في الخامس عشر من أبريل 2013 اجتمع مارتن كوبلر، رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق، بـ"علي السيستاني"، المرجع الشيعي الأعلى، بمدينة النجف، ووصف المراقبون الاجتماع بانه الاهم منذ اندلاع احتجاجات السنة في الرمادي ومحافظات أخرى.
كوبلر نقل عن رجل الدين، الأكثر تأثيراً في العراق، أن لديه "خارطة طريق" لحل الأزمة التي نشبت منذ 25 نوفمبر الماضي. وفصل المسؤول الدولي تلك الخارطة بأنها "تتضمن عودة قادة الكتل السياسية في العراق إلى طاولة الحوار، عبر مواقف معتدلة".
لكن الأزمة بعد نحو نصف شهر من ذلك الاجتماع تبدو عصية على الحل، وقد تلوح في الأفق خيارات مواجهات مسلحة بين الحكومة التي يتزعمها الشيعة بقيادة نوري المالكي، وزعماء سنة يحركون احتجاجات ضد بغداد. وهنا تظهر أصوات من السنة والشيعة والكرد تدعو السيستاني إلى التدخل الآن.
أخر ما قاله السيستاني عن الأزمة إنه "يشعر بقلق كبير، أكثر من أي وقت مضى بشأن مستقبل التجربة العراقية"، كما ينقل عنه كوبلر.
ويحظى السيستاني بقبول واسع لدى المكونات العرقية والدينية في العراق، وينظرون إليه على أنه رجل سلام، وراعٍ أساسي للحوار بين الفرقاء في البلاد. لكن حضوره هذا ليس على الطريقة المعمول فيها في مدينة قم، حيث الحوزة الدينية تتحكم بالقرار السياسي وهوية الدولة.
وصار واضحاً ان السيستاني منذ عقود ينجح في فرض أسلوبه من النجف، والذي يفصل به بين الدولة التي يحافظ على مسافة واحدة من جميع أقطابها، وبين شؤون الجمهور الدينية. وفكرته تبدو أقرب إلى الفاتيكان، وأبعد بكثير عن حوزة قم وولاية الفقيه هناك.
لكن دعوات السيستاني بشأن أزمة الصراع بين السنة والشيعة لا تجد صداها. فالشيخ عبد المهدي الكربلائي، وهو ممثل السيستاني في مدينة كربلاء، يقول إن "قلق المرجعية يمثل جرس إنذار لجميع القوى السياسية في العراق والجهات الإقليمية والدولية".
الكربلائي كان متشائماً كثيراً حين تحدث عن أن "السيستاني لا يرى في الأفق أي مبادرات ملموسة لحل الأزمات بل هناك تعقيد أكثر".
ويقول عبد الحسين عبطان، القيادي الشيعي في المجلس الأعلى، إن "الأزمة السياسية لن تحل قبل أن نلتزم بالتهدئة، والأهم منذ ذلك تنفيذ توصيات المرجع الديني علي السيستاني". وتابع عبطان في حديثه، عبر الهاتف، مع الـ"مونيتر" أن "توصيات السيستاني تتضمن الاهتمام بمشاكل المواطنين واللجوء إلى التهدئة".
بينما يذهب مراقبون عراقيون بعيداً في مطالبة السيستاني بالتدخل، وتبدو مطالبتهم تتضمن إشارات صريحة عن توجيهه المباشر أطراف النزاع بالكف عن دفع البلاد إلى حافة حرب أهلية.
يقول ياسين البكري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، لـ"المونيتر" إن "أداء القوى السياسية المشاركة في النزاع استنفدت أوراق الحوار والتفاهم، حتى لم تعد تفكر بصفقات تسوية لإعادة الأمور إلى طبيعتها. كل الأوراق المستعملة الآن تحضر لاحتمالات سيئة عن المستقبل في البلاد".
وعلى وفق على هذه الصورة القاتمة التي يرسمها البكري فأن الرأي العام المحلي يجد أن الحل الوحيد هو في دخول السيستاني على الخط. ويتابع البكري "لا حل حتى الآن. كل شيء يصل إلى نهايات مسدودة، وما بقي هو أن يقوم المرجع الشيعي الأعلى بالتدخل لكبح ميول القوى السياسية إلى نزاع مسلح بين الطوائف".
وما يرفع أصوات المطالبة بتدخل الحوزة الدينية في النجف، فشل مبادرة للحوار أطلقها الوقف السني والشيعي في العراق، وهما مؤسستان حكوميتان تعنيان بالشؤون الدينية للطائفتين في العراق.
وكان فشل المبادرة يعود إلى فقدان ثقة الجمهور السني والشيعي بالمسؤولين في هاتين المؤسستين، وغالباً ما يتهمان بالتبعية لرئيس الحكومة نوري المالكي، كما يتحدث مراقبون ومعلقون صحافيون في العراق.
غير أن السيستاني لا يتدخل كما في الطريقة الإيرانية، إنه يؤسس لفكرة "علمانية" تفصل الدولة عن المؤسسات الدينية، لكنه يسجل حضوره كلما وصلت العملية السياسية إلى منعطفات خطيرة. وهو يستعمل طرقه الخاصة في ذلك، كان آخرها امتناعه قبل ثلاث سنوات مقابلة القادة السياسيين احتجاجاً على تقصيرهم في "وظائفهم المدنية" و"إهمالهم حاجات الجمهور".
ومنذ اندلاع احتجاجات السنة دفع السيستاني المالكي إلى تقديم تنازلات، إذ قام بحثه، في يناير 2013، على تقديم التنازلات" و"رفع الظلم الذي يشعر به السنة في العراق"، وفي وقت طالب المالكي حل البرلمان الذي يترأسه أسامة النجيفي، القيادي السني في "الكتلة العراقية"، كانت قنوات المرجعية أبلغت مبعوثين من الحكومة أن "المرجع الأعلى يرفض حل البرلمان، ويوصي بالحوار والتهدئة".
لكن الأزمة الراهنة تعبر عن مخاطر كبيرة تهدد مستقبل التجربة الديمقراطية في البلاد ما لم تتم إعادة أطراف الصراع إلى سكة الحوار. ويقول أحد طلبة الحوزة في النجف إن "الأجواء القريبة من مركز المرجعية الدينية مشغولة بقلق كبير من الأوضاع وثمة امتعاض شديد من أداء السياسيين العراقيين"، لكن لا أحد يعرف، على وجه التحديد، ما سيفعله السيستاني في الأيام القادمة".