كان مفاجئاً الرد السوري الفوري والحاسم على اختراق آلية إسرائيلية لخط وقف إطلاق النار في المنطقة المحررة من الجولان السوري يوم الثلاثاء 21 مايو، والذي اعتبر أول رد سوري مباشر منذ ثمانينات القرن الماضي. فقد أعلن بيان للجيش السوري أن قواته دمرت "في الساعة الواحدة وعشر دقائق من صباح الثلاثاء "عربة إسرائيلية بمن فيها، دخلت من الأراضي المحتلة(هضبة الجولان)، وتجاوزت خط وقف إطلاق النار باتجاه قرية بئر عجم التي تقع في المنطقة المحررة من الأراضي السورية. وأضاف البيان أن "العدو الإسرائيلي رد بإطلاق صاروخين حراريين من موقع تل الفرس المحتل، باتجاه أحد مواقعنا في قرية الزبيدية دون وقوع إصابات".
وكان الجيش الاسرائيلي قد أفاد في بيان في وقت سابق أن جنوده أطلقوا النار ليل الاثنين - الثلاثاء على موقع في الأراضي السورية، بعد تعرض آليتهم لإطلاق نار من الجانب السوري، مشيراً إلى إصابة الآلية بأضرار لكن من دون وقوع إصابات.
إذاً، الرد جاء فوراً ومن دون انتظار تعليمات من القيادة السياسية السورية، بل يبدو أنه جاء تنفيذاً لأوامر سابقة أعطيت بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على دمشق في الخامس من أيار الجاري.
ماذا يعني الرد السوري الفوري؟ هل هو رسالة إلى إسرائيل بأن سورية لن تسكت على أي اعتداء إسرائيلي جديد؟ وهل تشير جدية تهديدات دمشق بالرد على أي عدوان إلى نمط جديد في سياستها تجاه إسرائيل، متخلية عن مقولة "الرد في المكان والزمان المناسبين"؟
نائب رئيس الوزراء ووزير التجارة الداخلية والخارجية السوري قدري جميل قال للمونيتور: "إن تدمير العربة الاسرائيلية التي تجاوزت الأراضي السورية هو حق مشروع لسوريا بحسب كل المواثيق الدولية لأنه دفاع عن السيادة الوطنية".
وأضاف جميل، الذي أكد أنه يتحدث بصفته الحزبية، كعضو رئاسة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير المعارضة، وليس بصفته الحكومية، أن سوريا "قد حذرت بعد الغارة الإسرائيلية الأخيرة أن أي تجاوز للحدود والخطوط التي تم الاتفاق عليها دولياً سيكون هناك رد".
الجيش السوري أكد في بيانه أن "أي اختراق أو محاولة اختراق على سيادة البلاد، سيتم الرد عليه فوراً وبحزم، ويخطئ من يظن أنه قادر على اختبار قوتنا وجاهزيتنا واستعدادنا لصون كرامتنا وعزة وطننا".
بدوره، النائب السوري فيصل عزوز فقد أكد في حديث "للمونيتور” أن "سوريا لن تسكت بعد اليوم على أي عدوان اسرائيلي، وأنها بالرغم من معاناتها الداخلية كانت منتبهة تماماً للخطر الذي يمكن أن يأتيها من إسرائيل، فالجيش السوري لديه القوة والقدرة على صد أي عدوان اسرائيلي جديد". وأشار إلى أنه "تم إعطاء تعليمات لجميع القوات السورية بالرد على أي انتهاك حتى بدون انتظار قرار القيادة، وذلك بأن تمارس كل الوحدات العسكرية الرد المباشر حين يتم الاعتداء عليها".
أما بشأن التهديدات الإسرائيلية بالرد فقد اعتبر الوزير قدري جميل أنها "ليست جدية، وخاصة في الظروف الحالية لأن الوضع سوف يتعقد أكثر مما هو عليه وسوف ينقلب السحر على الساحر، حيث الوضع الدولي لن يسمح بمواجهة جديدة، كما أن الجيش السوري بقدراته الدفاعية قادر على صد أي اعتداء على الأراضي السورية".
