شدّد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور موسى أبو مرزوق في حديث حصري إلى "المونيتور" على أن "حماس لن تعترف بإسرائيل". وأكّد "هذا الأمر خط أحمر لا يمكن تجاوزه".
وأتت تصريحات أبو مرزوق الذي أدى دوراً محورياً في إنجاز اتفاق المصالحة مع حركة فتح في 23 نيسان/أبريل المنصرم، باالتزامن مع لقاء جمع الرئيس محمود عباس بزعيم الحركة خالد مشعل في قطر.
أضاف القيادي في حماس أن شروط اللجنة الرباعّية لاعتراف حماس بإسرائيل "لا تعنينا بشيء. ولو أردنا الاعتراف بها لوفرنا على أنفسنا سبع سنوات من معاناة الحصار وحربَي 2008 و2012".
وتعليقاً على ما صرّح به عباس في 26 نيسان/أبريل المنصرم عن أن حكومة الوحدة ستعترف بإسرائيل، قال أبو مرزوق إنه لم يتم الاتفاق على هذا الأمر مع حماس. أضاف "عباس مسؤول عن كلامه".
كذلك شدّد أبو مرزوق على رفض حماس نزع سلاح كتائب عز الدين القسّام،. أضاف "موقف حماس معروف. فهي لن تسمح بالعبث ببندقيّة القسّام تحت أي ظرف".
وقال القيادي في حماس المقيم في القاهرة إنه طلب من أجهزة الأمن المصريّة السماح له بدخول غزّة لتسهيل الصفقة، مشيراً إلى أن العلاقات بين حماس ومصر تشهد "تحسناً ملحوظاً" بعد فترة من التوتّر الشديد التي نتجت عن عزل الرئيس محمد مرسي في تموز/يوليو الماضي.
إلى ذلك جرى الحديث مؤخراً عن زيارة محتملة يقوم بها مشعل لطهران، بهدف استعادة العلاقات التي تضرّرت بسبب الأزمة في سوريا. لكن تأخير زيارة مشعل يستمرّ إلى أجل غير مسمّى، مع عدم تحديد موعد للزيارة.
وهنا أوضح أبو مرزوق أن علاقة حماس مع إيران ستعود، قائلاً "لا أتصوّر أن العلاقات معها اليوم مثلما كانت في السابق، لكن ثمّة مساعي لاستئناف العلاقة باتجاه الأفضل".
وفي ما يأتي نصّ المقابلة كاملة.
المونيتور: يشكّك الجمهور الفلسطيني في غزّة والضفة الغربيّة بنجاح المصالحة. هل أنتم واثقون من تنفيذها في ضوء الإخفاقات السابقة؟ ولماذا على الشعب الفلسطيني أن يصدّق أنها ستدوم هذه المرّة؟
أبو مرزوق: الوضع السياسي العام صعب حداً. لكن لا بدّ من مواجهة كل الصعوبات لإنجاح المصالحة التي جاء نجاحها بسبب عوامل داخليّة وخارجيّة، أولها توفّر إرادة صادقة لدى فتح وحماس، وثانيها عدم الالتفات إلى التدخلات الخارجيّة التي عطلت انطلاق قطار المصالحة سابقاً، وثالثها ضغط البيئة السياسيّة المحيطة بالجانبَين. فلدى فتح في الضفة أزمات لا تنتهي من استيطان وتهويد وفشل المفاوضات، وعند حماس الحصار والخلاف المصري معها. أما رابع العوامل فهو محاولة بعض الأنظمة العربيّة التنصّل من مسؤولياتها تجاه القضيّة الفلسطينيّة بذريعة الانقسام الداخلي. وهو ما عزّز التوجه نحو المصالحة، فضلاً عن ضرورة توحيد الصف الفلسطيني.
التغيّر كبير هذه المرة، والمصالحة ليست ككل مرة. لكنها تستلزم من الطرفَين الإخلاص بتنفيذها والجديّة بتناول القضايا والالتزام الحرفي بها، لتجاوز كل العقبات والمضيّ بطريقهما نحو إنهاء الانقسام، على الرغم من خشية البعض. وهو ما يتطلب التقدّم في ملف الحريات. فمن المعيب أن يعتقل فلسطيني فلسطينياً ويقيّد حريته. وثمّة ضرورة لتوفير الأجواء الداعمة للمصالحة، ووقف ملاحقة ناشطي المقاومة في الضفة.
