تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

سامي الجميّل: تدخُّل "حزب الله" في سوريا جلب ويلات حربها إلى لبنان

في مقابلة حصريّة مع "المونيتور"، قال سامي الجميّل النائب في البرلمان اللبناني وأحد القياديّين الكبار في "حزب الكتائب"، "عندما تقرّر خوض حرب في بلد آخر، عليك أن تتوقّع أن هؤلاء الأشخاص سيأتون لمحاربتك في عقر دارك".
993403_719022261445304_755879748_n.jpg

بكفيا، لبنان - يستبعد سامي الجميّل القيادي البارز في "حزب الكتائب"، أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية في أيار/مايو 2014، عندما تنتهي ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان.

فيقول الجميّل في مقابلة حصريّة مع "المونيتور" في مكتبه الكائن في منزله في مسقط رأسه بكفيا "إذا بقي الوضع على ما هو عليه اليوم، لا أظن أنه سيتم انتخاب رئيس للجمهورية، لأنه لديّ شعور بأن حزب الله لا يريد ذلك". يضيف "لا يريد حزب الله أي شيء، لا يريد مؤسسات تعمل كما يجب، لذا أظن أنّ كل شيء معطّل في الوضع الراهن. ولذلك ليس ثمّة ما يدعو للاعتقاد بأن الرئاسة ستخرق القاعدة".

ويترك الجميّل، النائب في البرلمان اللبناني ونجل أمين الجميّل الرئيس الأسبق للجمهوريّة اللبنانيّة ورئيس "حزب الكتائب"، بصمته في السياسة اللبنانيّة على الرغم من صغر سنّه. فهو بلغ الثالثة والثلاثين من عمره هذا الشهر. والجميّل عضو في فريق 14 آذار/مارس، لكنه يدعو أيضاً السياسيّين اللبنانيّين إلى التحرّر من الاصطفافات الإقليميّة، ويوجّه أحياناً انتقادات إلى حلفائه في هذا الشأن.

يقول الجميّل إن "حزب الكتائب" "أثبت مدى استقلاليته عن أي شكل من أشكال الارتباطات الإقليميّة. إنه حزب محض لبناني لا يتلقّى أوامر من أحد، وبإمكانه اتخاذ أي قرار يصبّ في مصلحة البلاد، من دون أن يأخذ أي شيء آخر في الاعتبار".

ويؤكّد أن الإصلاح الانتخابي ليس كافياً لوحده كي يتمكّن لبنان من إنهاء المأزق السياسي، لذلك يدعو إلى التفاوض على "رزمة كبرى" من الإصلاحات في سياق قمّة يشارك فيها جميع اللاعبين والأفرقاء الأساسيّين في البلاد. يقول في هذا الإطار "لا نريد أن تُعقَد قمّة في خارج لبنان. وعلينا التفكير في مختلف المسائل - أي تلك المتعلقة بمعالجة الأزمة الراهنة، وإدارة تعدّديتنا، والتعامل مع سلاح حزب الله ومع السلاح في المخيمات الفلسطينيّة، ومعالجة جميع مشاكلنا في إطار رزمة واحدة".

في ما يختص بـ"حزب الله"، يحمّله الجميّل مسؤولية جلب النزاع السوري إلى لبنان. ويقول "أنا أعتقد حقاً أن ذهاب حزب الله إلى هناك دفع بهؤلاء الأشخاص إلى القدوم والقتال عندنا. عندما تقرّر خوض حرب في بلد آخر، عليك أن تتوقّع أن هؤلاء الأشخاص سيأتون لمحاربتك في عقر دارك. لو التزم لبنان الحياد، لكانت حظوظنا أكبر في البقاء بمنأى عن الصراع".

ويشير الجميّل إلى أنه يأمل بأن يقود الاتّجاه الأخير نحو الانخراط مع إيران، إلى تغيير في سياسات "حزب الله". ويوضح "مشكلتنا مع حزب الله ليست في الحزب نفسه، بل في الطريقة التي يتعامل بها مع اللبنانيّين، عبر استخدام القوّة ضدّ الشعب اللبناني وجرّ لبنان إلى نزاع لا ناقة له فيه ولا جمل. هذه هي مشكلتنا مع حزب الله. أي اتفاق يُجيز للحزب الاستمرار في التصرّف على النحو الذي يتصرّف به الآن، سنتصدّى له، لأننا لن نسمح له بأن يُمعن في سلوكياته هذه في لبنان. أما الاتفاق الذي يساهم في دفع حزب الله نحو اعتماد نهج سلمي، فمن شأنه أن يكون إيجابياً بالنسبة إلينا. يتوقّف الأمر على نتائج الاتفاق".

