رام الله – الضفّة الغربيّة: مع اقتراب انعقاد مؤتمر البحرين، في 25 و26 حزيران/يونيو المقبل بالبحرين، والذي سيركّز على الجوانب الاقتصاديّة لخطّة السلام الأميركيّة المعروفة بصفقة القرن، تزداد الضغوط على السلطة الفلسطينيّة لثنيها عن قرارها برفض المشاركة في المؤتمر، والتوقّف عن انتقاده.
واعلنت السلطة الفلسطينية على لسان امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات في بيان صحفي في 22 ايار/مايو عدم مشاركة السلطة الفلسطينية في مؤتمر البحرين بسبب القرارات الامريكية، في اشارة منه الى اعتراف امريكا بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقلها لسفارتها للقدس، وتوقف تمويل الاونروا.
وأعلنت دول عربيّة عدّة مشاركتها في المؤتمر، الذي يحمل اسم "السلام من أجل الازدهار" في البحرين، كالسعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة في 21 أيّار/مايو، إلى جانب البحرين الدولة المستضيفة للمؤتمر، فيما أكّدت صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة في 25 أيّار/مايو نقلا عن مصدر مشارك في المؤتمر لم تذكر اسمه أنّ قطر ستشارك دون ان يصدر بيان قطري رسمي يؤكد ذلك او ينفيه، بينما رجّح وزير الشؤون الخارجيّة العمانيّ يوسف بن علوي مشاركة بلاده، فيما ذكرت وكالة "رويترز" في 28 أيّار/مايو أنّ الأردن ومصر سيرسلان ممثلين إلى المؤتمر.
وبدأ مستشار الرئيس الأميركيّ جاريد كوشنير على رأس وفد أميركيّ جولة لحشد الدعم والتأييد لمؤتمر البحرين، بدأت بزيارة المغرب ولقاء العاهل المغربيّ الملك محمّد السادس في 28 أيّار/مايو والملك الأردنيّ عبد الله الثاني في 29 أيّار/مايو، من دون أن يخرج أيّ موقف حول مشاركتهما أم عدمها في المؤتمر.
ويبدو أنّ الموقف الفلسطينيّ الرافض للمؤتمر قد سبّب إحراجاً لبعض الدول العربيّة التي مارست ضغوطاً على السلطة لثنيها عن قرارها برفض المشاركة، حسبما نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيليّة عن كبار المسؤولين في السلطة لم تذكرهم، في 22 أيّار/مايو.
ونقلت الصحيفة عن المسؤولين قولهم: "إنّ بعض الدول العربيّة غير راض لأنّنا رفضنا على الفور فكرة الورشة"، في إشارة إلى مؤتمر البحرين".
أضافوا: "يطلبون منّا الآن التوقّف عن مهاجمة الورشة وعدم معارضة مشاركة رجال الأعمال الفلسطينيّين".
وأشارت الصحيفة إلى "أنّ السعوديّة ومصر والإمارات نقلت رسالة إلى قيادة السلطة الفلسطينيّة أعربت فيها عن "قلقها" من معارضة الفلسطينيّين لورشة العمل"، من دون تحديد موعد تلك الرسالة.
من جهتها، أكّدت صحيفة "الشرق الأوسط" السعوديّة، في 23 أيّار/مايو، نقلاً عن جهات فلسطينيّة لم تُسمّها، "أنّ جهات إقليميّة ودوليّة تمارس ضغوطاً على الرئيس محمود عبّاس، من أجل المشاركة في المؤتمر الهادف إلى مساعدة الفلسطينيّين".
ويرفض المسؤولون الفلسطينيّون الحديث علانيّة عن ضغوط دول عربّية على السلطة، كي لا يفسدوا علاقاتها معها.
وقال مسؤول فلسطينيّ في منظمة التحرير رفض الكشف عن هويته لـ"المونيتور" باقتضاب: إنّ الضغوط التي مورست على السلطة هي ضغوط سياسيّة، من أجل تغيير موقفها من مؤتمر البحرين وعدم انتقاد المشاركين فيه، وضغوط ماليّة من خلال رفض منح قروض أو مساعدات ماليّة للسلطة لمواجهة أزمتها الماليّة، بسبب احتجاز إسرائيل أموال المقاصّة.
وكان عبّاس كشف خلال كلمة له في افتتاح اجتماعه مع الحكومة الفلسطينية في رام الله وسط الضفة الغربية ، في 29 نيسان/إبريل، أنّه تقدّم بطلب قرض ماليّ من دول عربيّة، خلال الاجتماع الأخير لوزراء الخارجيّة العرب في القاهرة بـ12 نيسان/إبريل، لكنّه لم يتلقّ أيّ ردّ حول ذلك، قبل أن تعلن قطر فقط لاحقاً عن تقديم 250 مليون دولار كقروض للسلطة.
