لم يكن خطاب رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان يوم السبت في السابع من كانون الأول/ديسمبر الجاري في سراي بعبدا خطاباً عادياً. كلمات قليلة حملت معانٍ عميقة لجهة توضيح بعض المفاهيم، منها ما كان سائداً ومنها ما روّج لها الرئيس فأضحت سمة عهده. وفي السطور استخلاص لعبر ودروس في خلال ستّ سنوات من تجربة الحكم على رأس الدولة، وأفكار من أجل الخروج من الانسداد الذي وصل إليه البلد الصغير ومن أجل تمتين سلامه الاجتماعي وتطوير نظامه السياسي. وإن كان ثمّة عنوان واحد يختصر عهد الرئيس سليمان، فقد يكون سعيه الدؤوب إلى تحييد لبنان عن الصراعات الإقليميّة. كان هذا صلب إعلان بعبدا، وهو الوثيقة التي لم تنل موافقة جميع الأفرقاء اللبنانيّين فحسب، إنما شكلت قاعدةً اجتمعت حولها القوى الدوليّة الداعمة للبنان، ومؤتمر نيويورك الشهر الماضي كان أبرز تجلياتها.
ذكّر الرئيس وهو يزيح الستارة عن تماثيل رؤساء الجمهوريّة الإثني عشر منذ الاستقلال، بالأزمات التي عصفت بالبلاد. وكلها موضوعها واحد: خلاف على السياسة الخارجيّة وعلى موقع لبنان من الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط ومن القوى الإقليميّة الصاعدة. فذكّر بانفجار البراكين الكامنة كلما حاد اللبنانيّون عن الحياد وانجرفوا في "لعبة المحاور" القاتلة مثلما حصل في العام 1958 مع صعود الناصريّة التي جرّت البلد الصغير إلى حافة الحرب الأهليّة، وفي العام 1969 مع الخلاف على سلاح المقاومة الفلسطينيّة الذي شلّ البلاد وأفضى إلى توقيع اتفاق القاهرة الطعنة الأولى في خاصرة الدولة السيّدة، إذ شرّع سلاحاً فوق سلاح الدولة فأخلّ بكلّ الموازين إلى أن انفجرت الحرب الأهليّة في العام 1975.