أقلّ من أسبوع يفصلنا عن التاريخ الذي حدّدته حركة "تمرّد فلسطين" في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، للخروج إلى الشوارع والتظاهر ضدّ حكم حركة "حماس" في قطاع غزّة.
ومع اقتراب هذا التاريخ، تزداد الشائعات والأقاويل في الشارع الغزّي. فيقول محمد (37 عاماً) "سمعنا أنها ستكون مواجهة دامية في الشارع، وأتوقّع أن يتحرّك الناس ويتظاهرون. فهذا اليوم يصادف ذكرى وفاة (الرئيس الفلسطيني الراحل) ياسر عرفات".
توافقه في الرأي مواطنته غ. أ. (33 عاماً) التي تتوقّع "حدوث مواجهات على الرغم من أنني أتمنى عكس ذلك"، مشيرة إلى أن الكل يتحدّث عن وجود أوامر بإطلاق النار على الرؤوس وليس على الأرجل في ذلك اليوم.
من جهته، كتب الناشط السياسي المقرّب من الحكومة أدهم أبو سلمية على صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، "أجزم أن الذي قتل ياسر عرفات هو نفسه الذي حوّل ذكرى رحيله في 11/11 إلى يوم موتور ويوم فتنة عبر الدعوات ’الهبلة‘ المسماة (تمرّد)".
وكان "المونيتور" قد التقى في 29 آب/أغسطس الماضي أحد أعضاء حركة "تمرّد" الذي عرّف عن نفسه باسم مستعار هو أبو يامن والذي قال "نتوقّع أن نكون في 11/11 مخطوفين. ولكن هذا لا يهمّ طالما أن الجميع سيخرجون إلى الشارع.. النساء والطلبة وسائقو الأجرة. لم يعد أحد يستطيع البقاء صامتاً أمام الظلم والقمع وتدهور الأوضاع الاقتصاديّة".
تدهور الأوضاع
والأوضاع التي يصفها أبو يامن بالمتدهورة، ازدادت سوءاً خلال شهرَي أيلول/سبتمبر وتشرين الأوّل/أكتوبر الماضيَين مع تدمير الأنفاق بشكل شبه تام وتوقّف إسرائيل عن إدخال وقودها إلى القطاع الذي يشكّل بديلاً عن مثيله المصري.
وقد حذّر النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبيّة لمواجهة الحصار في تصريحات صحافيّة في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، من كارثة إنسانيّة جرّاء انضمام آلاف العمال إلى قافلة العاطلين عن العمل وارتفاع نسبة الفقر بسبب عدم سماح إسرائيل بإدخال مواد البناء للمؤسّسات الدوليّة والقطاع الخاص بالإضافة إلى إغلاق مئات المصانع، لينخفض معدّل دخل الفرد اليومي إلى دولارَين أميركيَّين اثنَين، ما يُعتبَر من أكثر معدلات العالم انخفاضاً.
لن ينزل الناس إلى الشارع!
وعلى الرغم من سوء الأوضاع المعيشيّة وانقطاع التيار الكهربائي لمدّة 12 ساعة يومياً، إلا أن الكاتب السياسي أكرم عطالله لا يتوقّع أن تدفع هذه الظروف الناس إلى الاستجابة لدعوات "تمرّد".
أضاف لـ"المونيتور" أن "الناس في القطاع لا يملكون سيكولوجيّة التمرّد بل هم أقرب إلى التأقلم وعلى درجة كبيرة من الخوف وهم لن يقولوا للحاكم إرحل، بل سيبحثون عن البدائل المريحة التي لا تعرّضهم للصدامات".
ونبّه عطالله إلى أن سبب هذا الخوف بشكل أساسي هو حملات الترويع التي تمارسها الأجهزة الأمنيّة، وأبرزها ما قامت به "حماس" ضدّ العائلات الكبيرة مثل عائلة دغمش وعائلة حلس وإطلاق النار في خلال الاحتفاء بذكرى رحيل عرفات في العام 2007 وهجومها على اعتصام 15 آذار في العام 2011.
ورأى عطاالله أن المشكلة الأخرى هي في كيفيّة بناء حركة "تمرّد" نفسها على الأرض، موضحاً أن "تمرّد فلسطين عبارة عن قصّ ولصق لتجربة مصر من دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصيّة القطاع، بالإضافة إلى أنه ما من ترتيبات مسبقة متوفّرة كما كانت الحال في مصر. ولعلّ أحد تلك الترتيبات هو تبنّي القوى الديمقراطيّة لها، بينما في القطاع تنصّلت منها الفصائل". وتوقّع أن يكون يوم 11/11 يوماً عادياً يشهد فقط انتشاراً كبيراً لقوات حركة "حماس" في الشارع.
