ألقى الصراع في سوريا بظلاله على علاقة الحليفَين السابقَين حركة حماس الفلسطينيّة السنيّة وحزب الله اللبناني الشيعي، لتنتقل من العلاقة "الحميميّة" إلى التوتّر و"الخصام النسبي" لا سيّما بعد أن اتّخذت حماس موقفاً مناهضاً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانخراط حزب الله في دعم النظام ميدانياً وعسكرياً.
وكشفت مصادر فلسطينيّة مطّلعة رفضت الكشف عن هويّتها، أن عناصر من حزب الله طلبوا من عناصر حركة حماس المقيمين في الضاحية الجنوبية من بيروت مغادرتها عقب انتهاء معركة مدينة القصير في سوريا، لاعتقادهم بأن عناصر لسطينيّين منها شاركوا في القتال ضدّ قوّات الحزب والنظام.
وقالت المصادر لـ"المونيتور" أن "قيادات حماس في لبنان تداعت إلى التواصل مع قيادات حزب الله بعد التوتّر، وعُقد اجتماع عاجل بين الطرفَين نفت فيه حماس بشدّة مشاركة عناصر فلسطينيّين ينتمون إليها في القتال داخل سوريا".
أضافت "تمّ الاتفاق بين الطرفَين عقب الاتصالات التي جرت على مستوى عال والتي تدخّل فيها سياسيون لبنانيون، على التراجع عن الطلب بمغادرة حماس للضاحية الجنوبيّة معقل حزب الله والتي تقيم فيها معظم قيادات حركة حماس والتي تضمّ المكتب الرئيسي للحركة".
ونشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانيّة المقرّبة من حزب الله خبراً قصيراً (11 حزيران/يونيو الجاري) تحت عنوان "ممنوع انتقاد حماس"، هذا نصّه: "أصدر حزب الله تعميماً داخلياً يمنع المسؤولين فيه من التعليق أو الحديث أو توجيه أي انتقاد إلى حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس)".
وكانت صحيفة "السياسة" الكويتيّة قد نشرت من جهتها خبراً نقلاً عن مصادر لم تسمّها، مفاده أن الأمن العام اللبناني أوقف إصدار تأشيرت لعناصر حركة حماس بناء على طلب من حزب الله، الأمر الذي نفته الحركة. لكن الأمن العام اللبناني أصدر بياناً أكّد فيه تجميد إصدار تأشيرات الدخول.
وقد برّر الأمن العام في بيانه تجميد طلبات منح تأشيرات دخول إلى لبنان، وتحديداً لحركة حماس، بسبب ما قال إنه "عمليّة تزوير قامت بها بعض العناصر الفلسطينيّة مستعملة تأشيرات تحمل أرقاماً وتواريخ ممنوحة لكوادر من حركة حماس، محاولة الدخول من خلالها إلى لبنان، ما أدّى إلى كشف هذه المحاولة من قبل أجهزة الأمن العام في مطار رفيق الحريري الدولي".
وأوضح البيان أن "الأجهزة المعنيّة في المديريّة العامة للأمن العام باشرت تحقيقاتها في هذه القضيّة، وسيُتّخذ القرار المناسب في ضوء نتائج التحقيقات وبعد إحالة الملف إلى القضاء المختصّ".
وساد التوتر العلاقة ما بين حماس وحزب الله، لاتخاذ الطرفَين موقفَين متضادَين تجاه الأزمة السوريّة بعد أن كانت كلّ من إيران وسوريا وحزب الله وحماس تشكّل حلفاً مشتركاً لسنوات طويلة. فقيادات حماس خرجت من دمشق وتحالفت مع قطر الداعم الرئيسي للمعارضة السوريّة وتبنّت موقف جماعة الإخوان المسلمين المناهض للنظام السوري.
وعقب اندلاع الثورات العربيّة في منطقة الشرق الأوسط وصعود الإسلاميّين وتسلّمهم سدّة الحكم، تمّت إعادة تشكيل الخارطة السياسيّة والتحالفات في المنطقة، ما أوجد مخرجاً لحركة حماس لمغادرة سوريا بشكل أسهل وانتقال قياداتها إلى قطر ومصر، بالإضافة إلى الابتعاد عن الحضن الإيراني المالي والعسكري.
