انخفض عدد الليبيين الذين صوتوا هذه المرة لمجلس النواب مقارنة مع الانتخابات العامة في العام 2012، بما أنّ البرلمان الجديد معروف. ففي العام 2012، امتلأ الليبيون بالأمل والتفاؤل بعد أن أطاح الثوار، المدعومون من الناتو وقطر، بالعقيد معمر القذافي الذي بقي في الحكم لفترة طويلة. الديمقراطية، الاستقرار، الأمن، السلام، وفوق كل ذلك الحرية هي القضايا النبيلة التي كانت تتوق إليها أكثرية أبناء بلدي. لكن لم يستغرق الأمر أكثر من ثلاث سنوات لنرى ذلك كله ينهار متحولاً إلى كومة من الحطام.
لا عجب أنّ الذين صوتوا هذه المرة بلغ عددهم 630,000 شخص فحسب، أي أقل من نصف الناخبين المؤهلين المسجلين للإدلاء بأصواتهم، مقارنة مع أكثر من 3 ملايين شخص في العام 2012. لم يجر ترشيح لوائح حزبية هذه المرة، بل خاض كل مرشح الانتخابات بمفرده، تدعمه مصداقيته الشخصية. ولا يُتوقع صدور النتائج الكاملة قبل 3 تموز/يوليو.
امتنعت عدة مراكز اقتراع عن فتح أبوابها لأسباب أمنية يوم 25 حزيران/يونيو، بخاصة في مدينة درنة شرق البلاد ومدينة الكفرة الجنوبية الشرقية. وأعلنت المفوضية الليبية للانتخابات عن بقاء 15 مقعدًا شاغرًا في البرلمان المؤلف من 200 عضو بسبب العجز عن إجراء الانتخابات في بعض أجزاء البلاد، مع تحديد تاريخ جديد للاقتراع لشغل مقاعد أخرى. وفي بنغازي، اقتحم مسلحون منزل المحامية البارزة في ملف حقوق الإنسان سلوى بوقعيقيص وقتلوها بعد أن أدلت بصوتها. فلقد قاموا بطعنها قبل أن يطلقوا عليها النار في رأسها. وقد اشتهرت بوقعيقيص بانتقادها للمجموعات المسلحة في بنغازي. تبين لاحقًا أنّ حارس منزلها المصري، الذي جُرِح في الهجوم، قُتِل أثناء وجوده في عهدة الشرطة، وقد كان الشاهد الوحيد على الجريمة.
من المهم أن نفهم لماذا انخفض هذه المرة عدد الليبيين المقترعين في الوقت الذي كان العكس متوقعًا.
في وقت سابق من العام الجاري، فقد جزء كبير من الليبيين ثقتهم في العملية الديمقراطية بعد أن خيبت آمالهم مرارًا وتكرارًا. فالهيئة التي انتخبوها في العام 2012، 'المؤتمر الوطني العام'، قد شلها الاقتتال الداخلي والفساد، وشغلت نفسها بقضايا أقل إلحاحًا، وتجاوزت المدة المحددة لها. ولولا المطالب الشعبية الكبيرة بأن يحلّ المؤتمر الوطني العام نفسه ويدعو للانتخابات، ولولا العمليات العسكرية التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لما جرت انتخابات الأسبوع الماضي على الإطلاق.
ينتشر أيضًا بين الليبيين شعور كبير بخيبة الأمل بجميع الأحزاب السياسية تقريبًا. وإلى جانب الإحباط العظيم نتيجة انعدام التقدم، لم يرَ معظم الليبيين أي جدوى من التصويت لسلطة تشريعية انتقالية أخرى يرى كثيرون أنها لن تختلف عن التي سبقتها. يعتقد جزء كبير من النخب القبلية والسياسية أنه في حين تشكّل الانتخابات أولوية لإبعاد ليبيا عن شفير حرب أهلية شاملة، تبقى المصالحة الوطنية أهم بكثير.
ينعكس ذلك بشكل كبير عبر حجم تصويت الليبيين في الخارج. جرت الانتخابات في 13 بلدًا، بما في ذلك مصر وتونس حيث يتواجد أكثر من مليون ليبي. معظم هؤلاء الأشخاص هم ضد الوضع الراهن، في حين يُعتبَر كثير غيرهم من مؤيدي النظام السابق؛ ومن بين 10,000 ناخب مسجل في الخارج، أدلى أقل من 4,000 ليبي بأصواتهم. إذا ألقينا نظرة أدق إلى الأرقام في تونس مثلاً، نرى أنّ 114 شخصًا فقط من أصل 400 ناخب مسجل أدلوا بأصواتهم، وفي مصر، كان النسبة أقل انخفاضًا حتى، مع 400 مقترع فقط من أصل 1,000 ناخب مسجل تقريبًا.
يبقى الشتات الليبي، نظرًا لحجمه وخبرات أعضائه، صاحب المؤهلات الأكبر لإدارة البلد، لكن كثير من هؤلاء الأشخاص مُنِعوا من الترشح لسببين رئيسيين: الشق الأمني، وتجريدهم من الأهلية بموجب قانون العزل السياسي المعروف الذي أقره المؤتمر الوطني العام تحت ضغط الميليشيات بهدف تطهير البلاد من مسؤولي النظام السابق.
من الواضح أنّ الليبيين غير راضين عن طريقة حكم بلدهم وإدارته، والإقبال الضعيف على الانتخابات برهان على قلة اهتمام الناس بالعملية السياسية في ليبيا الجديدة. وهذا توجه خطير في ظل ديمقراطية جديدة لأنه يشير إلى فشل كل من النخبة السياسية والحكومة في كسب ثقة الشعب، وفي عكس إرادة المواطنين وفي تمثيل المصالح العامة تمثيلاً حقيقيًا.
على أي حال، وبالرغم من أنّ النتائج النهائية لم تصدر بعد، لا شك في أنّ الشعب الليبي هو الخاسر الأكبر.