كانت الأصوات عالية واللهجات واضحة في مؤتمر مغلق عقد يوم الاثنين في الثاني من أيلول/سبتمبر الجاري، في أحد الأديرة المسيحيّة في جبل لبنان على مسافة نحو 20 كيلومتراً من بيروت. وكان من بين المشاركين ممثلون عن الكنائس الإحدى عشرة الموجودة في لبنان، إلى جانب عدد من المفكّرين والسياسيّين المسيحيّين اللبنانيّين من بينهم كاتب هذه السطور. وكان الموضوع الأكثر سخونة: مسيحيّو سوريا ولبنان في ظلّ ضربة أميركيّة لدمشق. فرفع أحد الأساقفة المشاركين صوته بحدّة وهو يقول لإخوته الأساقفة وللآخرين: "اسمعوا كلامي هذا، واشهدوا عليه. ما من نتيجة واحدة مضمونة للضربة الأميركيّة لسوريا، لا عسكرياً ولا سياسياً ولا في أي مجال، باستثناء نتيجة واحدة مؤكدّة وحتميّة. فمع سقوط أوّل صاروخ أطلسي على سوريا، ستكون نهاية المسيحيّين في هذا البلد، إما ذبحاً وإما تهجيراً!"...
وكرّت سبحة مواقف الأساقفة المؤيّدة لموقف زميلهم والرافضة للسياسة الأميركيّة خصوصاً والغربيّة عموماً حيال سوريا. "إنها التجربة العراقيّة مجدداً"، قال أسقف آخر مشارك. تابع "جاء الأميركيّون بحجّة إسقاط (الرئيس العراقي السابق) صدّام حسين وإقامة ديمقراطيّة. فانتهينا هناك إلى فوضى مطلقة وقيام "دولة العراق الإسلاميّة" وإلى مجازر سنيّة–شيعيّة لا تنتهي، والأهمّ إلى تهجير شبه كامل لمسيحيّي العراق". أضاف الأسقف الناشط جداً سعياً إلى حلّ سلمي في سوريا "قبل أسابيع، وبالتنسيق مع الدوائر الفاتيكانيّة المختصّة، ذهبت مع وفد من مسيحيّي سوريا ومسيحيّي كنيستي إلى أوروبا والتقينا مسؤولين في الاتحاد الأوروبي وفي قيادة حلف شمال الأطلسي. شرحنا واقعنا وعرضنا الأخطار المحتومة التي تنتظرنا. لم نلمس أي تجاوب، ولا أي فهم حتى لمأساتنا". سكت الأسقف محاولاً إخفاء غصّة أسى في صوته، قبل أن يتابع "لكننا لن نيأس. قرّرنا بعدها دعوة كلّ الكنائس الأوروبيّة إلى مؤتمر لإثارة قضيّتنا. وقبل تدهور الأوضاع الأخيرة مع احتمالات الضربة الأميركيّة لسوريا، كنا قد قرّرنا إقامة المؤتمر في قبرص في تشرين الأول/أكتوبر المقبل بمشاركة أكثر من 200 ممثل لكنيسة أوروبيّة. الآن، صارت الأمور أكثر تعقيداً وخطراً وإلحاحاً".