مشهد يوم 28 أيار/مايو الجاري في بيروت كان سوريالياً. حشود اللاجئين السوريّين المتّجهة إلى مقرّ السفارة السوريّة للإدلاء بأصواتها في صندوق الإقتراع، فاقت كلّ وصف. مثار الدهشة ليس فقط مظاهر تأييدها للرئيس السوري بشار الأسد عبر اللافتات والرايات المرفوعة، ولا في أعدادها الهائلة التي فاقت كل توقّع، إنما في مشهديّتها السياسيّة التي فاجأت الجميع بأبعادها ودلالاتها.
صحيح أن ما من لبنانيّ استقلّ سيارته في فترة السنتَين الأخيرتَين أو سار مشياً في شوارع مدينته ليلاً أو نهاراً، إلا ووقع نظره على أطفال أو نساء أو رجال سوريّين يجوبون شوارع مدينته أو أزقّة قريته. وصحيح أن وسائل الإعلام اللبنانيّة وكذلك الأجنبيّة جعلت من موضوعهم ومن معاناتهم مادة إعلاميّة دسمة تفتتح بها نشرات أخبارها وتملأ بها تقاريرها. وصحيح أيضاً أن أهل السياسة ما فتئوا يتساجلون حول وقع موجة اللاجئين السوريّين على الأمن والاقتصاد اللبنانيَّين وحول طرق مواجهتها. وصحيح أيضاً وأيضاً أن المؤسسات الدوليّة وهيئات الإغاثة العالميّة تنشر التقرير تلو الآخر عن حجم هذه المأساة ووقعها على لبنان حيث باتت أعداد اللاجئين السوريّين تنناهز ثلث سكانه. ومع ذلك كله، كان مشهد 28 أيار/مايو بمثابة الصدمة. صدمة الم يستفق منها بعد اللبنانيّون. الحدث أخذ أبعاداً دراماتيكيّة. قلب المقاييس والمواقف. أفاق شياطين الحرب، ونكأ جراحاً لم تندمل بعد. أعاد عقارب الساعة إلى الوراء. كأن الحرب لم تبارح البلد الصغير ولا هو يبارحها.