ويقول الجميّل الذي كان شقيقه بيار الجميّل نائباً في البرلمان ووزيراً للصناعة قبل اغتياله في العام 2006، إن السبيل الأفضل لمكافحة صعود التطرّف في لبنان والمنطقة يتمثّل في بناء أحزاب سياسية معتدلة. ويشرح "كان لبنان محكوماً من السنّة المعتدلين في الأعوام العشرين الماضية، فكان الناس يحصلون على ما يحتاجون إليه، وعلى التعليم... هذه الطريقة في الحكم تحمينا من التطرّف. لا يمكن محاربة التطرّف. لا يمكن محاربته بالسلاح".

ويلفت الجميّل الذي يوجّه دعوة للحوار على الساحة السياسيّة اللبنانيّة والإقليميّة، قائلاً "تعرف؟ الأسوأ هو إراقة الدماء والحروب. هذا هو الأسوأ. وكل ما تبقّى أقل سوءاً. كل ما يتيح لنا الابتعاد عن الحرب أو عن إراقة مزيد من الدماء أفضل من الوضع الحالي. لذلك فلنجلس معاً ونتحدّث بلغة الراشدين".

في ما يأتي النصّ الكامل للمقابلة.

المونيتور: ما انطباعاتك في ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة اللبنانيّة؟ تنتهي ولاية الرئيس الحالي في أيار/مايو المقبل، فمن هم المرشّحون الأوفر حظاً في رأيك؟

الجميّل: أولاً، لا أظنّ أننا سنتمكّن من انتخاب رئيس جديد.

المونيتور: لماذا؟

الجميّل: إلا إذا طرأ شيء ما من الآن حتى آذار/مارس أو نيسان/أبريل. لكن إذا بقي الوضع على ما هو عليه اليوم، لا أظن أنه سيتم انتخاب رئيس للجمهوريّة، لأنه لديّ شعور بأن حزب الله لا يريد أي شيء. لا يريد مؤسّسات تعمل كما يجب، لذا أظن أن كل شيء معطّل في الوضع الراهن. ولذلك ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن الرئاسة ستخرق القاعدة.

لم نتمكّن من الاتفاق على قانون انتخابي مناسب. ولم نجرِ انتخابات نيابيّة. ولم نتمكّن من تشكيل حكومة جديدة، إنها إذاً نزعة رائجة عندنا. فلمَ ستشذّ الرئاسة عن هذه القاعدة؟ إلا إذا حصل تغيير ما - وهذا التغيير، في حال حدوثه، يجب أن يُتيح للمؤسسات في لبنان أن تعاود عملها على أكمل وجه -، أي أن تصبح لدينا حكومة جديدة وأن تُجرى انتخابات نيابيّة ويتم إقرار قانون انتخابي. إذاً إنها رزمة متكاملة، ولا يمكن إسقاط أيّ شيء منها.

إذاً ثمّة كتلتان اليوم، وكلّ كتلة تريد أن تضع يدها على البلاد. إذاً ما من مساحة لأي شيء في الوسط، ولن يسمح أي فريق بأن يضع الفريق الآخر يده على البلاد. لذلك لم يرد أحد أن تُجرى الانتخابات. لأن الجميع كانوا يخشون أن يفوز الطرف الآخر في الانتخابات، ثم يشكّل حكومةً ويقود البلاد. لم يرد أحد أن يعطي هذه الفرصة للفريق الآخر، لذلك أبقوا على الوضع القائم. وينطبق الشيء نفسه على الحكومة. لا يريد أحد أن يعطي الطرف الآخر أفضليّة في تشكيل الحكومة الجديدة.

لذلك لا أعتقد، لا أرى أن انتخابات رئاسيّة سوف تجرى.

