يمتلك علي الكرادي حصة في عدة نوادي ليلية ببغداد، يتنقل بينها بعد منتصف ليل ومع بدء حظر التجوال بسياراته، حاملاً تصريحاً خاصاً بالفنانين والمطربين الذين يحق لهم التنقل في هذه الساعة.
علي استأنف عمله بعد نهاية شهر رمضان الذي تغلق فيه الاندية الليلية ومحال بيع الخمور، لكنه ليس واثقاً من امكان استمرار العمل في ضوء الهجمات التي تعرضت لها عدد من المقاهي في بغداد خلال شهر رمضان بحجة نشرها الرذيلة ، ويقول بقلق:
"اذا كانوا هاجموا مقاه لبيع الشاي والاركيلة، فماذا سيفعلون معنا؟".
في ايلول 2012 هاجمت قوات امنية مدججة بالسلاح النوادي الليلية والاجتماعية ببغداد، واغلقتها بحجة عدم حصولها على تصاريح رسمية للقيام بعملها.
ويؤكد علي الكرادي من بغداد للمونيتور في 9 اب، ان الدولة لاتمنح اساساً مثل هذه التصاريح، فالحكومة المحلية في امانة بغداد تلقي مسؤولية منح التصاريح على عاتق شرطة السياحة ، والاخيرة تلقيها على عاتق وزارة السياحة، ولا احد في العراق سواء كان سياسياً او ادارياً يتحمل مسؤولية اصدار تصريح بفتح نوادي ليلية، او حتى مخازن لبيع الخمور، فالاحزاب الدينية المسيطرة على الدولة، تخشى ان يتم استخدام مثل هذا الفعل ضدها سياسياً من قبل خصومها".
ومع هذا فأن مرتادي ليل بغداد الذين يسجنون انفسهم اختيارياً داخل النادي الليلي من منتصف الليل الى حين انتهاء حظر التجوال فجراً، لم يترددوا في التدفع على النوادي التي جازفت بافتتاح اعمالها في العيد، خصوصاً في الفنادق الرئيسية".
يحمل علي الكرادي معه في جولته اليلية اكياس طعام او مكسرات يوزعها على نقاط التفتيش التي يمر بها، ومعظمهم يعرفونه ويحيونه بحماسة، فهم يعتبرون خفاراتهم اليلية بمثابة اجازة او مكافئة وبعضهم يدفع رشاوى لمرؤوسيه لتحويل مناوباته ليلاً.
احد عناصر الشرطة في نقطة تفتيش في شارع السعدون في بغداد واسمه حسن يقول للمونيتور في 10 آب الحالي :"بعد حظر التجوال نشعر بالاسترخاء، فنادراً ماتمر سيارات في الشارع الا تلك التي تضم مسؤولين حكوميين، ولم تسجل اعتداءات او عمليات ضد نقاط التفتيش بعد منتصف الليل ، فيما المناوبة النهارية هي تعايش عملي مع الموت المحتمل الذي يمكن ان تحمله اي مركبة من الاف المركبات التي تمر من نقطتنا يومياً".
لايشعر عناصر الشرطة وحتى كبار الضباط باي مشاعر سلبية تجاه النوادي الليلية، فكثير منهم يرتادونها بالفعل بزيهم المدني، لكن بعض كبار الضباط والمسؤولين الحكوميين يتحمسون لاغلاقها لانها تستقطب ابنائهم.
يقول علي الكرادي :"الضباط الكبار وابناؤهم زبائن دائميين لدينا، ونحن نجاملهم في الاجور والتسهيلات، لحمايتنا" ويسرد حكاية مع ضابط كبير قدم الى النادي الليلي الذي يرتاده ابنه الشاب وهدد باغلاقه. يقول الكرادي :"قلت له بهدوء ان اغلاق هذا النادي لايعني انك ستحمي ابنك، فهو قد يجد اي منفذ للتسلية سواء في داخل العراق او خارجه، هنا هو امام عينيك وقريباً منك" ويكمل :"لم يغادر الضابط الا بعد ان وعدته بمراقبة تحركات ابنه وانا ارسل له رسالة نصية يومياً حول حضور ابنه الى النادي والاشخاص الذين جلس معهم وساعة مغادرته".
احياناً تحدث مشكلات كبيرة ، يقول الكرادي: "بوجود بنات الليل والراقصات والمطربين والخمور، والشباب المندفعين لابد ان تحصل مشاحنات، ولدينا طقم حماية يعالجها، لكن في بعض الاحيان تحدث المشاحنات بين متنفذين او ضباط تتطور الى معارك نحرص ان تتم خارج النادي".
مع بدء الحفل الساهر يبدأ المطرب الشاب بوصلته التي تمتد في العادة لساعة واحدة، لكنه لايغني عملياً الا لدقائق معدودة، فالوقت يهدر في تجول المطرب بين الطاولات وبث تحيات من اصحاب الطاولة الى غيرهم او الى انفسهم وعشائرهم مصحوبة بنثر المئات من الاوراق المالية، كنوع من استعراض المال والنفوذ والسطوة".
يقول مطرب شاب رفض ذكر اسمه لـ"المونيتور" في آب الحالي:"نحن مجبرون على هذا، ففي سوق ليل بغداد سعر المطرب يتحدد بمقدار ماينثر من نقود خلال وصلته لا من خلال غناءه". ويمضي المطرب الذي ارتدى ملابس بيضاء لامعة ودهن شعره بعناية :"المشكلة عندما تبدأ تلك التحيات تبث رسائل سياسية او عنصرية او طائفية، نكون في موقف محرج جداً، واحياناً نتعرض الى اعتداء سواء بسبب ترديدنا هذه الاشارات او امتناعنا عنها".
مع هذا فأن مايحدث في ليل بغداد حسب المطرب الذي عمل سابقاً في نوادي سوريا والاردن ولبنان والامارات لايختلف عما هو عليه في اي مكان في العالم، سوى انه ليل سري مغلق ومحبوس في حظر التجوال، واكثر هو ليل قلق ينتظر في اية لحظة هجوماً من مليشيات او اجهزة امن، او تشابكاً بالايدي بين زبائن ملوا المبارزة بهدر المال.