يعمل ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي على استقطاب الآراء بهدف تشكيل "حكومة غالبيّة سياسيّة" تكون بديلاً عن حكومة "الشراكة" الحاليّة والتي هي وجه صريح للمحاصصة.
وأكثر من ذلك، يصف المالكي حكومته التي تشكّلت في العام 2010 بأنها حكومة محاصصة، ويحمّلها مسؤوليّة الفشل السياسي والأمني والاقتصادي في العراق.
ويرفع القيادي في ائتلاف "دولة القانون" كمال الساعدي مستوى التحذير من المستقبل، عبر القول بأن عدم التوجّه إلى حكومة "غالبيّة سياسيّة" في المرحلة المقبلة هو "انتحار سياسي".
وعلى الرغم من أن تشكيل البرلمان المقبل الحكومة لا يتطلب دستورياً سوى غالبيّة أعضائه المطلقة (165 صوتاً من بين 328) بحسب ما تنصّ المادة 76 من الدستور، إلا أن تشكيل حكومة غالبيّة سياسيّة يواجه عقدة أساسيّة تتمثل بواقع أن رئيس الجمهوريّة بحاجة إلى ثلثَي أصوات البرلمانيّين لانتخابه (213 صوتاً) بحسب ما تنصّ المادة 70 من الدستور، فيما يحتاج رئيس البرلمان ونائبَيه بحسب المادة 55 من الدستور إلى غالبيّة مطلقة.
وهذه التشكيلة من شروط التصويت، كانت قد فرضت في خلال السنوات الماضية جمع ثلثَي أعضاء البرلمان لتنفيذ صفقة سياسيّة تشمل مناصب رئيس الجمهوريّة ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة في سلة واحدة، ما تطلب عملياً مشاركة كل القوى السياسيّة في الحكومة.
وعملياً، فإن المادة 70 من الدستور تضع منفذاً قانونياً للاختناق السياسي الذي يتطلبه منصب رئيس الجمهوريّة. فهي تنصّ في البند ثانياً منها على الآتي: "إذا لم يحصل أيٌ من المرشّحين على الأغلبيّة المطلوبة، يتمّ التنافس بين المرشّحين الحاصلين على أعلى الأصوات، ويعلن رئيساً من يحصل على أكثريّة الأصوات في الاقتراع الثاني".
هذا المنفذ هو المدخل الوحيد المتاح لتطبيق طروحات "دولة القانون" في تشكيل حكومة غالبيّة سياسيّة، عبر التخلص من شرط الثلثَين.
لكن ثمّة معطيات أخرى تفرض نفسها على آليات تشكيل الحكومة، وأبرزها على الإطلاق استمرار حاجة أي حكومة إلى 165 مقعداً على أقل تقدير للحصول على الشرعيّة.
والواقع الانتخابي العراقي لا يسمح لأي قوة سياسيّة بالحصول على هذا العدد من المقاعد، إلا في حال شكلت ائتلافاً سياسياً من قوى عدّة أخرى.
وفي حالة كتلة "دولة القانون" التي تشير التكهنات إلى صعوبة تجاوزها عتبة 80 مقعداً في الانتخابات الحاليّة، فإن جمع 85 مقعداً إضافياً يستدعي عقد أكثر من تحالف سياسي مع خريطة معقدة من الأحزاب والقوى.
والمشكلة التي تقف بوجه أي حكومة عراقيّة يمكن أن تتشكل على أساس هذا السيناريو، هي وجوب أن تكون ممثلة للمكونات الثلاثة الرئيسيّة (الشيعة والسنّة والأكراد) في ظل انقسام مذهبي وقومي واضح للعيان، الأمر الذي سيجعل تشكيل تحالف بين مكوّنَين وإبعاد مكوّن آخر إلى صفوف المعارضة، مستحيلاً. فذلك سيطرح حكومة غالبيّة مذهبيّة لا سياسيّة، ما يهدّد وحدة البلاد ويضع مبرّرات جديدة لتقسيمها.
