سوريا, حلب — لعل سياسة "الحصار" التي اتبعها النظام السوري ضد المناطق والمدن الثائرة عليه، كانت من أنجع الوسائل لتركيع أهالي تلك المدن، وثنيها عن المطالبة برحيله. سياسة اتبعها النظام مع العديد من المدن السورية، في حمص ودمشق وغوطتيها، حيث أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها في استخدام "التجويع" كسلاح لإجبار الثائرين للرجوع عن مطالبهم.
باتت الأنظار تتجه إلى حلب، أكبر معاقل المعارضة في سوريا، بعد قبول ثوار حمص اتفاقاً مع النظام يقتضي بخروجهم من مدينتهم القديمة في السابع من أيار بعد ما يقارب السنتين من الحصار. وتشير المعطيات على الأرض أن قوات النظام تسعى لإتباع نفس سياسية حمص في حلب، من خلال فصل الجزء "المحرر" من المدينة عن الريف، وإطباق الحصار عليها شيئاً فشيئاً.
في حلب، استطاعت قوات النظام خلال الشهور الماضية بعد تجنيد مقاتلين في ما يسمى بوحدات الدفاع الوطني، وكتائب البعث، إضافة لدخول إيران وكتائب عراقية شيعية وحزب الله إلى الحرب مع النظام، استطاعت في كانون الثاني الوصول إلى منطقة "النقارين" و"الشيخ نجار" بذلك تمكنت في نيسان من قطع أحد أهم الطرق الحيوية التي توصل الجزء "المحرر" من مدينة حلب بريفها الشمالي، ما ينزر فعلياً بخطر "حصار حلب".
أصبحت معظم أحياء حلب الخاضعة لسيطرة الثوار "أحياء أشباح"، حيث غدت الشوارع خالية من السكان. يكاد لا ينقطع صوت هدير الطائرات المقاتلة وهي تحلق في سماء المدينة، في حين عمّ على طرفي الطرقات ركام المنازل المدمرة لكنها لم تخلوا من السيارات التي تحمل أثاث المنازل استعداداً للرحيل. فهجر السكان معظم أحياء حلب، بعد حملة القصف بـ "البراميل المتفجرة" المستمرة منذ ستة شهور، وما عزز مخاوف السكان إضافة للقصف المكثف هو خشيتهم من وقوعهم تحت الحصار.
لكن المقاتلين في صفوف المعارضة على الأرض واثقون من أن النظام غير قادر على حصار مدينة حلب. واستبعد العقيد عبد الجبار العكيدي، القائد السابق للمجلس العسكري الثوري في حلب أن يكون بمقدور النظام حصار حلب، وقال في حديثه لـ "المونيتور" إن "حلب مترامية الأطراف وفيها ابطال وتنظيم جيد ضمن غرفة عمليات موحدة، هذا ما سيقلب المعادلة ولن يستطيع النظام حصار حلب".
وأضاف العكيدي "امتداد الجبهات والريف المحرر بالكامل تقريبا والحدود المفتوحة مع تركيا، كل ذلك سيعصب كثيراً من مهمة النظام في حصار حلب".
وعند سؤاله عن الأمر الذي يجعل حصار حلب غير ممكناً، وما الذي يختلف عن حمص ؟ أجاب "ريف حمص الذي يحيط بالمدينة في غالبيته موالي للنظام لأسباب طائفية، أما ريف حلب فهو مع الثورة ومعظم انباءه يقاتلون النظام".
حالياً، يوصل إلى النصف "المحرر" من المدينة طريق رئيسي وحيد يسمى طريق "الكاستلو" إلا أنه يتعرّض يومياً لقصف عنيف من قبل النظام بالطيران الحربي و"البراميل المتفجرة" والمدفعية، ما يجعل العبور عليه أمراً في غاية الخطورة، حيث بات السكان يطلقون عليه محلياً طريق "الموت" فلا تزال مشاهد الموت على جانبي الطريق تثير مخاوف العابرين عليه، ما يدفعهم للإسراع عليه رغم الحفر والركام الذي يعترضهم.
