تواجه الحكومة العراقيّة تحدياً كبيراً إثر اندلاع تظاهرات شعبيّة في 31 آب/أغسطس المنصرم في عدد كبير من مدن العراق. وقد أجبرت هذه التظاهرات الحكومة على اتخاذ إجراءات أمنيّة مشدّدة ضدّها، ما أدّى إلى استخدام العنف غير المبرّر في الناصريّة بغداد ومدن أخرى. وتعتبر هذه التظاهرات الأوسع من نوعها مقارنة بتحرّكات الأعوام 2010 و2011 و2012 التي قامت الحكومة بقمعها في كلّ مرّة، ما أدّى الى سقوط قتلى وجرحى.
وقد سبق أن طالب مراجع النجف الحكومة بالاستجابة للمطالب الشعبيّة بخصوص توفير الخدمات والأمن والحدّ من الفساد الشامل في مفاصل الدولة.
حاولت الحكومة العراقيّة في التظاهرات السابقة وفي الأخيرة أيضاً، أن تستعين بالمراجع الإصدار فتاوى تحظّر الخروج في تظاهرات بحجّة الظروف الصعبة في المنطقة والعراق بالتحديد، فرفض مراجع النجف الأربعة الطلب موجّهين النقد إلى الحكومة في كلّ مرّة. لكن الأخيرة نجحت سابقاً في الحصول على فتاوى من شخصيات مقرّبة من إيران، من أمثال الشيخ محمد مهدي الآصفي وهو الممثّل الرسمي لخامنئي في العراق والسيد محمد كاظم الحائري وهو من المقرّبين من القيادة الإيرانيّة. فصدرت عن هؤلاء فتاوى تحذّر من الخروج في تظاهرات من شأنها أنتزيد الوضع اضطراباً، أكثر مما هو عليه.
وجدّدت الحكومة المحاولة في هذه المرّة أيضاً، إذ أرسلت وفداً خاصاً يضمّ شخصيات مرموقة من حزب الدعوة والحكومة، ومن بينهم الشيخ عبد الحليم الزهيري المستشار الخاص لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والمدير السابق لمكتب رئيس الوزراء طارق نجم. ونقل أحد المقرّبين من مكتب السيّد محمد سعيد الحكيم لـ"المونيتور"، أن الأخير استقبل الوفد بعد أن رفض السيّد علي السيستاني استقبالهم تعبيراً عن غضبه من فشل الحكومة المستمرّ وكذلك فسادها المستشري. وقد أبدى الشيخ الزهيري قلقه من التظاهرات التي يتمّ التحضير لها من قبل ناشطين في مختلف مدن العراق، طالباً من الحكيم مساعدته في حظر التظاهرات. لكن الزهيري تلقّى رفضاً قاطعاً من قبل الحكيم الذي انتقد بدوره الحكومة العراقيّة سائلاً الزهيري: "لماذا لم تستجيبوا لمطالب المتظاهرين بدلاً من محاولة منعهم من التظاهر وهو حقّ مشروع للجميع؟!".
وكان خطيب الجمعة في كربلاء الذي يمثّل السيّد السيستاني رسمياً، قد تابع انتقاد فشل الحكومة وفسادها معبّراً عن دعمه (في خطبة 30 آب/أغسطس) للتظاهرات التي جرت في اليوم التالي. كذلك طالب الحكومة العراقيّة بوضع خطّة واضحة المعالم لمعالجة الوضع، في حال كانت صادقة في محاولتها للتغلّب على المشاكل القائمة. وكان قد سبق للسيستاني أن دعم مطالب المتظاهرين ووصفها بالمشروعة، داعياً الحكومة العراقيّة إلى الاستجابة لها عن طريق العمل لتوفير الخدمات والأمن وإلغاء الامتيازات غير المقبولة التي منحها البرلمانيّون والوزراء لأنفسهم.
وفي ظلّ الغضب السائد في الشارع العراقي والدعم الذي يحصل عليه المتظاهرون من مرجعيات النجف، يتوقّع أن تستمرّ التظاهرات في الأشهر المقبلة، ما من شأنه أن يقلل من حظوظ ائتلاف "دولة القانون" في الحصول على أصوات كافية للمشاركة في الحكومة الجديدة.