المونيتور: ما هي برأيك الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها من أجل تحقيق التغيير والإصلاح؟ هل هي اعتماد قانون انتخابي جديد؟ ما هي الخطوة المطلوبة؟

الجميّل: كلا، أعتقد أننا بحاجة إلى خطوات أبعد من القانون الانتخابي. القانون الانتخابي هو جزء من الرزمة الكبرى التي يجب مناقشتها في إطار مؤتمر موسّع. قد يستغرق ذلك شهراً كاملاً يلتقي في خلاله الجميع للتفكير في مستقبل البلاد.

نحتاج إلى... ما يشبه اتفاق الطائف. إنما يجب أن يُعقَد المؤتمر في لبنان. لا نريد أن تُعقَد القمة في خارج لبنان. وعلينا التفكير في مختلف المسائل - أي تلك المتعلقة بمعالجة الأزمة الراهنة، وإدارة تعدّديتنا، والتعامل مع سلاح حزب الله ومع السلاح في المخيمات الفلسطينيّة، ومعالجة جميع مشاكلنا في إطار رزمة واحدة.

 وكما تعلم الوضع ليس ببسيط. كل المسائل مترابطة في ما بينها، لذا لا يمكن حلّ مسألة من دون تسوية المسائل الأخرى. لا يمكن إيجاد حل لمسألة سلاح "حزب الله" من دون التوصّل إلى حل للسلاح الفلسطيني. ولا يمكن أن نطلب من "حزب الله" التخلّي عن سلاحه من دون منحه ضمانات في النظام المؤسّسي.

كل المسائل مترابطة، لذلك لا يمكن إيجاد حل لأي منها... بمعزل عن المسائل الأخرى. لهذا أظن أننا بحاجة إلى مؤتمر موسَّع. علينا أن نجلس معاً، ربما تحت رعاية المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة أو ما شابه، أن نتكّمن من الجلوس معاً وأن نفكّر.

طالبنا قبل بضع سنوات بإطلاق آلية للحقيقة والمصالحة. (...) لم تُطبَّق هذه العمليّة في لبنان بعد الحرب الأهليّة. أنهينا الحرب الأهليّة، [لكننا] لم نجلس معاً ونتكلّم عن الحرب. لهذا ما زلنا نعاني من الأحقاد والضغائن نفسها. ما زالت لدينا الحساسيات نفسها. كل فريق يخشى الفريق الآخر، لأننا... لم ننفتح بعضنا على بعض بعد الحرب. وهذه مسألة بغاية الأهميّة. لا يمكنك أن تبني بلداً إذا كنت عاجزاً عن وضع كتاب التاريخ الخاص به. ليس لدينا كتاب تاريخ، والسبب هو أننا لم نتكلّم عمّا حدث في خلال الحرب. لم نجد حلاً لهذه المسألة التاريخيّة.

لهذا نعتبر أنه على اللبنانيين أن يجلسوا معاً، من خلال ممثّليهم، ويتكلّموا بصراحة، وأن يقولوا، حسناً، إذا أردنا العيش في هذا البلد، علينا الاتفاق على بعض الأمور. إذا لم نتمكّن من الاتفاق بشأنها، من الأفضل لنا أن [نعيش] منفصلين بدلاً من العيش في حالة من الحرب المستمرة. الأسوأ هو إراقة الدماء والحروب. هذا هو الأسوأ. وكل ما تبقّى أقل سوءاً. كل ما يتيح لنا الابتعاد عن الحرب أو عن إراقة مزيد من الدماء أفضل من الوضع الحالي. لذلك فلنجلس معاً ونتحدّث بلغة الراشدين.

لا يستطيع أحد إلغاء أي كان في لبنان. لا يستطيع "حزب الله" إلغاءنا، ونحن لا نستطيع إلغاءه. لا يستطيع أحد فرض آرائه على الآخر. لا يمكن لأحد أن يفرض وجهات نظره على الآخر. لا يمكنك أبداً إرغام "حزب الله" على الولاء للسعوديّة، تماماً كما أنه لا يمكنك أبداً إرغام "تيار المستقبل" على الولاء لإيران. لن يتحقّق ذلك. لا اليوم ولا غداً ولا بعد مئة عام.

المقصود هو أنه على مختلف الأفرقاء الاتفاق على إعلان حياد لبنان. يجب ألا ندفع لبنان باتجاه السعوديّة، ويجب ألا [نسلّم] لبنان إلى إيران. لبنان يجب أن يكون بلداً محايداً. لأنه إذا استمرّ أي فريق في محاولته جرّ لبنان إلى هنا أو هناك، فإنه سيبقى في حالة حرب دائمة.

