مدينة غزّة - استأنفت مصر جهودها لتحريك ملف المصالحة بين حركتيّ "فتح" و"حماس" من خلال طرح رؤية جديدة لحلّ المعضلة الرئيسيّة في هذا الملف المتمثّلة بمطالبة حركة "فتح"، "حماس" تسليم حكم قطاع غزّة بما يشمل الوزارات والمعابر والأمن والقضاء والجباية الماليّة إلى الحكومة الفلسطينيّة، وهو ما ترفضه "حماس" التي تطالب بالشراكة في إدارة الشأن الفلسطينيّ على المستويات المدنيّة والأمنيّة والسياسيّة كافّة.
وزار وفد أمنيّ مصريّ يرأسه وكيل وزارة المخابرات أيمن بديع مدينة رام الله، في 11 تمّوز/يوليو من عام 2019، والتقى رئيس المخابرات الفلسطينيّ ماجد فرج، وهو عضو لجنة متابعة المصالحة التابعة لحركة "فتح"، قبل أن يزور قطاع غزّة في 12 تمّوز/يوليو من عام 2019 للقاء قيادة حركة "حماس"، ثمّ عاد الوفد إلى رام الله في 13 تمّوز/يوليو من عام 2019، للقاء الرئيس محمود عبّاس لاستعراض نتائج هذه المحادثات.
منذ 12 عاماً، بذلت مصر جهوداً كبيرة لإنهاء الانقسام الفلسطينيّ بين الحركتين، إلاّ أنّ هذه الجهود كافّة لم تصل حتّى اليوم إلى اتّفاق حقيقيّ، وكان آخر هذه الاتّفاقات في القاهرة بـ12 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017، ولكن سريعاً ما عادت الخلافات بين الحركتين بسبب عدم التزام الطرفين بتنفيذ بنود هذا الاتّفاق، وأهمّها عدم قيام "حماس" بتمكين حكومة الوحدة من تولّي مسؤوليّة القطاع وعدم التزام هذه الحكومة بدفع رواتب موظّفي الحكومة بغزّة، الذين عيّنتهم "حماس" بعد الانقسام في عام 2007.
وأعقب ذلك قيام محمود عبّاس بخطوات بعيدة عن التوافق الفلسطينيّ واتّفاق المصالحة، أهمّها حلّ المجلس التشريعيّ في 22 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018 وتشكيل حكومة جديدة من فصائل منظّمة التحرير التي لا تضم حركتي حماس والجهاد الإسلامي في 13 نيسان/إبريل من عام 2019 بديلة عن حكومة التوافق.
وبينما تسير المباحثات الحاليّة لتحقيق المصالحة وسط حالة من التعتيم الإعلاميّ، علم "المونيتور" من مصدر رفيع في المخابرات المصريّة، طلب عدم ذكر اسمه، أنّ الوفد المصريّ طرح على حركتيّ "حماس" و"فتح" رؤية جديدة لتجاوز هذه المعضلة، تتمثّل بقيام "حماس" بتسليم قطاع غزّة إلى الحكومة الفلسطينيّة القائمة، وهو ما يتمسّك به عبّاس، ثمّ التوجّه فوراً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة بالتوافق بين الفصائل الفلسطينيّة كافّة، تكون مهمّتها الذهاب إلى إجراء انتخابات فلسطينيّة عامّة.
وأوضح المصدر المصريّ أنّ هذه الرؤية قوبلت بموافقة حركة "فتح"، ثمّ نقلها الوفد المصريّ إلى "حماس" التي تعاطت بإيجابيّة معها، شريطة التزام أيّ حكومة ستتولّى حكم غزّة مسؤوليّة صرف رواتب موظّفيها في غزّة، والبالغ عددهم نحو 42 ألف موظّف، من دون إقصاء أيّ منهم.
وقال المصدر: إنّ "حماس" اشترطت أيضاً أن يتبع تشكيل حكومة الوحدة، عقد الإطار القياديّ المؤقّت لمنظّمة التحرير، بمشاركة الفصائل الفلسطينيّة كافّة، من أجل إصلاح المنظّمة، وهو مطلب "حماس" للاندماج في هذه المنظّمة.
والإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير هو لجنة تم تشكيلها عام 2005 في القاهرة في اجتماع حضره كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لوضع آليات ومحددات دخول حماس والجهاد الإسلامي إلى منظمة التحرير ومشاركتهما في مراكز اتخاذ القرار داخل المنظمة، وتضم هذه اللجنة في عضويتها أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة والأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بما فيها حركتا حماس والجهاد الاسلامي، وقد نصت كافة اتفاقات المصالحة وخاصة اتفاق القاهرة عام 2011 على ضرورة عقد الإطار القيادي المؤقت كأحد متطلبات إتمام المصالحة.