الأمر نفسه توقّعه مدير المكتب الإعلامي في وزارة الداخليّة والأمن الوطني إياد البُزم. لكنه خالفه الرأي في ما يخصّ انتشار القوات، فقال لـ"المونيتور" إنه "لا يوجد لدينا أي خطة أمنيّة خاصة بيوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر بل سيكون مثل أي يوم آخر، لأن معركتنا الأساسيّة هي مع الاحتلال ولدينا خطة طوارئ للتعامل معه في حال حدوث أي تصعيد".
تحوّل خطاب تمرّد
من ناحيتها كرّرت حركة "تمرّد" على صفحتها على "فيسبوك" شكواها من ملاحقة الأجهزة الأمنيّة في غزّة للشباب بحجّة انتمائهم إلى حركة "تمرّد" واعتقالهم، واعتذرت عن تفعيل صفحتها على "فيسبوك" بسبب هذه الملاحقات.
كذلك شهد خطاب حركة "تمرّد" تحوّلاً دراماتيكياً في تسجيل فيديو بثّته في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، ليس فقط لأن المتحدّث ظهر وهو غير ملثّم وكشف عن هويّته "أحمد الحمامرة المقيم في أوروبا"، بل لأنه أطلق مبادرة سلميّة اعتبرها البعض تراجعاً.
وقال الحمامرة "سنقوم بتجميد تمرّدنا على ظلم حماس في حال حصولنا على وثيقة وقبل غروب شمس يوم الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري توافق فيها حماس على إجراء الانتخابات العامة التشريعيّة والرئاسية ويشهد عليها كلّ فصائل منظمة التحرير الفلسطينيّة بما فيها حركة فتح وحركة الجهاد الإسلامي والشخصيات التي عملت للحصول على هذه الوثيقة".
بالنسبة إلى الناشط الشاب أحمد علي (اسم مستعار) الذي كان معتقلاً لدى أجهزة أمن غزّة وأطلق سراحه قبل أسبوعَين، فإن "سبب تحوّل خطاب تمرّد إلى الدبلوماسيّة يرجع إلى التصعيد الإسرائيلي الذي يستهدف حركة حماس". وقد أوضح لـ"المونيتور" أن أي تحرّك ضدّ "حماس" في ظل استهدافها من قبل إسرائيل سيبدو كأنه اتفاق مع الأخيرة.
أضاف "شاهدت نحو 15 شاباً يتمّ التحقيق معهم، بعضهم عن أموال وأسلحة حصلوا عليها عن طريق محمد دحلان لدعم تمرّد"، معتبراً أن لا وجود لـ"تمرّد" سوى على موقع "فيسبوك" وأن الأمن أعطاها حجماً أكبر من حجمها الحقيقي.
الأمن خط أحمر
وللتهمة ذاتها "الانتماء إلى تمرّد"، اعتقل الشاب ج. ص. في 21 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي. فروى لـ"المونيتور" أنه صادف في خلال التحقيق ما لا يقلّ عن ثمانية شباب في خلال 16 ساعة من الاحتجاز موقوفين بتهمة "تمرّد"، كذلك لمح عدداً من الزنازين ممتلئة.
أضاف "في خلال التحقيق قال لنا الضابط: لو اعتقلناكم بسبب فتيات عادي، لو قضيّة مخدّرات عادي، لكن موضوع الأمن هو خط أحمر. وكان يقصد بذلك تمرّد. وأكمل الضابط: لو كان إسماعيل هنيّة بحدّ ذاته من قام بالعبث بهذا الأمن، سنلقي القبض عليه".
من جهته، لم يرَ البزم ما هو معيب في كلام الضابط، موضحاً أن "ما يقوله صحيح. فالقضايا الأمنيّة هي أخطر القضايا في جميع دول العالم. وكلامه حول رئيس الوزراء يدلّ على أن جميع الناس سواسية في هذا الأمر". ونفى وجود أي معتقلين سياسيّين، بل هم معتقلون على خلفيّة تخابر مع الاحتلال أو على خلفيات جنائيّة.