على عكس ما تنقله وسائل إعلام مصريّة وفلسطينيّة من تحذيرات حول انفجار الوضع ما بين قطاع غزّة ومصر ووجود توتّر على الحدود بينهما، تبدو هذه الحدود التي تمتدّ على مسافة 14 كيلومتراً هادئة تماماً. ففي الجانب المصري تتنقّل الدوريات العسكريّة المصريّة من دون أن يخاف جنودها من أي استهداف، أما على الجانب الفلسطيني فتجد جنود الأمن الوطني الملزمين تأمين حدود القطاع يلقون أحياناً التحيّة على الجنود المصريّين ملوّحين بأيديهم.
هذا المشهد رصدته مراسلة "المونيتور" التي تنقّلت على طول حوالى عشرة كيلومترات من نقطة وسط الحدود حيث المقرّ الرئيسي لجهاز الأمن الوطني الذي يتبع وزارة داخليّة عزّة، باتجاه أقصى الغرب حيث الحدود على البحر الأبيض المتوسّط، ومن ثم رجوعاً إلى أقصى الشرق حيث معبر رفح. أما الجزء الأخير من الحدود مع مصر والذي يوصل إلى معبر كرم أبو سالم التجاري، فيُمنع الدخول إليه.
آخر التصريحات التي نقلها الإعلام والتي تحمل تحذيراً، هو ما قاله قائد الجيش الثاني الميداني في القوات المسلّحة المصريّة في سيناء اللواء أحمد وصفي إذ أشار إلى أن "عناصر جهاديّة موجودة في قطاع غزّة لا تضع اعتباراً لدور مصر". وقد حذّرها من غضب الجيش المصري.
أضاف اللواء وصفي لصحيفة "الرأي" الكويتيّة في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، "أقول لهذه العناصر، لن نسمح لكم بتكرار أعمالكم الإجراميّة في سيناء، وسنقطع أي رأس يحاول تهديد أمن وسلامة مصر".
وتابع "الجيش المصري لا يعتدي على أحد في خارج حدوده. ولكن اللي بيحاول يمسّ بلدنا بنعرف نأدّبه كويّس".
واعتبرت حكومة غزّة في اليوم ذاته على لسان المتحدّث باسمها إيهاب الغصين، أن هذا تهديد واضح ضدّ القطاع، مطالبة السلطات المصريّة بموقف رسمي بخصوص التصريحات المتكرّرة التي "تهدّد أمن واستقرار الشعب الفلسطيني".
على الحدود، لا تجد أثراً لهذه التهديدات. فمن السهل على الناظر رؤية الدبابات المصريّة والجنود في داخلها تمرّ في دوريات عسكريّة اعتياديّة في شارع ضيّق ما بين الجدار غير المرتفع الذي يعلوه سلك شائك والمرجّح أنه مشيّد منذ اتفاقيّة كامب ديفيد (1979) من ناحية فلسطين، وبين الجدار العازل العريض الذي بدأت السلطات المصريّة في بنائه في العام 2008 عند حدود أراضيها. أما المنطقة هنا فتُعرف بـ"محور فيلادلفيا".
وعلى مسافة لا تزيد عن مائتي متر من الجدار الحدودي، يقع مكتب نائب القائد العام في الأمن الوطني طارق أبو هاشم الذي التقاه "المونيتور" والذي أكّد أنه لا يوجد على الأرض ما يشير إلى حرب قريبة سيشنّها الجيش المصري على القطاع. وأوضح أن "القوّة المتواجدة على الأرض لا تكفي لأي هجوم، بالإضافة إلى وجود الوازع القومي".
أضاف أبو هاشم الذي يتكلم بلكنة مصريّة إذ قضى شطراً من حياته في مصر، "ثمّة تجاوزات بالفعل وتعزيزات حدثت منذ 30 حزيران/يونيو الماضي، لكن لا يمكن اعتبارها تهديداً لأمن القطاع بعد".
وتفرض اتفاقيّة محور فيلادلفيا بعد الانسحاب الاسرائيلي من القطاع في العام 2005، تواجد 750 جندياً بأسلحة رشّاشة وقاذفات خفيفة. لكن أبو هاشم لفت إلى أنه وبعد تاريخ الثلاثين من يونيو "لاحظنا وصول المزيد من الأسلحة الثقيلة وكتيبتيّ مشاة تضمّ كلّ واحدة منهما 350 جندياً وكذلك ثلاث كتائب لآليات عسكريّة تشمل كلّ واحدة منها تسع آليات، بالإضافة إلى استقدام كتيبة (777) غرباً عند الحدود المقابلة لتلّ زعرب وهي كتيبة مشاة مكوّنة من 300 جندي".
وحول مصدر معلوماتهم أجاب أبو هاشم "من إعلام الجيش نفسه"، مصراً على أنها تعزيزات لا تمثّل تهديداً. وشرح أن "اجتياح القطاع يتطلب أضعاف هذا العدد. فإذا كانوا يتوقّعون مواجهة عشرة آلاف مسلّح عندنا، فسيحضّرون 30 ألف جندي وهكذا".