وأوضح المسؤول السياسي لحركة حماس في بيروت رأقت المرّة المقيم في منطقة الضاحية الجنوبيّة، أن ارتفاع "منسوب الطائفيّة وزيادة التحريض الطائفي بين السنّة والشيعة أثّرا على العلاقة بين حماس وحزب الله".
وقال في حديث هاتفي إلى "المونيتور" أن "العلاقة بين حماس وحزب الله ليست بحسب ما تصوّرها وسائل الإعلام. نعم هناك توتّر، لكن ذلك يأتي نتيجة الأجواء الإقليميّة المتأزّمة والمتوتّرة ونتيجة وجود ظروف جديدة أربكت معظم القوى السياسيّة".
ونفى مرّة نفياً قاطعاً مشاركة الفلسطينيّين في القتال الدائر في سوريا، مشيراً إلى أن جميع قيادات الفصائل الفلسطينيّة باستثناء الجبهة الشعبيّة–القيادة العامة، خرجت من سوريا حتى لا تضع الفلسطينيّين في دائرة الصراع الدائر هناك.
ووصف الشيخ يوسف القرضاوي الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي لها حماس، حزب الله اللبناني بأنه "حزب الشيطان" قائلاً في خطبة الجمعة في الدوحة (2 حزيران/يونيو) إنه ما من مكان فيه "للخير والدين والله" لأنه "يقاتل في سبيل الطاغوت" في سوريا.
وكان الناطق الرسمي باسم حركة حماس في غزّة صلاح البردويل قد قال في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط: "لقد عهدنا حزب الله عندما حارب إسرائيل، إلا أنه ارتكب خطأ جسيماً بالتدخّل في الأزمة السوريّة، ما خفّض تأييده وانهار كاملاً".
أضاف "تدخل حزب الله يعدّ خطأ بالغاً، وكان أحرى به عدم التدخّل في هذه المعمعة التي أفقدته نصيبه من التأييد الشعبي والتي تسبّبت في الشكّ باعتباره حزب مقاومة".
وكانت شرطة حماس في خان يونس قد فرّقت تظاهرة تضامن مع النظام السوري بالقوّة عقب الغارات الإسرائيليّة على سوريا. وكانت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين قد نظّمت تلك التظاهرة التي رُفعت خلالها صور السيّد حسن نصر الله ولافتات كتبت عليها عبارات نقد لتصريحات الشيخ القرضاوي تجاه سوريا.
من جهتها، ذكرت صحيفة "القدس العربي" الصادرة في لندن (4 حزيران/يونيو) أن "كتائب القسّام الجناح العسكري للحركة، حسمت موقفها باتجاه الانحياز لصالح استمرار التحالف مع حزب الله اللبناني وإيران، كطريق لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي بقوّة السلاح بعد أن فشل المال العربي بتحرير أي شبر من الأراضي العربيّة المحتلة".
ودأبت قيادات حركة حماس بمستوياتها المختلفة ومتحدّثيها الإعلاميّين في الداخل والخارج على نفي كلّ الاخبار والتقارير التي تدّعي مشاركة عناصر حماس في القتال في سوريا ضدّ النظام أو حزب الله، وكذلك نفي وجود أي خلاف بين الداخل والخارج أو المستوى السياسي والعسكري داخل الحركة بشأن الموقف من سوريا وإيران.
وقد شدّد رئيس حكومة حماس اسماعيل هنيّة ونائب رئيس المكتب السياسي، في خطبة الجمعة التي ألقاها من مدينة رفح جنوب قطاع غزّة (14 حزيران/يونيو) قبيل مغادرته القطاع متّجهاً إلى القاهرة لحضور اجتماعات المكتب السياسي، على أنه "لا وجود لخلافات داخل حركة حماس مثلما تروّج المنابر الصفراء والأفواه المتربّصة التي لا تتوقّف عن تشوية صورة حماس والمقاومة".