بيان الجيش السوري أشار إلى وجود "مجموعات إرهابية" في قرية بئر عجم التي حاولت الآلية الإسرائيلية دخولها، في إشارة إلى المعارضة المسلحة. واعتبر أن الانتهاك الإسرائيلي يؤكد مرة أخرى تورط إسرائيل في "ما يجري من أحداث في سوريا، والتنسيق المباشر مع هذه العصابات الإرهابية المسلحة، ويهدف إلى رفع روحها المعنوية المنهارة" بعد الضربات القاصمة التي تلقتها في أكثر من مكان وبخاصة في منطقة القصير.
أما عن تفسيره لسبب هذا الاختراق الإسرائيلي، فقال جميل إنه يعتقد "أن الإسرائيلين لم يعجبهم اقتراب الحل السياسي فأرادوا أن يخربوا ذلك أو أن يعلنوا أنفسهم أنهم مفاوض من تحت الطاولة وهذا الأمر لا يحق لهم لأن معظم المشاكل في سوريا هم سببها". وأضاف: "إن تقدم الجيش السوري في القصير والحكومة في الحل السياسي أدى إلى أزعاج كل من أميركا واسرائيل، فكان الرد السوري الذي حمل رسالة فحواها أنه كفى عبثاً بالأمن الوطني وبالسيادة السورية".
أما النائب عزوز فقد رأى أن دخول الآلية الاسرائيلية إلى الأراضي السورية "جاء لإعطاء رسالة أن إسرائيل جاهزة لمساعدة المجموعات المسلحة وخاصة بعد الخسائر التي تكبدها الإرهابيون في القصير". وأضاف: "إسرائيل ليست فقط مهتمة بالوضع السوري الداخلي بل هي تمارس العدوان على الأراضي السورية بشكل فاضح وواضح، أي أنها انخرطت مباشرة في دعم أدواتها في سوريا".
ولفت إلى "أن المسلحين كانوا بحاجة لشحنة معنويات من إسرائيل تقول لهم فيها إنها ستساعدهم وجاءت تلك الشحنة متمثلة بهذه العربة ولكن الجيش السوري قام بالتصدي لها وتدميرها بالكامل".
ما هي رؤية المعارضة الداخلية على الرد السوري على الانتهاك الإسرائيلي؟
عضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية المعارضة، أكرم الأكرمي، قال للمونيتور، إن الرد السوري على "كنا ننتظره منذ زمن بعيد ولم يكن يجب تأجيله إلى هذا الوقت بل كان يجب أن يكون في الوقت نفسه للغارات" على دمشق التي شنتها المقاتلات الإسرائيلية في الخامس من أيار الجاري.
الأكرمي اعتبر أن "الرد السوري المتمثل بتدمير عربة اسرائيلية هو رد بسيط لا يساوي الغارات التي قامت بها اسرائيل، إذ يجب أن يكون الرد أعنف وأقوى مثل أن يتم فتح جبهة الجولان".
وأكد الأكرمي أنه لن تكون "هناك حرب سورية - إسرائيلية قادمة لأن اسرائيل لا تريد أن توجه الأسلحة عليها، حيث أنها اليوم سعيدة جداً فيما يحصل من صراع داخلي في سوريا الذي يدمر المقدرات السورية إن كانت عسكرية أم مادية، فلماذا تدخل اسرائيل في حرب وهي ترى سوريا تتدمر من دون عناء!".
لكن هل لا يزال الجيش السوري يتمتع بجهوزية دائمة للرد على أي تدخل إسرائيلي أو الدخول في حرب مع إسرائيل؟
العميد اللبناني المتقاعد هشام جابر أوضح في حديث خاص الى "المونيتور" أن الجيش السوري على جهوزية دائمة لرد أي عدوان إسرائيلي، وأن الجيش لا يزال يتمتع بأكثر من 90% من قدراته القتالية. وأشار جابر الى ان الجيش السوري - قبل وبعد الأحداث - يتمتع بقدرات قتالية ولديه فرق ومغاوير وسلاحه الجوي وصواريخه لم تستهلك بعد، وتم التعويض عنها". وأضاف أنه "باعتراف العسكريين الأميركيين فإنّ الدفاع الجوي السوري يتمتع بقدرات عالية. والقيادة السورية قادرة على الرد وردع اسرائيل التي استفادت من الانشغال السوري بالأزمة الداخلية وقامت بضرباتها لدمشق".
