مدينة غزّة - يسعى حزب الليكود الفائز في الانتخابات الإسرائيليّة الأخيرة بـ4 نيسان/إبريل من عام 2019 إلى توسيع صلاحيّات الوزارات الحكوميّة الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة على حساب هيئة الإدارة المدنيّة، بحسب ما ذكرته القناة الإسرائيليّة السابعة في 19 أيّار/مايو الجاري.
والإدارة المدنيّة هي هيئة حكم إسرائيليّة في الضفّة الغربيّة تتبع الجيش الإسرائيليّ، وأنشأتها حكومة إسرائيل في عام 1981 كبديل عن الحكم العسكريّ الإسرائيليّ للأراضي الفلسطينيّة، وتعتبر جهة التنسيق في شؤون الحياة المدنيّة بين الفلسطينيّين وإسرائيل. كما تتولّى الإدارة المدنيّة بعض مجالات حياة المستوطنين في الضفّة، مثل النقل والاتصالات والزراعة، فيما قطاعات أخرى مثل الصحّة والتعليم والرفاهية يتمّ الاهتمام بها بشكل مباشر من قبل الوزارات الإسرائيليّة، بحسب القناة الإسرائيليّة.
وأوضحت القناة أن هذا المسعى يعدّ أحد متطلّبات تحالف أحزاب اليمين للانضمام إلى الحكومة الجديدة، ويتمثّل بإلغاء تامّ للإدارة المدنيّة في ما يتعلّق بالحياة في مستوطنات الضفّة الغربيّة، وتركها لإدارة حياة الفلسطينيّين فقط.
وكان زعيم حزب الليكود ورئيس الحكومة الحاليّ بنيامين نتنياهو تعهّد في 6 نيسان/إبريل من عام 2019 خلال مقابلة مع القناة "12" الإسرائيليّة، بضمّ مستوطنات الضفّة الغربيّة إلى السيادة الإسرائيليّة، إذا فاز في الانتخابات واحتفظ بمنصبه.
وأشار عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة واصل أبو يوسف في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ توسيع صلاحيّات الوزارات الإسرائيليّة على حساب الإدارة المدنيّة "هو محاولة لفرض الاحتلال ولتكريسه في الضفّة ولإنهاء حلّ الدولتين ومنع قيام دولة فلسطينيّة متواصلة، ويندرج أيضاً في إطار منع حقوق الشعب الفلسطينيّ في الحريّة والاستقلال"، وقال: "هذه المساعي تعني عمليّاً ضمّ أجزاء من الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل. وللأسف، هذا يأتي بمباركة إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، الذي لا يعترف بخيار حلّ الدولتين، ويمنح إسرائيل الضوء الأخضر لفعل كلّ ما تريده في الضفّة".
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركيّة كشفت في تقرير لها نشرته بـ14 نيسان/إبريل من عام 2019، أنّ خطّة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب للتسوية بين الفلسطينيّين وإسرائيل والمعروفة باسم "صفقة القرن"، من المحتمل أن تسقط ضمان إقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة ذات سيادة كاملة.
ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطّلعين على العناصر الأساسيّة من الخطّة، أنّ خطّة دونالد ترامب "تربط بين السلام والتنمية الاقتصاديّة والاعتراف العربيّ بإسرائيل، وقبول نسخة تحاكي الوضع الراهن بشأن الحكم الذاتيّ الفلسطينيّ، بدلاً من السيادة".
وشدّد واصل أبو يوسف على وجود إجماع فلسطينيّ على رفض الخطّة الأميركيّة لإنهاء الصراع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ من خلال السلام الاقتصاديّ وتعزيز التطبيع بين الدول العربيّة وإسرائيل، وقال: "لا يمكن مقايضة الحقوق بالأموال".
وكانت منظّمة التحرير الفلسطينيّة أعلنت رسميّاً، في 22 أيّار/مايو من عام 2019، مقاطعة فلسطين لمؤتمر البحرين الاقتصاديّ المزمع عقده في أواخر حزيران/يونيو المقبل، الذي اقترحته الإدارة الأميركيّة ويركّز على الجانب الاقتصاديّ من خطّة السلام في المنطقة التي يعدّها البيت الأبيض.
وتابع أبو يوسف: "بوجود مثل هذا الرجل (ترامب) الودود لإسرائيل في منصب رئيس الولايات المتحدة الأميركيّة، استطاعت إسرائيل أن تحقّق كلّ الطموحات الاستراتيجيّة التي تتنكّر لحقوق الآخرين، مثل اعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل الذي جاء بقرار أميركيّ في 6 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2017، وضمّ الجولان للسيادة الإسرائيليّة في 25 آذار/مارس من عام 2019. والآن، هناك مساع جديدة لضمّ مستوطنات الضفّة كذلك".
