مسئول خليجي مطلع على ترتيبات المصالحة بين قطر ودول الخليج "للمونيتور" في اتصال هاتفي من الرياض: "وجود حماس في الدوحة لن يتأثر بالضرورة بالصفقة الخليجية الداخلية لترميم العلاقات مع قطر، فالحركة تمتلك علاقات جيدة ومتطورة مع عدد من دول مجلس التعاون الخليجي، كالسعودية والكويت على سبيل المثال، والاعتراض الخليجي على إقامة قيادات من الإخوان المسلمين في الدوحة، لا ينسحب على قيادات حماس".
لكن النفي الحمساوي المتكرر لأي طلب قطري بمغادرة أراضيها، تزامن مع زيارة مفاجئة لمشعل إلى تونس يوم الجمعة 12/9 لم يعلن عنها من قبل، على رأس وفد قيادي كبير.
وقد دفع هذا التزامن بصحيفة "الشروق" التونسية للحديث عن طلب تقدم به مشعل للرئيس منصف المرزوقي، للإقامة في تونس، وهو ما نفته حماس مباشرة يوم 15/9 على لسان سامي أبو زهري المتحدث باسمها في غزة.
وجدد أنور الغربي مستشار الرئيس التونسي للشؤون الدولية يوم 15/9، النفي بأن تكون مسألة إقامة قيادة حماس في تونس مطروحة، وأن زيارة مشعل الأخيرة لتونس ضمن سياق متابعة الملف الفلسطيني بعد نهاية حرب غزة.
عدم الاستقرار
لكن مسئولاً تونسياً معارضاً طلب عدم الكشف عن هويته، قال "للمونيتور": "أجندة زيارة مشعل لم تكن تقليدية، فلم تقتصر على لقاء الرئيس كما جرت العادة في زياراته لباقي الدول العربية، بل تعمد لقاء نخبة من الزعامات السياسية الموالية والمعارضة".
وأضاف: "اجتمعت قيادة حماس الزائرة لتونس مع قيادات حزب النهضة الإسلامية وعلى رأسهم راشد الغنوشي، وفي ذات الوقت التقى بزعامات "حزبي المؤتمر والجمهوري"، لتسويق مواقف حماس أمام مختلف القوى السياسية التونسية، لاسيما وهي تقترب من استحقاق الانتخابات التشريعية والرئاسية في أكتوبر القادم".
"المونيتور" تواصل مع مسئول في حماس، وسأله عن خيارات الحركة في حال تطور الموقف مع قطر، وطلبت مغادرة قيادة الحركة، أو على الأقل التخفيف من بعثتها التنظيمية المتواجدة في الدوحة، فأجاب: "الحركة ليست مضطرة للدخول في فرضيات غير قائمة، على الأقل حالياً، لكن تقلبات المواقف السياسية في المنطقة تجعلنا مستعدين لأي سيناريو، ولو كان مستبعداً، ونحن نمتلك علاقات قوية مع العديد من الدول العربية، بما فيها تونس، السودان، اليمن".
كما علم "المونيتور" من مسئول سياسي تونسي أن "تونس تحولت في الأعوام الثلاثة الأخيرة التي تلت الثورة إلى أحد أهم مراكز نشاط حماس في الخارج، من خلال تنظيم المهرجانات، وعقد الاجتماعات، وجمع التبرعات، في ظل زيادة نفوذ الإسلاميين التونسيين عقب الإطاحة بنظام "بن علي" أوائل 2011".
الزاوية التي لم تحظ بكثير من الاهتمام في بحث إمكانية مغادرة حماس من قطر، تأثيرها المتوقع على موازين القوى في الحركة بين قيادتي الداخل والخارج.
فقد علم "المونيتور" من نقاشات تجري بين أروقة حماس أن "تنقل القيادة بين فترة وأخرى من بلد إلى آخر يجعلها في حالة إرباك سياسي وإداري على حد سواء، على اعتبار أن الاستقرار في مكان ما يمنح قيادة حماس أريحية مكانية وزمانية لاتخاذ قرارات على نار هادئة، والتخطيط لاستراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى، وجاءت التنقلات في السنوات الأخيرة لتحرم الحركة في الخارج من هذه الخطوات الأساسية، وهو ما تتمتع به قيادة الداخل التي تقيم في غزة بصورة خاصة".