رام الله، الضفّة الغربيّة — قرّر مجلس الوزراء الفلسطينّي، خلال جلسته المنعقدة في 9 أيلول/سبتمبر، تكليف الوزارات في الحكومة بتحديث بيانات موظّفيها في غزّة من أجل معالجة كلّ القضايا المتعلّقة برواتبهم، الأمر الذي يطرح تساؤلات إن كان هدف الحكومة من القرار، إعادة هيكليّة الملف أم تحجيمه وتقليصه بشكل كبير؟ ويأتي القرار تنفيذاً لتعهّد رئيس الوزراء الدكتور محمّد اشتيّة، بـ4 أيلول/سبتمبر، في رسالة مصوّرة وجّهها إلى موظّفي غزّة نشرها على موقع التواصل الاجتماعيّ "فيسبوك" بإجراء مراجعة لكلّ أوضاع الموظّفين في القطاع ووضع حلول قابلة للتنفيذ، قائلاً: "إنّ الحكومة ورثت مشاكل ماليّة في غزّة، وهذه المشاكل ليست جديدة".
أضاف: "هذه الحكومة والحكومات السابقة لم تكن تسيطر على القطاع، ولم تكن تديره".
وتابع: "لا يعقل أن ندير القطاع عن بعد، فلا توجد معلومات دقيقة وتفصيليّة عن الموظّفين في القطاع، ولا توجد معلومة عمّن لديه إجازة مرضيّة ومن ليست لديه، ومن مسافر إلى الخارج أو غير مسافر، ومن يستحقّ علاوة ومن لا يستحقّ، ومن بدّل عمله ومنطقته، وغيرها من الأمور".
وجاءت قرارات الحكومة، بعد أن تلقّت سيلاً من الانتقادات والاتّهامات، عقب صرفها رواتب الموظّفين في 1 أيلول/سبتمبر، حيث اتّهمها الموظّفون ومسؤولون من الفصائل، من بينها "فتح" في غزّة، بالتمييز بين موظّفي الضفّة وغزّة، وعدم توحيد نسبة صرف الرواتب خلافاً لتعهّد اشتيّة بذلك.
واتّهم مفوّض التعبئة والتنظيم في حركة "فتح" بغزّة وعضو اللجنة المركزيّة أحمد حلس، حكومة اشتيّة بالتمييز، قائلاً في تصريحات صحافيّة نقلتها صحيفة "فلسطين" الصادرة في غزّة بـ2 أيلول/سبتمبر: "إنّ الحكومة أعلنت أنّه ستكون هناك مساواة في ملف الرواتب بين الضفّة وغزّة، لكنّها لم تفِ بوعدها". كما قدّم العديد من القادة المحليّين من "فتح" في غزّة استقالاتهم، احتجاجاً على ذلك.
وكان اشتيّة أعلن، في 22 آب/أغسطس، أنّ حكومته اتّخذت قراراً استراتيجيّاً بإيعاز من الرئيس بإنهاء التمييز في صرف الرواتب بين موظّفي غزّة والضفّة، الأمر الذي بعث التفاؤل لدى موظّفي غزّة بأن تنهي حكومة اشتيّة العقوبات التي فرضت على رواتبهم قبل عامين، حين اقتطعت الحكومة برئاسة رامي الحمد الله، في 4 نيسان/إبريل من عام 2017، ما يتراوح بين 30 و50 في المئة من قيمة الراتب، كجزء من الضغط الشعبيّ على "حماس" آنذاك لتفعيلها اللجنة الإداريّة لإدارة القطاع التي كانت تعمل كحكومة موازية، ومواصلتها جباية الإيرادات والاستيلاء عليها وعدم إعادتها إلى الخزينة، حيث استمرّت تلك الخصوم حتّى يومنا هذا، وتبعتها عمليّات تقاعد مبكر لآلاف الموظّفين.
وقال الأمين العام لمجلس الوزراء الفلسطينيّ أمجد غانم لـ"المونيتور": "إنّ الحكومة تسلّمت إرثاً ثقيلاً من الحكومات المتعاقبة، وتحديداً الحكومة السابقة، فهناك موظّفون متقاعدون، وموظّفون تمّت إحالتهم على التقاعد، وموظّفون أحيلوا على التقاعد ولا يعلمون بذلك. ولذلك، فالحكومة ليست لديها معلومات دقيقة عمّا يدور في وزارات غزّة، بسبب الانقسام".