هذا مثالٌ عن المسائل التي ينبغي علينا مناقشتها. علينا التكلّم عن الفساد في هذا البلد، عن الطريقة التي يدار بها، عن الفساد والمنظومة ككل. (...) اللامركزيّة هي الأساس لردع هذه المافيا التي تحتكر مقدّرات البلاد وتحتجز الشعب رهينة لديها. حفنة قليلة من الأشخاص تحكم البلاد اليوم، وتملك السلطة لاستعمال مال الشعب. إذاً الأمر بهذه البساطة. تصوّت لي، فأعطيك ما تحتاج إليه. وإذا لم تصوّت لي، لا أعطيك ما تحتاج إليه. وهكذا يُحكَم البلد.

المونيتور: كيف ترى مستقبل "حزب الفالانج"؟

الجميّل: ... نسمّيه "حزب الكتائب"، لا نحبّ استخدام كلمة "فالانج" (Phalange) انطلاقاً من المعطيات التاريخيّة. أعتقد أن حزبنا يقوم بعمل جيد جداً. لقد شهد تحسّناً كبيراً في الأعوام القليلة الماضية، و[ارتقى] بنفسه ليصبح الخيار الثالث في الشارع المسيحي. بما أن الحزب أثبت مدى استقلاليته عن أي شكل من أشكال الارتباطات الإقليميّة، إنه حزب محض لبناني لا يتلقّى أوامر من أحد، وبإمكانه اتخاذ أي قرار يصبّ في مصلحة البلاد، من دون أن يأخذ أي شيء آخر في الاعتبار. وأحياناً نُضطرّ حتى إلى انتقاد حلفائنا. قد نكون الفريق الوحيد الذي ينتقد حلفاءه في لبنان، لأننا نملك فعلاً الحرية لقول كل ما نؤمن به وكل ما نعتبره صواباً. وهذا يمنحنا الكثير من الدعم في الشارع. يُقدّر الناس أن حزبنا مستقل فعلاً... ويتوخّى الموضوعيّة ولا يأخذ في الاعتبار سوى مصالح الشعب اللبناني.

المونيتور: أنا آتٍ للتو من حوار المنامة حيث دار جزء من النقاش حول المسائل الأمنيّة. تحدّث وزير خارجيّة العراق [هوشيار زيباري] عن احتمال قيام إمارة إسلاميّة في المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيّين في سوريا. وبدا أن وزير الخارجية القطريّة خالد بن محمد العطية، يدعو إلى تدخّل إنساني عاجل - وقال إن قطر لم تدعم قط الإرهابيّين الأجانب في العراق - وشدّد أيضاً على الحاجة إلى التدخّل. لقد تركّز النقاش أكثر على الحاجة إلى الدفع نحو تسوية سياسيّة بعيداً من الحل العسكري. كذلك فإن ريان كروكر الذي هو على الأرجح الأكثر احتراماً بين الدبلوماسيّين الأميركيّين السابقين، قال هذا الأسبوع "علينا أن نبدأ من جديد بالتكلّم مع نظام [الرئيس السوري بشار] الأسد عن مكافحة الإرهاب وسواها من المسائل. مهما كان سيئاً، فهو يظل أقل سوءاً من الجهاديّين". هل تشاطرهم هذا القلق من صعود الإرهاب في سوريا؟ وما تداعيات ذلك على مقاربتكم للمسألة السوريّة وللتعامل مع الأسد؟

الجميّل: أشاطرهم تماماً هذا القلق. نحن أمام مشكلة كبيرة. لسوء الحظ، يشتدّ التطرف مع تنامي العنف. كلما تفاقم العنف، ازداد الجنوح نحو التطرّف. في الأشهر التسعة الأولى من الثورة السوريّة، كانت التظاهرات سلمية مئة في المئة. لكن لم يمدّ أحد يد المساعدة لهؤلاء الأشخاص الذين كانوا يُقتَلون في التظاهرات. (...) استمرّ القنّاصون في قتل المتظاهرين طيلة سبعة أو ثمانية أشهر، ولم يحرّك أحد ساكناً لمساعدة هؤلاء الأشخاص. هكذا... جنحت الأمور نحو العنف، لأن المتظاهرين بدأوا يردّون ويتصدّون. ومع اشتداد العنف، راح مزيد من المعتدلين في سوريا يلازمون منازلهم، فسيطر المتطرّفون على الأرض. يسيطر المتطرفون منذ عام ونصف العام في سوريا، ونعم سوريا تشهد اليوم حرباً مفتوحة. وهذه الحرب المفتوحة ليست بين المعتدلين والنظام، بل بين المتطرّفين والنظام. لكن ما جعل الأمور تسلك هذا المنحى هو أن النظام حارب شعبه طيلة تسعة أشهر، ودفعه نحو الجنوح نحو العنف والمجموعات المتطرّفة.