غير أن هناك عدة طرقات فرعية توصل إلى مدينة حلب، هذا ما يقلل احتمالات تمكن قوات النظام حصار حلب، إلا أنها بوسعها من خلالها تقدمها المستمر الذي تحققه في منطقة الشيخ نجار شرق حلب قطع الطرق الرئيسية الواصلة إلى المدينة، ما يضعف طرق إمداد الثوار إليها.
التقدم المتواصل للنظام في حلب، دفع فصائل المعارضة المسلحة في أواخر شهر شباط لتشكيل غرفة عمليات عسكرية موحدة لمواجهة خطر حصار حلب، وفعلاً نجحت هذه الغرفة التي أطلق عليها أسم "غرفة عمليات أهل الشام" من تشتيت قوى النظام في حلب على امتداد جبهات القتال في المدينة ومنعه من التقدم في منطقة "الشيخ نجار" من خلال شنّ عدة هجمات في ذات الوقت، ما أربك قوى النظام.
غرفة العمليات التي تكونت من "الجبهة الإسلامية" و"جبهة النصرة" و"جيش المجاهدين" استطاعت خلال الأسابيع الأولى من تشكيلها تحقيق مكاسب نوعية، حيث استطاعت قطع طريق الإمداد الوحيد للنظام إلى حلب في الحادي عشر من نيسان بعد دخولها حي الراموسة، إلا أن الأخير سارع لفتح طريق ترابي بديل عنه خلال أقل من عشرة أيام، كما سيطرت المعارضة على جبل "الشويحنة" الاستراتيجي واحرزت تقدماً في منطقة حلب القديمة.
لكن هذه الانتصارات المتلاحقة التي حققها تشكيل غرفة العمليات الموحدة بدأت تتخامد شيئاً فشيئاً على معظم جبهات حلب، إلا أنها لا بقية على نفس الوتيرة في جبهة فرع المخابرات الجوية، حيث يحقق الثوار بشكل يومي تقدماً في هذه الجبهة، واذا ما تمت السيطرة على فرع "الجوية" وحي الزهراء الذي يقع فيه، تكون المعارضة استطاعت تأمين طريق رئيسي جديد يصل إلى حلب وهو ما يعرف بـ "طريق غازي عنتاب".
وفي حديث لـ" المونيتور" قال "عثمان" وهو أحد المقاتلين في صفوف الثوار على جبهة "الجوّية": "رغم أننا نتقدم ببطء في حي جمعية الزهراء، إلا أن نحاول من خلال ذلك تعزيز مواقعنا بشكل جيد، كي نمنع خسارتها من أي هجوم عكسي محتمل".
وأضاف " سقوط فرع الجوية، الذي قد يحصل في أي لحظة، هو مكسب كبير لنا، فهو يعني فتح طريق إمداد جديد وقصير إلى مدينة حلب، ما يبدد أحلام النظام بحصار حلب".
وأكد أحد القياديين في "الجبهة الإسلامية" أكبر فصائل الثوار في سوريا، أن الدول التي تقدم الدعم للمعارضة لن تسمح بحصار حلب.
القيادي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، قال في حديثه لـ "المونيتور" إن حصار حلب يعني تراجعاً كبيراً لقوى المعارضة وهو ما يهدد بقاء الثورة في سوريا، لذلك لن تسمح الدول الكبرى التي تتحكم بالحرب الدائرة بحدوث ذلك.
وأضاف "تلك الدول تريد أن تبقى الحرب مستمرة في سوريا وحصار حلب يعني اقتراب النظام من اخماد الثورة ..، كما أن هذه الدول لا تريد للثوار في الوقت الراهن أن يحسموا المعركة لصالحهم".
وتابع "نحن على الأرض نقاتل بالإمكانيات المتوفرة لدينا، حلب الآن المعقل الأكبر للثوار .. حتى وإن لم يصلنا دعم عسكري، الثوار لن يسمحوا بحصار حلب، وإن لزم الأمر سنحارب بالسيف".