تلعب الخطب الدينيّة في المجتمع العراقي الذي يتميّز بهويات دينيّة متنوّعة، دوراً هاماً في أزمات البلد الاجتماعيّة والسياسيّة. أما دورها فمزدوج، يتأثّر بالخطباء الذين يساهمون بشكل جاد في مفاقمة الأزمة الطائفيّة حيناً وفي التخفيف من حدّتها حيناً آخر. وبينما تحاول بعض الشخصيات الدينيّة العراقيّة اعتماد خطاب تصالحي ومتسامح في المناسبات الدينيّة، يقوم عدد آخر منها بنشر الكراهيّة والعنف ضدّ الآخر بشكل مستمرّ. وبإمكان المتابع أن يشاهد الحالتَين في كلا المذهبَين الرئيسيَّين في البلاد: الشيعي والسنّي.
في الجانب الشيعي، يمثّل السيّد السيستاني الجانب المعتدل والمتسامح تجاه المذاهب والأديان في العراق، ويظهر ذلك جلياً من خلال بياناته ومواقفه الشخصيّة وما يصدر بشكل رسمي عن ممثليه الرسميّين. وثمّة أيضاً عمل مكثّف تقوم به شخصيات دينيّة شيعيّة لسدّ الهوة القائمة ما بين الشيعة والسنّة، ويتمّ ذلك من خلال مؤسّسات ومجالس حوار أبرزها مؤسّسة الإمام الخوئي التي تعمل بشكل منتظم مع شخصيات سنيّة وغير مسلمة لتقريب وجهات النظر والترويج للتسامح بين الأديان والمذاهب، وهي ساهمت أخيراً في تأسيس المجلس العراقي لحوار الأديان. في الجانب الآخر، ثمّة فئتان أخريان من الشخصيات الدينيّة الشيعيّة التي تؤجّج الصراع الطائفي بشكل ملحوظ. الفئة الأولى هم رجال الدين المساهمين بتأسيس وقيادة ميليشيات عسكريّة متورّطة باستخدام العنف في وجه أتباع المذاهب الأخرى. أما الفئة الثانية فهم الخطباء الذين يستغلون المناسبات الدينيّة لبثّ العداء والكراهيّة تجاه مقدّسات المذاهب الأخرى وأهل السنّة بالتحديد.