ينتظر 1400 محكوم بالاعدام في العراق تنفيذ احكامهم خلال الفترة المقبلة، حسب تصريحات ادلى بها وزير العدل العراقي حسن الشمري.
الرقم هائل، لكن الحكومة العراقية تبرره، بسبب "حجم اعمال العنف في العراق"، فيما ينتقده المعارضون بسبب "المطاطية التي حملتها صياغات قانون الارهاب العراقي، والالتباسات والانتقادات والشكوك التي تغلف عمل الاجهزة القضائية العراقية".
اعلان الوزير العراقي عن عدد الذين ينتظرون حبل المشنقة بسبب تورط غالبيتهم باعمال عنف، جاء بمناسبتين : الاولى : صدور تقرير منظمة العفو الدولية الذي عد العراق البلد الثالث في العالم في تنفيذ احكام الاعدام، والثانية: تصاعد المطالبات خصوصاً من الاوساط "السنية" السياسية والشعبية لايقاف تنفيذ تلك الاحكام.
واللافت ان من بين هذا الرقم الكبير من المحكومين 50 فقط اكتسبت احكامهم الدرجة النهائية في الحكم وهم جاهزون للاعدام، فيما الاخرون ينتظرون كما يبدو اكتمال مصادقة رئاسة الجمهورية على احكامهم حسب ضوابط القانون، وربما لن يطول هذا الامر شهوراً.
والمفارقة ان "العفو الدولية" كانت وجهت في تقريرها الاخير انتقادات شديدة الى العراق لتنفيذه 120 حكماً بالاعدام خلال العام 2012، فيما ان العام 2013 قد يشهد قفزة كبيرة في تلك الاحكام كما وعد وزير العدل العراقي، الذي بدا في تصريحاته الاخيرة وكأنه مهتم بدرجة اساسية بتنفيذ احكام الاعدام ومصراً عليها، ما فسر باعتباره ترويجاً انتخابياً لصالح حزبه "الفضيلة" المتحالف مع حزب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي "الدعوة" ، وبدا واضحاً ان الحزبين يحاولان استثمار الانتقادات ضد احكام العراق في العراق لاثبات جدية الحكومة في تطبيق القانون.
ومع اعتراضات وجهتها معظم الاحزاب والكتل السياسية السنية، ترافقت مع تظاهرات سنية تتهم الحكومة بـ "التمييز" و"الانتقائية" و "فبركة الاتهامات" و"الاستهداف المذهبي" ، فأن الحديث عن مثل هذا العدد من المتورطين باعمال يحاكمها القانون العراقي بالاعدام يطرح تساؤلات جادة، عن حجم المتورطين الحقيقيين باعمال العنف، واذا كانت تلك الاحكام فعالة لتقويض العمل الارهابي في العراق الذي يتصاعد بشكل لافت ويثبت مراراً ان المتورطين الحقيقيين مازالوا خارج السجون.
قانون الارهاب العراقي، الذي انتقد بشكل جوهري من قبل اطراف عراقية متعددة، يضع في خانة المحكومين بالاعدام كل من تشملهم الفقرة الرابعة من هذا القانون، وهؤلاء ليسوا فقط المنفذين الفعليين، بل المخططين والمساعدين، والمروجين، وينص على ان "يعاقب المحرض والمخطط والممول وكل من مكن الارهابيين من القيام بالجرائم الواردة في هذا القانون بعقوبة الفاعل الاصلي (الاعدام) كما يعاقب
بالسجن المؤبّد من اخفى عن عمد اي عمل ارهابي او اوى شخص ارهابي بهدف التستر" .
وعلى رغم ان تلك اللائحة تبدو منطقية لجسامة الاعمال الارهابية في العراق، فأنها منحت مساحة واسعة للتأويل والاستخدام السياسي والشخصي احياناً للقانون.
وتشير الامثلة التي كشفتها اللجنة المعنية بتدقيق ملفات المعتقلين ويترأسها نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني كاستجابة لمطالب المتظاهرين في المدن السنية، الى كبوات كبيرة ومثيرة للشكوك غلفت تطبيق هذا القانون، فهو يسمح على سبيل المثال باعتقال افراد عائلة بجريرة التستر على احد ابنائها مع انها قد لاتعلم بالضرورة بتورط هذا الابن، كما انه يحاكم بالاعدام تاجراً اضطر تحت التهديد الى منح المال للارهابيين الذين فرضوا سيطرتهم على مدن كاملة سابقاً ومازالوا يفرضون مثل تلك السيطرة عبر التهديد والابتزاز في مدن مثل الموصل وصلاح الدين(شما بغداد).
وبصرف النظر عن دلالات القانون والمطالبات الملحة باجراء تعديلات عليه تسمح بتحوله الى قانون شفاف ومتعدد العقوبات ومستوف لشروط العدالة في بلد مضطرب وشديد التعقيد كالعراق، فأن حديث بغداد عن نيتها اعدام 1400 شخص لايمكن ان يكون خطوة ايجابية لحل ازمات هذا البلد المتفاقمة.
ومع ان لا دلالات علمية دولياً تشير الى قدرة حكم الاعدام الى احداث الردع المطلوب منه، حيث لا تتراجع الجريمة في البلدان التي تطبقه ولا تتصاعد في تلك التي ترفض تطبيقه، فأن تطبيق الحكم فعلياً يحتاج الى رؤية اكثر واقعية للالتباسات في المواقف التي حدثت في العراق بعد العام 2003 وتداخل الارهاب بالمليشيات المسلحة بشعارات مقاومة الاحتلال او الدفاع عن الجماعة المذهبية.. الخ.
الاقتصاص من الجناة يجب ان لايكون مثار خلاف اجتماعي في اي بلد، وحين يكون كذلك كما هو الحال في الوضع العراقي، حيث تتعرض المنظومة القضائية الى شكوك واتهامات، وصلت الى انتقاد تقرير الامم المتحدة عن الوضع في العراق بين ( كانون الثاني (يناير) و30 حزيران (يونيو) 2012) لـ "اعتماد القضاء على الاعترافات أساساً للإدانة وتنفيذ عقوبة الإعدام"، فأن تلك الاعلانات العراقية بحاجة الى مراجعة شاملة.
قد يعلق 1400 شخص على حبل المشنقة في العراق خلال الشهور المقبلة، لكن اداء ذلك الحبل لن يكون منزهاً على المدى البعيد، مثلما انه لن يسهم بالضرورة بتحسين الوضع الامني المرتبك منذ سنوات.