وأكّد المصدر أنّ الوفد المصريّ سيعود إلى الأراضي الفلسطينيّة مجدّداً خلال الأيّام وربّما الأسابيع المقبلة، من أجل البدء بوضع خطوات عمليّة لتنفيذ رؤيته الجديدة لتطبيق المصالحة، مشيراً إلى أنّ هذه الخطوات تشمل عودة موظّفي السلطة الفلسطينيّة إلى استلام معابر القطاع كافّة، وزيارة رئيس الحكومة الفلسطينيّة محمّد اشتيّة لغزّة لاستلام الوزارات، وقال: "إنّ تطبيق هذه الآليّات والخطوات سيكون في مدّة لا تتجاوز الـ3 أشهر، وسيكون التنفيذ بإشراف المخابرات المصريّة".
وقال المصدر المصريّ: "إذا تمّت هذه الخطوات من دون مشكلات، سنشهد قريباً لقاء فلسطينيّاً في القاهرة سيجمع الرئيس محمود عبّاس ورئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس إسماعيل هنيّة، بحضور قادة الفصائل الأخرى، من أجل مباركة هذا الاتّفاق".
وقال أمين سرّ المجلس الثوريّ لحركة "فتح" ماجد الفتياني لـ"المونيتور": "ثمّة تفاهم بين طرفيّ المصالحة ومصر لأن تبقى الجهود الحاليّة لإتمام المصالحة تسير بهدوء وبعيداً عن الإعلام، لكن ما أودّ قوله هو أنّ المقترحات المصريّة وردود الحركتين عليها تبشّر بالخير".
وأوضح أنّ الرؤية المصريّة الجديدة تهدف، بشكل أساسيّ، إلى العودة للجدول الزمنيّ لتطبيق اتّفاق المصالحة الفلسطينيّة عام 2017، والذي يبدأ بقيام حركة "حماس" بتسليم حكم قطاع غزّة، وأضاف أنّ عبّاس لا يمانع عقد الإطار القياديّ المؤقّت لمنظّمة التحرير، "ولكن هذا لا يمكن أن يحدث، في ظلّ استمرار الانقسام ووجود سلطتين في غزّة والضفّة الغربيّة، وهذا هو ركيزة المبادرة المصريّة الجديدة التي تركّز على توحيد السلطة في غزّة والضفّة كمدخل للمصالحة".
من جهته، قال المتحدّث الرسميّ باسم حركة "حماس" عبد اللطيف القانوع لـ"المونيتور": "إنّ المهمّ في المبادرة المصريّة هو استنادها على مبدأ المصالحة على قاعدة الشراكة، وترتيب البيت الداخليّ الفلسطينيّ من خلال عقد الإطار القياديّ المؤقّت لمنظّمة التحرير وتشكيل حكومة توافق جديدة والذهاب إلى انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة".
أضاف: "المصالحة الفلسطينيّة ستبقى تراوح مكانها إذا لم تقم على قاعدة الشراكة، والتي تعني نهاية احتكار الحكم من قبل طرف أو حزب ما، وهذا لا يكون إلاّ بعقد الإطار القياديّ المؤقّت للمنظّمة بمشاركة الفصائل كافّة".
أمّا الكاتب والمحلّل السياسيّ في صحيفة "فلسطين" التابعة لـ"حماس" إياد القرا فقال لـ"المونيتور": "إنّ الجهود المصريّة الجديدة تحمل مقاربات تجمع بين مطلب حركة فتح بضرورة تمكين الحكومة في القطاع، ومطلب حماس المتمثّل بضرورة عقد الإطار القياديّ المؤقّت لمنظّمة التحرير بمشاركة الفصائل كافّة".
وأوضح أنّ "حماس" تريد من خلال عقد الإطار القياديّ المؤقّت للمنظّمة، كسر احتكار حركة "فتح" للسلطة من خلال إشراك الفصائل كافّة فيها، والتمهيد لعقد انتخابات عامّة، لا انتخابات تشريعيّة فقط.
وكان عبّاس دعا، في 22 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018، إلى عقد انتخابات تشريعيّة، وهو الأمر الذي رفضته "حماس"، التي طالبت بانتخابات فلسطينيّة عامّة تشمل التشريعيّة والرئاسيّة والمجلس الوطنيّ.
وأخيراً، يبدو الشارع الفلسطينيّ غير متفاعل كثيراً مع الجهود المصريّة الجديدة لتحقيق المصالحة بسبب الفشل الذي منيت به هذه الجهود على مدار السنوات الماضية، لكنّه ينتظر بشغف الوصول إلى مصالحة حقيقيّة وجادّة بين "حماس" و"فتح" تنهي حقبة سوداء ما زال يعاني من آثارها.