و"حزب الله" فعل الشيء نفسه في لبنان. طيلة سبع سنوات، حارب الحزب السنّة المعتدلين في لبنان، وسدّد لهم ضربة قاضية في أحداث 7 أيار/مايو. عندما يعجز المعتدلون عن الدفاع عن أنفسهم، يلجأون إلى المتطرّفين. هكذا استطاع شخص مثل السيد [أحمد] الأسير حشد هذا القدر الكبير من الدعم في الشارع السنّي. إذاً لجأوا إلى شخص أكثر تطرّفاً. لقد دفع "حزب الله" بالسنّة المعتدلين إلى أحضان التطرّف، تماماً كما أن النظام السوري دفع بالسوريّين إما إلى ملازمة منازلهم وإما إلى اللجوء إلى المتطرّفين. إذاً أظنّ أن الخطأ قد وقع، ولا أدري إذا كان ما زال بإمكاننا تصويب الأمور حالياً. كل السيناريوهات سيئة الآن.

لنأخذ سوريا على سبيل المثال. لن يتمكّن بشار الأسد أبداً من استعادة السيطرة على كامل البلاد. لقد تغيّر الوضع. لا يمكنه إعادة سوريا إلى ما كانت عليه. لقد مُني بخسارة اليوم. 60 أو 65 في المئة على أقلّ تقدير من الأراضي السوريّة، لم تعد تحت سيطرته. ويصعب عليه كثيراً استعادة السيطرة عليها كلّها، لأن النظام السوري يخوض مواجهة مع 60 في المئة من شعبه على الأقل. لذا سيجد هذا النظام صعوبة كبيرة في استعادة السيطرة.

إذاً ثمّة حلاّن محتملان، وإلا ستبقى الأمور على ما هي عليه، أي إن الحرب المفتوحة ستستمرّ. ولا أدري إلى متى يستطيع النظام السوري الاستمرار في هذا الوضع، لأن الأشخاص الذين يقاتلهم لا يهابون الموت. أما العناصر الذين يقاتلون إلى جانب الأسد فيخشون الموت. وهذا عامل فرق كبير بين المعسكرَين. لا يمكن لأشخاص يخشون الموت أن يحاربوا أشخاصاً لا يهابون الموت. (...) لذلك أعتقد أن الأسد لن يتمكّن من الصمود في المدى الطويل. قد يتمكّن من المقاومة لبضع سنوات. قد يصمد لأربع أو خمس أو ست أو سبع سنوات، لكن في نهاية المطاف...

هذا أشبه بأحداث فيلم "300"، أليس كذلك؟ لا يمكنك أن تحارب 90 في المئة من الشعب بواسطة 10 في المئة... قد تفوز في معركة أو اثنتين أو ثلاثة أو ربما خمسة أو ستة أو عشرة... لكن في النهاية ستخسر. إنه قانون الأعداد. لا يملك الأسد [عدداً كافياً من الأشخاص]. (...) العدد محدود. لدى الأسد عدد محدود من العناصر. ومع مرور الأعوام، سينخفض هذا العدد. أما خصومه فلديهم إمدادات وافرة من العناصر البشريّة التي تتدفّق باستمرار من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في القتال. إذاً أعدادهم ليست في انخفاض، بل على العكس تتّجه صعوداً. يستطيع "حزب الله" إرسال عشرة آلاف عنصر، يستطيع إرسال عشرين ألف عنصر هذا العام مثلاً، لكنه لا يستطيع إرسال 30 ألفاً في كل عام. "حزب الله" بإمكانه أن يحارب لسنة أو اثنتين أو ثلاثة، لكن ليس بإمكانه أن يحارب طيلة عشر سنوات في سوريا. في لبنان مليون شيعي فقط. لا يمكنهم أن يكونوا 20 مليوناً... إذاً موارد بشار الأسد و"حزب الله" محدودة، شاؤوا أم أبوا.