والسيناريو الذي يلجأ إليه ائتلاف "دولة القانون" بحسب ما أفاد قيادي فيه فضّل عدم الكشف عن هويّته لـ"المونيتور"، هو تشكيل تحالف يضمّ ممثلين عن المكوّنات المختلفة بصرف النظر عن وزن هؤلاء الممثلين. فبالإضافة إلى ائتلاف "دولة القانون"، يمكن أن يضمّ التحالف الجديد كتلة "القائمة العربيّة" السنيّة برئاسة صالح المطلك في حال حصلت على 30 مقعداً برلمانياً، وحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة جلال طالباني في حال حصل بدوره على 20 مقعداً، و"المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" الشيعي في حال حصل على 30 مقعداً، إلى جانب قوى صغيرة أخرى ومستقلين قادرين على تحقيق سقف 85 مقعداً. وتجدر الإشارة إلى أن ائتلاف المالكي يطمح إلى جمع 100 مقعد وهو يؤكد قدرته على تحقيق هذا الرقم، وبالتالي فإنه لن يحتاج إلا إلى 65 مقعداً إضافياً يختار من خلالها رئيس البرلمان ورئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء من داخل هذا التحالف.
خريطة الطريق التي يتحدّث عنها ائتلاف المالكي الانتخابي والتي تشترط حصول زعيمه على ولاية ثالثة في رئاسة الحكومة، تضمن بدورها تشكّل معارضة على أساس سياسي تشمل "التيار الصدري" (شيعي) و"ائتلاف متّحدون" (سنّي) و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني (كردي)، بالإضافة إلى أحزاب أخرى قد يكون من بينها القائمة "الوطنيّة" بزعامة أياد علاوي و"التحالف المدني" الذي يضمّ الحزب الشيوعي وعدداً من القوى المستقلة.
وهذه الخريطة تطمح إلى تغيير معايير التحالفات السياسيّة، ونقلها من مستوى التحالفات المذهبيّة والعرقيّة إلى مستوى المصالح الحزبيّة.
لكن وعلى الرغم من أن مثل هذا السيناريو متاح على الورق، إلا أن حساباته وعراقيله ونتائجه تبدو شديدة التعقيد.
فالمحكمة الاتحاديّة كانت قد أفتت في العام 2010 بتعريف "الكتلة الأكثر عدداً" الواردة في المادة 76 من الدستور، ليس بكونها الكتلة التي فازت بالانتخابات وإنما تلك التي تشكلت بعد الانتخابات. وهو ما يجعل عمليّة الاستقطاب مفتوحة ومتاحة للمالكي وللقوى الأخرى أيضاً، التي ستعمل على تشكيل تحالف مغاير بالسيناريو نفسه يضمن إبعاد "دولة القانون" إلى المعارضة ويستند إلى وجود معارضة سياسيّة واسعة لتولي المالكي رئاسة الحكومة لولاية ثالثة.
كذلك، فإن تشكيل الحكومة بالآلية السابقة سيعني أن العراق يتوجّه إلى مرحلة تغيير الحكومات بشكل مستمرّ، بحسب تغيّر موازين القوى السياسيّة والاستقطابات. وقد نشهد فعلياً تشكّل أكثر من حكومة في خلال العام الواحد، أو حل البرلمان والتوجّه إلى انتخابات مبكرة.
والأهم من كل ذلك أن الائتلافات التي يتمّ الحديث عنها، لن تكون بدورها سوى وجه آخر للمحاصصة السياسيّة. فجمع قوى سياسيّة مختلفة ومتباينة في توجهاتها، لن يتمّ من دون إدخالها شريكة في التشكيلة الحكوميّة وتقاسم الوزارات والمناصب في ما بينها، وهو الأمر المتّبع في الحكومات العراقيّة منذ العام 2005.
لا يمكن تقييم توجهات ائتلاف "دولة القانون" بشكل سلبي مطلق. فكسر حاجز تحالفات الطوائف قد تكون له أهميّة كبرى في إدارة عمليّة سياسيّة أكثر حيويّة في العراق في خلال المرحلة المقبلة، لكنه لا يضمن في الوقت نفسه الاستقرار السياسي المطلوب لمواجهة التحديات الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة التي تهدّد العراق منذ سنوات.