وأفاد أنه لاحظ منذ تصريحات اللواء وصفي عودة هذه الدوريات إلى الخطّ الضيّق بين جداريّ الحدود بعد أن كانت امتنعت عن ذلك لفترة من الزمن، بالإضافة إلى وصول تعزيزات من الأسلحة، لافتاً إلى أنه "قبلها اخترقت طائرة مصريّة حربية شرق الحدود مرّتَين في الثاني من تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري".
من جهته، أشار أبو محمد وهو ملازم أوّل كان حاضراً خلال لقاء أبو هاشم، إلى استفزازات لفظيّة تحدث وكان آخرها في 18 أيلول/سبتمبر المنصرم. فقال "كنت أتفقّد الحدود حين قام جندي مصري بشتمي ورفع السلاح في وجهي وسحب الأقسام"... لكن اللواء أبو هاشم قاطعه ولفت إلى أنه تمّت تهدئة الموقف وشربوا المياه معاً، مضيفاً "وطلبت من الجنود المصريّين ألا يوجّهوا فوهة بنادقهم نحونا وهو ما حدث بالفعل".على أقرب حدّ من نقطة عسكريّة مصريّة تقع إلى أقصى الغرب قبل البحر مباشرة، حيث تفصل بين الحدود بضعة أسلاك وأعمدة من السهل القفز فوقها، ترى جندياً مصرياً يتحدّث عبر الهاتف وتسمع حديثه. لكن المسافات الأمنيّة تبدو أكبر بكثير من تلك الجغرافيّة.
عند هذه النقطة الحدوديّة المسمّاة "العزبة"، التقى "المونيتور" الرقيب إبراهيم عرفات (27 عاماً) من الأمن الوطني الفلسطيني والذي يخدم منذ سبعة أعوام هنا. فقال "في وقت سابق كنا أصدقاء مع الجنود المصريّين نتبادل الأحاديث ونشرب الشاي. لكن الآن كلّ شيء تغيّر. حتى الضُباط والجنود تمّ استبدالهم". ولا ينكر أنه أحياناً تقف الدبابة أمام موقعهم، ولكن من دون أن توجّه صوبهم أي تهديد.
والمُلاحظ أن نقطة أمن وطني تفصل ما بين كلّ كيلومترَين اثنَين. وعلى مسافة أقرب، ثمّة برج مراقبة مصري على الجهة المقابلة. كذلك تبدو واضحة المنطقة العازلة بعد الحدود المصريّة. بمجرّد الوقوف على تلّ زعرب وهو أعلى منطقة على الحدود، تستطيع ملاحظة المباني الخالية من السكان على الجانب المصري والسواتر العسكريّة فوقها والجنود يتمركزون على سطوحها إلا أن فوهات بنادقهم غير موجّهة ناحية القطاع.
وكانت الأزمة قد وصلت ذروتها في منتصف شهر أيلول/سبتمبر الماضي، بعد تأكيد المتحدّث العسكري للقوات المسلحة على أنه تمّ ضبط ذخائر مدوّن عليها "كتائب القسام".
وقد أضاف العقيد أحمد محمد علي أن "الجيش المصري اكتشف أسلاكاً متّصلة بدوائر إلكترونيّة ثبّتت عليها قنابل على طول الشريط الحدودي ما بين مصر وغزّة يتمّ التحكّم بها من ناحية القطاع، ما يعني أن عناصر من ’حماس‘ يستهدفون الجيش المصري".
في المقابل حصل "المونيتور" على معلومات من مصدر أمني فلسطيني فضّل عدم الكشف عن هويّته، تفيد بأنه منذ 25 تموز/يوليو الماضي وحتى 11 أيلول/سبتمبر الماضي سُجّل 27 اختراقاً من قبل الجيش المصري للحدود، كإطلاق الزوارق المصريّة النار على الصيّادين ودخول الطائرات الحربيّة المصريّة أجواء الأراضي الفلسطينيّة والهتاف لوزير الدفاع الفريق أوّل عبد الفتاح السيسي وتصوير المواقع الفلسطينيّة وتوجيه الشتائم.
عند الحدود الملاصقة للمعبر المصري والقريبة من معبر كرم أبو سالم، عند آخر نقطة عسكريّة شرق الحدود مع مصر والتي تسمّى (5-5)، أشار أبو أحمد (37 عاماً) وهو رقيب أوّل في الأمن الوطني بلكنة بدويّة، إلى أنه "قبل أقلّ من شهر حدث إطلاق نار من مصر باتجاه موقعنا واستلقينا جميعاً على الأرض"، مرجحاً أنها غالباً رصاصات طائشة. وقد شدّد على أنهم لا يسمحون لأي مسلّح من القطاع بأن يستهدف الجيش المصري.
أضاف "هم يقولون إننا جيش حماس أو القسام، لكننا عناصر في الأمن الوطني، عندنا أوامر أن لا نتعرّض لأي منهم".
تغادر الحدود بانطباع أن السلام يسودها وحدوث اختراقات من أي طرف هو مجرّد استثناء، إلا أن القرار السياسي قد يغيّر هذه الحقيقة في دقائق تماماً كما غيّر منطقة الأنفاق المحاذية والتي كانت تشبه منطقة صناعيّة تحوّلت اليوم منطقة مهجورة خالية إلا من بضع كلاب مستلقية على أكوام من التراب.