أما الأطراف الأخرى فلديها موارد غير محدودة. يجنّدون أشخاصاً من بين 19 مليون سنّي في سوريا. 19 مليوناً! ويجب ألا ننسى أن 80 في المئة من السوريّين يتّهمون السنّة الذين يحاربون في الجيش السوري بالخيانة. إذاً هؤلاء السنّة يشعرون بالخوف فيما يقاتلون إلى جانب القوات النظاميّة. يخشون أن ينتقم أحدهم بقتل شقيق أم شقيقة أم والد في القرية التي يتحدّرون منها. إذاً ليس وضع الجيش السوري سليماً، كما أنه غير قابل للاستدامة.

يمكنهم الفوز ببعض المعارك. وهم يفوزون في بعض المعارك. يمكنهم الانتصار في القصير. يمكنهم إحضار مقاتلين من لبنان. وبإمكان "حزب الله" أن يذهب إلى هناك. باستطاعتهم إذاً الفوز في القصير ومساحتها بقدر مساحة بكفيا. مساحتها هي ضعفَي [مساحة] بكفيا، قريتي هنا. إذاً هي ليست كبيرة. لكن ليس بمقدورهم الانتصار في حمص. وليس بمقدورهم الانتصار في حلب. وليس بمقدورهم الانتصار في دمشق. لا يمكنهم السيطرة على المدن.

المونيتور: لكن ماذا عن القلق الإقليمي من نمو الإرهابيّين مع مرور الوقت...؟

الجميّل: سأخبرك أمراً. يمكنني أن أروي لك قصصاً جميلة عن المساعدة التي يقدّمها الروس، وعن إحجام الأميركيّين عن المساعدة، وكيف يتنحّى الأميركيّون جانباً، وعن أن الأوروبيّين يخشون التطرّف. لكن في نهاية الأمر، ثمة قواعد للحرب. [على الرغم] من كل الدعم الذي يستطيع بشار الحصول عليه من بلدان عدّة حول العالم، ثمّة قواعد على الأرض لا يستطيع الروس ولا الأميركيّون تغييرها. لم يستطع الأميركيّون حماية الولايات المتحدة من هجمات 11 أيلول/سبتمبر لأن المنفّذين هم قنابل بشريّة. هم قنابل بشريّة. لا يمكنك أن تحمي نفسك من قنبلة بشريّة. والإثبات على ذلك أنه لم يتمكّن أي بلد من حماية نفسه من القنابل البشريّة. أشخاص لا يهابون الموت، لا يمكنك أن تحارب هكذا أشخاص.

المونيتور: إذاً ما العمل معهم؟

الجميّل: في الواقع، السبيل الأفضل لمحاربتهم هو عن طريق المعتدلين، كما حصل في مصر. إنها في رأيي الطريقة الأنسب لمواجهتهم. كان لبنان محكوماً من السنّة المعتدلين في الأعوام العشرين الماضية، فكان الناس يحصلون على ما يحتاجون إليه، وعلى التعليم... هذه الطريقة في الحكم تحمينا من التطرّف. لا يمكن محاربة التطرّف. لا يمكن محاربته بالسلاح.

هذا ما قلناه لـ"حزب الله" عندما تعرّض لهجمات في معقله في الضاحية الجنوبيّة. لا يمكنكم القول إنكم تحاربون تنظيم "القاعدة" في سوريا لمنعه من القدوم إلى لبنان. ليست هذه الطريقة المناسبة لحماية لبنان، بل على العكس تماماً أنتم تدفعونهم لدخول لبنان ومحاربتكم في داخل لبنان وتدميره. إن محاربة هؤلاء الأشخاص في سوريا هي أفضل طريقة تدفع بهم نحو الدخول إلى لبنان. والسبيل الأفضل لحماية بلدنا هو دعم السنّة المعتدلين.

لنجلس معاً ونتباحث بشأن هذه الخلايا التي ما زالت صغيرة، ولنحاول تدمير هذه الخلايا وإقناع هؤلاء الأشخاص بالتخلّي عنها عبر تأمين فرص عمل لهم وتلبية احتياجاتهم. ليس الحلّ في محاربتهم بواسطة الوسائل العنفيّة، لأنك مهما كنت عنيفاً فإنهم أكثر عنفاً منك.

