في اواخر فبراير 2014، تم القبض على مواطن صربي غرب اليمن أثناء محاولته إدخال سلاح قناص ومتعلقات أخرى في منطقة المخا ,وبعد ايام قليلة كان مواطنا بريطانيا يقف أمام محكمة يمنية كمتهم بتهريب آثار يمنية للخارج، ذلك ان التهريب في اليمن لم يعد مقتصرا على يمنييون او حتى مهربين اقليميين ، وانما اصبح سلوكا يمارس في اليمن من قبل جنسيات العالم بكل تنوعاتها ، فخلال العشر السنوات الاخيرة تحديدا ارتفع منسوب التهريب وارتفعت اخباره في اليمن ، خاصة مع السواحل البحرية والبرية الطويلة التي تتمتع بها اليمن.
اليمن دولة بحرية بالدرجة الأولى وتمتد سواحلها على طول 2200كم, إلا أن جيشها بالمقابل ليس بحريا بل بريا ويوزع في الجبال والصحاري,بينما القوات البحرية تفتقر لأدنى مقوماتها عدة وعتادا,فمنطقة ميدي الواقعة على ساحل البحر الأحمر شمال غرب اليمن تمتد لمسافة 100كم تقريبا,إلا أن القوات الامنية هناك تشكوا من ضعف في امكانيتها وقدراتها للسيطرة على المنفذ كما وتشكو الجهات الرسمية من دخول صفقات سلاح كبيرة من هذا المنفذ لصالح الحركات المسلحة خاصة حركة الحوثي التي اتهمتها الحكومة اليمنية اكثر من مرة بالحصول على اسلحة من ايران.
باب المندب واحد من أهم الممرات المائية في العالم ,لكن ، هو أيضا واحد من أهم منافذ تهريب السلاح,والمخدرات والبشر في اليمن ولا يكاد يمر اسبوع دون الكشف عن مواد مهربة من خلال ساحله الطويل,شأنه في ذلك شأن ميناء/منطقة المخا التي تقع بينه وبين ميدي شمالا, والمخا كانت من أشهر موانئ اليمن حتى نصف قرن تقريبا,لكنها الآن منفذ لتهريب متعدد الاتجاهات,فمن جهة يستقبل مهربي السلاح والمخدرات, والبشر القادمين من القرن الأفريقي,بالمقابل يعد منفذا عكسيا لتهريب الديزل من الداخل للسفن الجانحة في المياه الدولية وبالسعر العالمي, بينما يحصل عليه المهربون من الكميات المخصصة للمناطق الغربية وبسعر مدعوم من الخزينة العامة,وهذه قضية شائكة وجدلية حرمت اليمن من مساعدات دولية بناء على عدم رفعها لدعم مشتقات الوقود ,التي تؤدي إلى تهريب الديزل تحديدا بإغراءات فارق السعر المدعوم (سعر الشراء) مع السعر العالمي(سعر البيع) ,مع عدم توزيعه بدقة على المستفيدين المباشرين من مزارعين و مصانع.
خلال العامين الماضيين تم الكشف عن عشرات السفن والقوارب المحملة بالسلاح في خطوط التماس البحرية ,وأشهرها السفينة جيهان2 التي قالت الحكومة اليمنية انها كانت قادمة من إيران تحمل أسلحة متطورة منها صواريخ ومواد شديدة الانفجار.
بعدها تم اكتشاف عدة حمولات من الأسلحة التركية أبرزها ما عرف بصفقة الشوكولاتة, التي دخلت ميناء عدن بشكل رسمي على أنها شوكولاتة تركية لتكتشف الأجهزة الأمنية أنها محشوة بعشرات الآلاف من المسدسات التركية كاتمة الصوت,وصفقة أخرى لقرابة 20 ألف مسدس تركي ملحقة بكواتم صوت كشفتها نقاط أمنية بعد أن كانت في طريقها على متن شاحنات نقل بمحافظة الحديدة,وبينما تمت مكافأة جنود النقطة الأمنية من قبل الدولة إلا أن أحدهم لقي مصرعه قتلا بعد أيام من تكريمه وبشكل غامض.
ليس السلاح وحده ما يغري المهربين بل أن المخدرات والحشيش من أكثر المواد التي تدخل إلى اليمن من سواحلها الجنوبية أكثر من الغربية على عكس السلاح, حيث يستغل المهربون الثغرات الأمنية في اليمن لإدخال بضائعهم التي تتجه غالبا إلى السوق السعودية عبر الحدود البرية مع اليمن,نظرا لكونها أكثر استهلاكا وقدرة شرائية للمخدرات بأنواعها من اليمن,وخلال أقل من شهر تم الكشف عن شحنات كبيرة من الحشيش وصل حجم إحداها إلى اكثر من 100 كجم في محافظة حجة قرب العاصمة اليمنية صنعاء.
وللبشر نصيب وافر من التهريب فوقوع اليمن بين منطقتين متناقضتين هما القرن الأفريقي(شديد الفقر) والسعودية ودول الخليج (شديدة الغنى) حوله إلى محطة ترانزيت لتهريب الأفارقة عبر الأراضي اليمنية إلى السعودية تحديدا, مع بقاء الجزء الأكبر منهم في اليمن, خاصة خلال العقدين الأخيرين وانهيار الصومال وجفاف اثيوبيا, ويتعرض هؤلاء الأفارقة لأعنف معاملة على الإطلاق وهذا ما نبهت إليه منظمات دولية في تقارير منشورة والاجهزة الامنية اليمنية ,فقد يحشر عشرات منهم لأيام على متن قارب صغير لا يسمح بحركة أحدهم أو مد جسمه,ومن يحاول الاعتراض يلقى بكل بساطة كهدية لأسماك القرش,فليس لدى المهربين فائضا إنسانيا لهؤلاء التعساء,أما من وصل منهم إلى البر اليمني فسيتم ركمه مع عشرات في أحواش المهربين للمرحلة التالية (لمن كانت وجهته السعودية) حتى يقرر المهرب بدء رحلته إلى أرض الأحلام شمالا,لكن ذلك قد يكون معلوما ومقبولا للمتهرب ,أما أن يتم اغتصابه ذكرا كان أم أنثى, وتعذيبه بل وقتله أحيانا إن لم يستطع دفع ما تعهد به من أموال للمهربين فذلك فوق طاقة الخيال والاحتمال لكنه حدث فعلا وقامت أجهزة الأمن بمداهمة عدة أحواش لمهربي الأفارقة في محافظة حجة على الخط الحدودي مع السعودية ,وأوضحت ما يتعرض له هؤلاء من مهربيهم.
التهريب في بلد هش يزيده هشاشة ويقربه أكثر من جحيم الموت خاصة إن كان السلاح أبرز ما يتم تهريبه,وبينما ظهرت كواتم الصوت المرافقة للأسلحة الخفيفة في عدة عمليات اغتيال بمدن مختلفة,فقد ظهرت المواد شديدة الانفجار في عدة عمليات ارهابية أبرزها حادثة الهجوم على مجمع الدفاع (العرضي) المبنى شديد التحصين في قلب العاصمة,ولا احد يعرف ما القادم سواء على جهة التهريب او على جهة استخدام ما يهرب داخل اليمن
السواحل اليمنية غربا وجنوبا بدلا من كونها نافذة على العالم ومصدرا للثروة التي أقلها أنواع الأسماك الوفيرة التي تعول آلاف الأسر اليمنية,تحولت إلى نافذة بالاتجاه المعاكس لتحول البلاد إلى سوقا مفتوحا لشرور العالم وصراعاته وتجارته القذرة.