وأكّد أنّ السلطة الفلسطينيّة ستصرّ على التمسّك بالقانون الدوليّ كمعيار وأساس لأيّ حلّ سياسيّ مع إسرائيل.
وأشار رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (هيئة رسميّة تتبع منظّمة التحرير الفلسطينيّة) وليد عسّاف في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ مساعي نقل صلاحيّات الإدارة المدنيّة للوزارات الإسرائيليّة "تعني بشكل مباشر ضمّ مستوطنات الضفّة إلى إسرائيل، وهذا سيقود إلى ضمّ المناطق المصنّفة (ج) التي تبلغ مساحتها أكثر من 60 في المئة من مساحة الضفّة بأكملها إلى السيادة الإسرائيليّة".
ولفت وليد عسّاف إلى أنّ ضم مستوطنات الضفّة لإسرائيل من شأنه تفكيك التواصل بين القرى والمدن الفلسطينيّة، إذ ستقضم إسرائيل المزيد من الأراضي الفلسطينيّة لتوسعة مستوطناتها ولشقّ المزيد من الطرق لربط المستوطنات على حساب الأرض الفلسطينيّة. كما سيشجّع على زيادة اعتداءات المستوطنين ضدّ الفلسطينيّين وممتلكاتهم ومزارعهم في مناطق (ج).
وبحسب آخر احصائية نشرها مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، في 28 يناير 2019، فقد بلغ عدد المستوطنات الإسرائيلية في كافة أنحاء الضفة الغربية 250 مستوطنة حتى نهاية عام 2017.
وقال عسّاف: "إنّ ضمّ مستوطنات الضفّة لإسرائيل سيمهّد الطريق أمام إسرائيل لتكريس سياسة التطهير العرقيّ ضدّ الفلسطينيّين، وهذا سيدفع بالفلسطينيّين في مناطق (ج) للهجرة إلى مناطق (أ) و(ب) التي تخضع لإدارة السلطة الفلسطينيّة".
وأشار عسّاف إلى أنّ هيئته قدّمت في نهاية نيسان/إبريل الماضي إلى الحكومة الفلسطينيّة خطّة لتعزيز صمود الفلسطينيّين في مناطق (ج) والتصدّي لكلّ مخطّطات إسرائيل فيها، لافتاً إلى أنّ الحكومة تدرس حاليّاً هذه الخطّة، وستعتمدها قريباً، وقال: "هذه الخطّة تستند إلى 3 محاور، الأوّل: تكثيف المتابعة القانونيّة على المستوى الدوليّ لكلّ القرارات التي تتّخذها إسرائيل لضمّ أراضي من الضفّة الغربيّة، الثاني: تعزيز صمود المواطنين في هذه المناطق من خلال توفير الدعمين الماديّ واللوجستيّ لبقاء المزارع في أرضه، والثالث: تعزيز التواصل الجغرافيّ بين القرى والبلدات الواقعة في مناطق (ج)".
وإضافة إلى ذلك، بحسب عسّاف، فإنّ السلطة الفلسطينيّة ماضية باتّباع نمط المقاومة الشعبيّة الرافضة للاستيطان، إذ تنظم احتجاجات سلمية كل يوم جمعة من كل أسبوع في القرى والبلدات الفلسطينية المحاذية للمستوطنات رفضاً للاستيطان الإسرائيلي، فضلاً عن اتباع العمل السياسيّ في انتزاع قرارات دوليّة تدين الاستيطان وتطالب إسرائيل بإنهائه، على غرار قرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر في 23 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2016، الذي دان الاستيطان وكلّ التدابير الإسرائيليّة الرامية إلى إحداث تغيير ديموغرافيّ في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967، بما فيها القدس الشرقيّة.
وقال أستاذ القانون الدوليّ بجامعة القدس في أبو ديس حنّا عيسى لـ"المونيتور": "لطالما استمرّ الاحتلال الإسرائيليّ، فالأصل أن تبقى المناطق الفلسطينيّة تدار من خلال الإدارة المدنيّة التابعة للجيش الإسرائيليّ حتّى نهاية هذا الاحتلال".
أضاف: "ولكن الحدّ من صلاحيّات هذه الإدارة ومنح مسؤوليّاتها للوزارات الإسرائيليّة هما خطوة خطيرة تهدف إلى ضمّ مناطق محتلّة بموجب القانون الدوليّ".
وبيّن أنّ هذه الخطوة هي تجاوز مباشر وانتهاك صارخ لقراريّ مجلس الأمن 242 الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1967، و338 الصادر في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 1973، اللذين أكّدا أنّ كلّ الأراضي الفلسطينيّة التي استولت عليها إسرائيل خلال عام 1967 هي أراض محتلّة، بما فيها القدس الشرقيّة.