إذا كان "حزب الله" يعتقد أنه سيتمكّن من الفوز في هذه الحرب عن طريق اللجوء إلى العنف، فهو مخطئ. لأن هؤلاء الأشخاص أكثر عنفاً منه.

المونيتور: دعني أسألك عن "حزب الله".

الجميّل: دعني أقول لك. يوم أمس شاهدت تسجيل فيديو على موقع "يوتيوب" أرسله لي صديق. يجب أن تشاهده. أظن أنك لن تفهم جزءاً كبيراً من الكلام الذي يقال فيه، لكن ألقِ نظرة عليه. مدّته 30 دقيقة. إنه عن "جبهة النصرة"، عن الهجوم على معلولا. هاجموا معقلاً للجيش السوري في معلولا. إذاً مدّته 30 دقيقة، والدقائق الـ15 الأولى عبارة عن مقابلة مع الرجل الذي [فجّر] نفسه في [الهجوم]. أجروا مقابلة معه. كان يتكلّم معهم ويودّع الجميع. تتعرّف إليه طيلة 15 دقيقة. ثم يُظهرونه في داخل الشاحنة يزنّر نفسه بالحزام الناسف ويستعدّ للموت. وترتسم ابتسامة على وجهه فيما يتكلّم. إنه سعيد جداً. ثم تشاهد الشاحنة تنطلق وتنفجر، وبعدها يتوجّه عناصر [جبهة] النصرة ويسيطرون على معقل الجيش السوري ويقتلون عناصر الجيش. لدى مشاهدة شريط الفيديو على امتداد 30 دقيقة، تدرك أن هؤلاء الأشخاص ليسوا دعابة. إنهم بغاية الجدّية ومدرّبون جيداً.

وعندما تلقي نظرة على هؤلاء الأشخاص، تدرك أنه من المستحيل أن يتمكّن بشار الأسد من مواجهتهم. هذا غير ممكن. المسألة متعلّقة بالذهنية. لا يمكنك أن تقول لجنود يتقاضون 200 دولار أميركي في الشهر، اذهبوا وحاربوا هؤلاء الأشخاص. إنهم يعيشون في عالم آخر. هذا مخيف جداً. عليك مشاهدة تسجيل الفيديو هذا.

أرسلته إلى كل أصدقائي. ألقِ نظرة عليه. إنه مثير للاهتمام. من المهم جداً أن نشاهد هذا الشريط لنفهم مع مَن نتعامل. لا يكترث هؤلاء الأشخاص للطريقة التي تعيش بها حياتك اليوميّة. ليسوا كائنات بشريّة، هؤلاء الأشخاص ليسوا كائنات بشريّة. لأنهم لا يشعرون بأي نوع من العطف أو الرأفة. الكراهية تسيطر عليهم، وقد أُعميَت بصائرهم كلياً. يستحيل التعامل معهم. يبدو الرجل في شريط الفيديو سعيداً جداً! ترتسم ابتسامة على وجهه فيما يذهب بنفسه إلى الموت. هو يعتبر أنه يؤدّي واجبه تجاه الله.

المونيتور: ما حجم المسؤولية التي تحمّلها لـ"حزب الله" في تمدّد الإرهاب وعدم الاستقرار من سوريا إلى لبنان، وهل تعتقد أن الأمور كانت لتختلف لو أن "حزب الله" لم يرسل مقاتلين إلى سوريا أو يتورّط في النزاع هناك؟

الجميّل: سبق أن أجبت عن هذا السؤال. نعم بالضبط، أنا أعتبر أن ذهاب "حزب الله" إلى سوريا دفع بهؤلاء الأشخاص إلى القدوم إلى لبنان ومحاربته هنا. عندما تقرّر خوض حرب في بلد آخر، عليك أن تتوقّع أن هؤلاء الأشخاص سيأتون لمحاربتك في عقر دارك. عندما يعبرون الحدود اللبنانيّة، لن يقولوا ’لا، لن نحاربهم لأننا لا نريد الاقتراب من لبنان‘. هذه دعابة. عندما تقول كما فعل "حزب الله"، إنه لم يعد من حدود وسأعبر الحدود وأقاتل في سوريا، عليك أن تتوقّع أن هؤلاء الأشخاص الذين تحاربهم في سوريا سيعبرون هم أيضاً الحدود ويحاربونك في عقر دارك.