أضاف: "الحكومة لا تعلم الموظّفين الذين على رأس عملهم، ومن لديهم إجازات أو علاوات مواصلات، فهناك غياب للمعلومات أدّى إلى التعامل مع الموظّفين، كما تعاملت الحكومة السابقة".
وأوضح أمجد غانم أنّ الحكومة اتّخذت قرارات بتكليف الوزارات تحديث بيانات الموظّفين في غزّة بهدف الوقوف على أدقّ المعلومات المتعلّقة بهم والنظر في أوضاعهم واتّخاذ القرارات المناسبة بشأنهم"، مؤكّداً أنّ الخلل حدث من جرّاء توقّعات الموظّفين التي بنيت على فهمهم لأوضاعهم الوظيفيّة، بينما الحكومة تقوم بدفع الرواتب بناء على ما لديها من معلومات.
وإلى جانب ملف الموظّفين العموميّين والعسكريّين، من الملفّات العالقة التي تحتاج إلى معالجة حكوميّة ملف موظّفي ما يعرف بـ"تفريغات 2005"، البالغ عددهم 8 آلاف موظّف في غزّة، ومعظمهم من عناصر كتائب شهداء الأقصى - الجناح العسكريّ لحركة "فتح"، الذين تمّ دمجهم في الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة مقابل وقف أنشطتهم في انتفاضة الأقصى الثانية وعدم ملاحقتهم من قبل إسرائيل، باتفاق قام به الرئيس محمود عبّاس آنذاك مع الجانب الإسرائيليّ، لكنّ الحكومات المتعاقبة لم تعترف بهم كموظّفين، وتُصرف لهم مكافأة شهريّة قيمتها 1500 شيكل (426 دولاراً).
في هذا الإطار، قال الناطق باسم موظّفي "تفريغات 2005" رامي أبو كرش لـ"المونيتور": إنّ الحكومات المتعاقبة تعاملت معنا بعنصريّة وتمييز، بعيداً عن القانون الأساسيّ، على عكس ما تتمّ معاملة نظرائنا في الضفّة البالغ عددهم 7 آلاف شخص، إذ يتمّ التعامل معهم كموظّفين رسميّين لهم علاوات وحقوق وترقيات.
أضاف: إنّ رئيس الحكومة الأسبق سلام فيّاض قام بشطبنا من المؤسّسة العسكريّة من دون سند قانونيّ في عام 2007، وبقيت مشكلتنا عالقة حتّى بداية عام 2010، حين تمّ وضعنا على بند منحة عسكريّة على مكتب الرئيس قيمتها 1000 شيكل (284 دولاراً)، تمّ رفعها في نيسان/إبريل من عام 2010 إلى 1500 شيكل (426 دولاراً). ومع بداية الأزمة الماليّة في السلطة، صُرف لنا 750 شيكلاً (213 دولاراً).
وتابع: "تحدّث اشتيّة عن توحيد نسب الصرف بين الضفّة وغزّة، وتفاجأنا عندما صرفت الرواتب في البنوك بأنّ موظّفي تفريغات 2005 لم يخصّص لهم سوى 750 شيكلاً، وحتّى الموظّفين المدنيّين والعسكريّين لم يتلقّوا سوى 60 في المئة من 70 في المئة من قيمة الراتب، بينما صرف لموظّفي الضفّة 60 في المئة من كامل الراتب.
وعن رؤية الحكومة إزاء موظّفي غزّة، أشار الخبير الاقتصاديّ سمير الدقران خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّه لم يتبق، إلاّ بضعة آلاف موظّف في غزّة، يتمّ التعامل معهم بتمييز، وقال: إنّ حكومة اشتيّة ذاهبة لتصفية هذا الملف، خصوصاً أنّه قدّم وعوداً عدّة ولم يتمكّن من تنفيذها لفقدانه الصلاحيّات لذلك، لأنّ الرئيس هو صاحب القرار.
وفي ظلّ توجّه الحكومة إلى تحديث بيانات موظّفي الوزارات في غزّة، فإنّ ما سيسفر عن تلك الخطوة من نتائج من المتوقّع أن يثير أزمة أكبر مع الحكومة، خصوصاً في ظلّ وجود شرائح مختلفة قد تجد نفسها من دون وظيفة وراتب، كالموظّفين الذين أحيلوا على التقاعد قسراً ويأملون في إنصافهم، أو الذين أحيلوا على التقاعد من دون علمهم.