يمكنني القول إن حماس تجاوزت قضايا توقفت عندها كثيراً في الماضي، رغبة منها بتمرير المصالحة. وقناعتنا هذه المرة: "بدلاً من أن يكون ثمّة منتصر وثمّة مهزوم، فإن تحقيق نصف انتصار أفضل من هزيمة كاملة".
المونيتور: يقول كثيرون إن قدومكم إلى غزّة لعب دوراً مركزياً في تحقيق المصالحة. ما هو هذا الدور؟ وهل موافقة مصر على قدومكم تعني أنها راضية؟
أبو مرزوق: لقد تقدّمت بطلب إلى جهاز الاستخبارات المصريّة للمجيء إلى غزّة، للمشاركة بتوقيع اتفاق المصالحة. وبعد ثلاثة أيام تمّت الموافقة على الطلب، على أمل أن تنجح المصالحة هذه المرة. وهذا ما حصل فعلاً. ولذلك جاءت المباركة المصريّة من أولى مباركات دول المنطقة.
المونيتور: قيل في الأيام الأخيرة إن حماس تدرس قرار ترشيح أحد رموزها في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة. ما هي خلفيّة هذه الخطوة التاريخيّة، ونتائجها؟
أبو مرزوق: حماس تنظر بجديّة إلى هذا الملف. وتجربتنا السابقة في الانتخابات التشريعيّة والعمل الحكومي دلّت على أن الشرعيّة الشعبيّة لا يستهان بها، ولذلك سنتعامل مع الانتخابات بمسؤوليّة وطنيّة كبيرة. سنشارك في جميع الانتخابات الخدميّة والسياسيّة. أما بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسيّة، فعلى الرغم من أن الحركة لم تدرسها سابقاً، إلا أن المتفّق عليه في الحركة هو أنها لن تعتذر عن أي انتخابات في الأيام المقبلة، مهما كانت مسمياتها الدستوريّة ومستوياتها السياسيّة.
المونيتور: يشكّل سلاح كتائب عز الدين القسّام واحداً من أصعب ملفات المصالحة. ما هي مقترحات حماس، والخطوط الحمراء بالنسبة إليكم؟ هل ستسمحون بدمج الكتائب بقوات الأمن الفلسطينيّة؟
أبو مرزوق: هذا الموضوع لم يطرح إطلاقاً في مداولات المصالحة مع فتح، ولم يسبق أن وضع على طاولة النقاش. فلسلاح القسّام مهام وطنيّة وهو موجّه ضد الاحتلال، وموقف حماس معروف. هي لن تسمح بالعبث في السلاح تحت أي ظرف، لأنه ذخر إستراتيجي للشعب الفلسطيني كله. وعلى الرغم من علمي أن شرط اللجنة الرباعيّة القاضي بنبذ العنف يعني باختصار انحناء بندقيّة القسام، إلا أنه أمر مرفوض. ولن تقبله حماس بأي حال من الأحوال.
المونيتور: لم يكن واضحاً إن كانت حماس ستوافق على الاتفاقات بين منظمة التحرير وإسرائيل. هل يمكنكم توضيح موقف الحركة من ذلك؟
أبو مرزوق: حماس لن تعترف بإسرائيل. هذا الأمر خط أحمر لا يمكن تجاوزه. ومهمة الحكومة المقبلة لا تقضي بتقديم اعترافات لها. فشروط اللجنة الرباعيّة لا تعنينا بشيء. ولو أردنا الاعتراف بها لوفّرنا على أنفسنا سبع سنوات من معاناة الحصار وحرَبي 2008 و2012. حماس مرّت بضغوط سياسيّة ومعاناة كبيرة في السنوات الماضية، ومع ذلك لم تعترف بإسرائيل.