وقال عبّاس: طلبنا من الأشقّاء شبكة أمان ماليّة بقيمة 100 مليون دولار على شكل قروض يتمّ سدادها لاحقاً.
وأبدى عدم تفاؤله من ذلك، إذ قال: "حتّى في صورة دين لم يأتنا جواب، ولكن علينا أن نتحمّل ونصبر".
وقال عضو اللجنة المركزيّة لحركة "فتح" عبّاس زكي لـ"المونيتور": إنّ موقفنا الرافض لمؤتمر البحرين لا يمكن أن يؤثّر عليه أحد، فالرئيس طلب خلال كلمته أمام القمّة العربيّة الطارئة في السعوديّة بـ30 أيّار/مايو من الدول العربيّة عدم المشاركة في مؤتمر البحرين.
وفيما اعلن الرئيس عباس خلال كلمته امام القمة العربية عدم مشاركة فلسطين في ورشة المنامة.
أضاف عبّاس زكي: "إذا كان أحد من العرب قد أخطأ بإعلان مشاركته في المؤتمر، فيمكنه العودة عن ذلك بغطاء القرار العربيّ المشترك، والالتزام بقرارات القمم العربيّة".
وتابع: "سننتظر الدول العربيّة لمراجعة حساباتها بعد القمّة العربيّة في مكة، لكنّ لا أحد يجرؤ على أن يفرض أو يضغط علينا بشيء".
بدوره، قال الكاتب والمحلّل السياسيّ جهاد حرب لـ"المونيتور": "إنّ الدول العربيّة استخدمت المال للضغط على الفلسطينيّين عندما لم تفي بالتزاماتها، ولم توفّر شبكة الأمان الماليّة المقرّة من القمّة العربيّة التي عقدت في العراق في اذار/مارس 2012، والتي قررت القمة العربية في تونس في اذار/مارس 2019 على تفعيلها، إضافة إلى ضغوط سياسيّة من خلال إعلان الدول العربيّة بشكل منفرد عن مشاركتها في مؤتمر البحرين من دون التشاور مع السلطة، ومن بينها دول كبيرة كانت السلطة تعوّل عليها، مثل السعوديّة.
أضاف: إنّ مشاركة الدول العربيّة في مؤتمر البحرين هي نوع من الضغوط السياسيّة على السلطة، لأنّه يأتي بعد أشهر من مشاركتها في مؤتمر وارسو الذي عقد في 13 شباط/فبراير، وحضره عدد من المسؤولين العرب إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، وهو المؤتمر الذي حذرت منه السلطة الفلسطينية انذاك، والذي ناقش التهديد الإيراني وتعزيز السلام في الشرق الأوسط.
وعن أسباب الضغوط، قال جهاد حرب: "إنّ الدول العربيّة تضغط على السلطة كي لا تقف أمام شعوبها مكشوفة ومفضوحة، فالدول العربيّة تريد تشريع صفحتها وتبييضها أمام شعوبها، وليس أمام الفلسطينيّين عند الذهاب إلى المؤتمر".
بدوره، قال عضو المكتب السياسيّ للجبهة الشعبيّة عمر شحادة لـ"المونيتور": إنّ البحرين، ومن خلفها الفريق الخليجيّ الرجعيّ، يكشفان مدى انخراطهما في تنفيذ المخطّطات الأميركيّة - الإسرائيليّة، للانتقال من التطبيع السريّ إلى التطبيع العلنيّ مع إسرائيل.
أضاف: "الفريق الخليجيّ يقايض قضيّة فلسطين بالحفاظ على عروشه، لأنّ سياسة ترامب قائمة على ترسيخ أنظمة ديكتاتوريّة تابعة لها تقوم بتنفيذ سياساتها، وبالتالي فهي انتقلت إلى مرحلة جديدة تقوم على التحالف والتطبيع الصريح مع إسرائيل".
وأكّد عمر شحادة أنّ "السلطة تتعرّض لضغوط اقتصاديّة عديدة، من بينها عدم استجابة الجامعة العربيّة لتفعيل شبكة الأمان، بالتزامن مع ما تمارسه إسرائيل من حصار في غزّة، وقرصنة لأموال المقاصّة، ومحاولة بعض الدول العربيّة دفع الفلسطينيّين إلى اتّخاذ موقف محايد تجاه المؤتمر".
وفي الوقت الذي تمارس فيه دول عربيّة ضغوطاً بشكل سريّ على السلطة، فإنّها وفي تصريحاتها العلنيّة تبدي دعمها للقضيّة الفلسطينيّة وموقف السلطة الفلسطينيّة، وهذا ما ظهر من خلال ما قاله الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، وهو مبعوث ملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، لعبّاس خلال اجتماعهما في الأردن، بـ29 أيّار/مايو: "إنّ البحرين ليست المنظّمة للورشة الاقتصاديّة، وهي ليست إلاّ دولة مضيفة للورشة"، في محاولة لتبرير مشاركة بلاده في المؤتمر واستضافته.