إنها المرة الأولى في تاريخ لبنان، في تاريخ لبنان، التي [ينفّذ] فيها تنظيم "القاعدة" تفجيراً انتحارياً في لبنان. لم يسبق أن أرسلت "القاعدة" انتحارياً إلى لبنان. أبداً. إنها المرة الأولى. التورّط في سوريا دفع بهم إلى القدوم إلى لبنان. وإلا كيف نفسّر أن تنظيم "القاعدة" لم يسبق أن شنّ عمليات في لبنان قبل تورّط "حزب الله" في سوريا؟ كيف؟ حتى الآونة الأخيرة، استهدفت كل التفجيرات والاغتيالات شخصيات محدّدة. لكنها المرة الأولى التي يُرسَل فيها انتحاريون لاستهداف المدنيّين. إنها المرّة الأولى.

المونيتور: وهل تعتقد أنه لو لم يرسل "حزب الله" مقاتليه إلى سوريا، لبقي لبنان في مأمن من تداعيات النزاع؟

الجميّل: لو التزم لبنان الحياد، لكانت حظوظنا أكبر بالبقاء بمنأى عن الصراع. هذا مؤكّد. قد تكون حظوظنا الآن بالنجاة من تداعيات الصراع 2 أو 1 في المئة، لكن لو اعتمدنا الحياد لوصلت هذه الحظوظ ربما إلى 20-30 في المئة. في الواقع، حظوظنا معدومة في الوقت الحالي. قُضي الأمر. لقد غرقنا في المعمعة. يسقط قتلى في طرابلس. يسقط قتلى في تفجير سيارات مفخّخة في طرابلس وضواحيها، وفي مناطق "حزب الله".

المونيتور: هل يمكن أن يؤدّي الانخراط مع إيران الذي أسفر عن إبرام اتفاق مؤقت، إلى تعاون في مسائل أخرى في المنطقة، مثل سوريا، أو ربما اضطلاع إيران بدور بنّاء في هذا السياق؟ هل ترى أن تحسّن العلاقات بين الغرب وإيران يصب في مصلحة لبنان؟

الجميّل: كل ما يساهم في التقارب بين الأشخاص وتهدئة الأمور وإحلال السلام في المنطقة أعتبره إيجابياً. كل ما يساعد على إرساء السلام ودفع البلدان نحو الاتّفاق ووقف القتال أعتبره إيجابياً. لأن السلام يعني انتصار المعتدلين في المدى الطويل. أما الحرب؟ فتعني انتصار المتطرّفين في المدى الطويل. إذاً عندما يسود السلام في بلد ما، يتسلّم المعتدلون زمام الأمور. أما في حالة الحرب، فتكون الغلبة للمتطرّفين. إذاً من المؤكّد أننا نشجّع أي نوع من محادثات السلام، وتهدئة الأمور بين القوى المختلفة في المنطقة.

المونيتور: هل سيكون لذلك، في رأيك، تأثير في دور "حزب الله" في السياسة اللبنانيّة؟

الجميّل: مشكلتنا مع حزب الله ليست في الحزب نفسه، بل في الطريقة التي يتعامل بها مع اللبنانيين - عبر استخدام القوة ضد الشعب اللبناني، وجرّ لبنان إلى نزاع لا ناقة له فيه ولا جمل. هذه هي مشكلتنا مع حزب الله. أي اتفاق يُجيز للحزب الاستمرار في التصرّف على النحو الذي يتصرّف به الآن، سنتصدّى له، لأننا لن نسمح له بأن يُمعن في سلوكياته هذه في لبنان. أما الاتفاق الذي يساهم في دفع حزب الله نحو اعتماد نهج سلمي فمن شأنه أن يكون إيجابياً بالنسبة إلينا. يتوقّف الأمر على نتائج الاتفاق. إذا كان الاتفاق يصبّ في مصلحة لبنان، وفي مصلحة السلام في لبنان، سوف ندعمه بغض النظر عن مضمونه. لكن إذا جاء الاتفاق على حساب لبنان - على حساب السلام وبناء الدولة في لبنان - فسوف نكون له بالمرصاد.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in