ولدى سؤاله عن تفسيره للانتهاك الإسرائيلي الأخير قال جابر: "ما تقوم به اسرائيل حالياً هو التحرش بسوريا لانّه لا يناسبها ما حصل من تقدّم ملحوظ للجيش ضد المعارضة المسلحة وتحاول من خلال أجهزتها الاستخباراتية الموجودة في سورية التشويش على الجيش السوري".
ورداً على سؤال عن جهوزية سوريا لفتح جبهة اخرى مع إسرائيل، أجاب جابر: "اذا فتحت سوريا جبهة على إسرائيل فستتغير قواعد اللعبة، ولن تكون للمعارضة السورية المسلحة حجج لضرب الجيش السوري في ظهره، ولكن سوريا لن تبدأ حرباً وإنمّا بالطبع سترد على أي اعتداء، وبالتالي هي لا تريد الدخول في حرب، ولكن من الطبيعي أن ترد على ما جرى".
وتعليقاً على التهديدات الاسرائيلية والتحذيرات التي وجهتها الحكومة الإسرائيلية الى سوريا، قال العميد اللبناني: "إسرائيل تهدد بالرد ولكنها هي التي اخترقت الهدنة والرد السوري جاء طبيعياً، أمّا إسرائيل فلا تريد أيضاً فتح جبهة ولا مصلحة لديها، لأنّ ذلك سيتحول إلى حرب إقليمية، فحزب الله سيرد وكذلك ستتدخل إيران. أقصى ما يمكن ان تقوم به إسرائيل اذا اقتربت المعارك من الجولان، أن تقوم بالتقدّم إلى المنطقة العازلة في الجولان واحتلالها". وأضاف: "أستبعد أي حرب كونية وذلك لأنّ الولايات المتحدة الأميركية ليست جاهزة ولا تريد الحرب، وتورط إيران يعني أيضاً تورط اميركا ومعها ستقع كل الدول الخليجية".
ورداً على سؤال عن موقف "الجيش السوري الحر" في حال حصلت حرب على اسرائيل، أجاب: "من الممكن أن يبقى الجيش السوري الحر على مواقفه ومن المتوقع أن يجمد حركاته ونشاطاته ولكن من غير الممكن أن يقاتل الى جانب اسرائيل فذلك سيخسره الكثير شعبياً وسيخسر أمام الرأي العام".
وعن إمكانية لجوء سورية إلى فتح جبهة الحرب مع إسرائيل، قال جابر: "قيل انّ الرئيس السوري بشار الأسد اذا شعر بالفشل في معركته في مواجهة المعارضة المسلحة، فإنّه سيسعى الى فتح جبهة مع إسرائيل، ولكن لغاية اليوم الرئيس السوري مرتاح الى وضعه ولن يقوم بأي حرب وانمّا بردات فعل على اي اعتداء اسرائيلي".
هيثم مزاحم هو محلّل سياسي وباحث لبناني متخصص في الشؤون الشرق الأوسطية والإسلامية. وهو مساهم منتظم في صحيفة الحياة، والبلد والنهار وفي مجلات سياسية وفكرية أكاديمية عربية. وقد كتب سابقاً لصحيفتي "المستقبل" و"الدايلي ستار" اللبنانيتين، والبيان الإماراتية. نشر مزاحم كتابه "حزب العمل الإسرائيلي، 1968-1999" باللغة العربية في عام 2001. وساهم في كتابين عن إيران صدرا عن مركز المسبار للدراسات عام 2011، وكذلك في كتاب "ثورات قلقة" 2012، فضلاً عن غيرها من الدراسات والمقالات ومراجعات الكتب.