في الوقت نفسه، لن تضع حماس العراقيل والعقبات التي تحول دون نجاح الحكومة المقبلة. على العكس من ذلك، فهي ستعمل على تسويقها دولياً. وقد استبشرنا بالقبول الإقليمي والدولي بالمصالحة. روسيا والاتحاد الأوروبي موافقان عليها. أما في ما يخصّ الموقفَين الأميركي والإسرائيلي اللذَين عارضاها على الفور، فقد سجّل لديهما تراجع ملحوظ. وهو أمر مشجّع.
وما تحدّث عنه أبو مازن في اجتماع المجلس المركزي في 26 نيسان/أبريل الماضي عن التزام الحكومة المقبلة بخطه السياسي، لم نتّفق عليه. وهو مسؤول عن كلامه.
المونيتور: ما أهميّة بروز محمد دحلان كلاعب سياسي في غزّة من جديد، ونزاعه العلني مع عباس حول قرار المصالحة؟
أبو مرزوق: حماس لا تتعامل مع فتح على أنها تيارات هنا وهناك. نحن وقّعنا اتفاق مصالحة مع فتح، بغض النظر عن نوايا أبو مازن أو حساباته التنظيميّة الداخليّة. صحيح أن الانقسام في العام 2007 حصل مع فريق دحلان في غزّة، إلا أن حماس عاقدة العزم على تطبيق المصالحة مع جميع أبناء فتح، بغض النظر عن ولاءاتهم التنظيميّة وحساباتهم الحزبيّة.
المونيتور: ما آخر أخبار المصالحة التي طالت بين حماس وإيران؟ ولماذا يستمرّ تأخير زيارة مشعل المرتقبة؟
أبو مرزوق: المنطقة تعيش إعادة بلورة لعلاقاتها وتحالفاتها، بما فيها حماس التي ترتّب بعض الأمور المستعصية والخلافات القائمة والمعنيّة بإصلاح أي سوء تفاهم مع إيران. ولا أتصوّر أن العلاقات معها اليوم مثلما كانت في السابق، لكن ثمّة مساعي لاستئناف العلاقة باتجاه الأفضل، ونأمل أن تعود إلى حالها. فليس مطلوباً من حماس أن تعادي أحداً غير العدو الإسرائيلي. وستعود علاقتنا مع إيران بمعزل عن القضيّة السوريّة، لأن ثمّة أشياء كثيرة مشتركة. وسنطرق الأبواب لنعيد علاقاتنا معها.
وموقفنا من تحسّن العلاقة مع إيران يتحدّد بمدى قربها ودعمها للقضيّة الفلسطينيّة، كونها القضيّة المركزيّة. صحيح أن العلاقة معها اعتراها بعض التردّد أو التراجع، لكن حماس معنيّة بتصليب هذه الروابط من جديد، ولا شأن لها بالعلاقات البينيّة بين إيران وسواها من دول الإقليم.
المونيتور: يرى البعض أن انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر قد يحدّ من التوتّر مع حماس. كيف ترون تطوّر العلاقات بينهما، بناءً على إقامتكم في القاهرة واتصالاتكم مع القوى السياسيّة؟
أبو مرزوق: نحن بلد تحت الاحتلال، وليس لدينا فائض من القوة للاستغناء عن الآخرين، بما في ذلك الأشقاء المصريّين. فمصر كان لها دائماً الدور الأبرز في جميع المحطات المفصليّة للقضيّة الفلسطينيّة، ما يعني أنه "لا بديل عن مصر بالنسبة إلينا، وهي لا تستطيع الاستغناء عنا"، لأنها العنوان الأساسي للسياسات الإقليميّة في المنطقة.
أريد التأكيد أن حماس لم ولن تتدخل في الشأن المصري، بل ستحترم أي خيار ينتقيه الشعب المصري في المرحلة المقبلة. وأنفي بشكل قاطع ما ذكر من اتهامات ومزاعم ضد حماس حول تدخلها في الساحة المصريّة. ويمكنني القول إن العلاقة بين مصر وحماس تشهد تحسناً ملحوظاً، نأمل أن يتطوّر نحو الأفضل ويعود إلى سابق عهده.