لم تثر زيارة وزير المال التركي محمد شمشك إلى بيروت الأسبوع الماضي ضجة إعلامية كبيرة، ولكنها في مضمونها ورمزيتها تحمل أكثر من إشارة ورسالة، خاصة أنها تأتي بعد سلسلة من الأزمات أكان في الداخل التركي أوفي الجوار المشرقي. وكانت المرة الأخيرة التي برز فيها الحضور التركي في لبنان هي حين أطلق سراح الطيارين التركيين الذين خطفا في لبنان. حينها كان الحدث أمنياً بإمتياز ، وخطف الأضواء كلها، نظراً لأهمية عملية الإفراج بحد ذاتها، ولأنها أيضاً جاءت على خلفية إنقسام سياسي حاد في الداخل اللبناني حول موقف تركيا من الثورات العربية ومن الحرب الدائرة في سوريا تحديداً.
أما زيارة الأمس فهي إقتصادية بإمتياز. تتخطى الأزمة الإقليمية بآنيتها وتداعياتها الأمنية والسياسية، كما وتتخطى علامات الإستفهام العديدة حول ما آل إليه الدور التركي، لتندرج في إطار إستراتيجي تنموي بعيد المدى. إلتقى الوزير رئيس مجلس الوزراء وعدد من المسؤولين السياسيين، دون أن يصدر عنه أي تصريح. فهو أراد حصر الزيارة بموضوعها، أي مشاركته، كضيف محاضر رئيسي، في مؤتمر أعده البنك الدولي تحت عنوان "في الأفق، مشرق جديد". إن العنوان ملفت في حد ذاته، ويعيد إلى الذاكرة مرحلة ما قبل الثورات العربية، وخاصة فترة ٢٠٠٢- ٢٠٠٩ أي فترة الصعود التركي في الشرق الأوسط، وهي فترة وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم وصعود نجم أردوغان مع ما رافقها من إعادة هندسة للسياسة الخارجية التركية. وكانت أهم عنواينها التنمية والتكامل الإقتصادي في "العمق الإستراتيجي" لتركيا كما عبر عنه وزير الخارجية داوود أوغلو وما تردد حول"تصفير" المشاكل مع دول الجوار ZERO CONFLICT . في هذا السياق كانت تركيا أول من أعاد إلى التداول مصطلح المشرق الذي كان قائماً في فترة العهد العثماني. وقرنت حكومة أردوغان القول بالأفعال فقادت جهداً دبلوماسياً مكثفاً مع الأردن ولبنان وسوريا في تلك الفترة، توّج بتوقيع إتفاقات شراكة وتعاون كان أهمها إلغاء تأشيرات الدخول من هذه البلاد وإليها. وهذا تدبير ملفت حيث أن لا مثيل له بين الدول العربية نفسها، وذلك بالرغم من تردادها ولعقود لمصطلحات أزمة التكامل الإقتصادي والمصير العربي المشترك، هذا مع العلم أن عدد كبير من الإتفاقات وقّع ولكن لا زالت معظمها حبراً على ورق.