مدينة غزّة - قُتلت الفتاة فاطمة أبو مهدي (17 عاماً) من سكّان مخيّم النصيرات في وسط قطاع غزّة، بـ19 كانون الثاني/يناير الجاري مساء، بعد إصابتها برصاصة في الرأس داخل منزلها في وسط قطاع غزّة.
وقال الناطق باسم الشرطة في غزّة أيمن البطنيجي لـ"المونيتور": "وفقاً للتحقيق المبدئيّ، فإنّ العائلة تفيد بأنّ فاطمة قتلت على يدّ شقيقها عن طريق الخطأ من رصاصة أطلقت من مسدّسه أثناء انشغاله بتنظيفه".
وأشار إلى أنّ التحقيقات لا تزال جارية في هذه القضيّة.
حادثة مقتل فاطمة أبو مهدي هي نموذج لحوادث قتل عدّة وقعت أخيراً ضدّ النساء، في إطار العائلة بقطاع غزّة، تحت مبرّرات عدّة، من بينها "العبث بالسلاح" و"جرائم الشرف"، إذ قتلت امرأة (26 عاماً) في مخيّم البريج - وسط القطاع بـ6 الجاري، على يدّ زوجها برصاصة انفلتت من سلاحه عن طريق الخطأ أثناء تنظيفه. كما قتلت سيّدة (42 عاماً) من محافظة خان يونس - جنوب القطاع، في 18 أيلول/سبتمبر الماضي، خنقاً على يدّ والدها، تحت مبرّر الدفاع عن الشرف.
وأثارت حادثة مقتل أبو مهدي موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعيّ وتساؤلات حول أسباب وقوع الإناث بشكل أكبر ظاهريّاً من الذكور، كضحايا لأحداث العنف الداخلي.
وبينما لا تتوافر أي إحصاءات رسمية معلنة حول ضحايا آخر حوادث العنف الداخلية، أحصت مراسلة "المونيتور" من خلال البحث في وسائل الإعلام المحلية، وقوع خمس ضحايا في خمس حوادث عنف داخلية متفرقة في قطاع غزة، حدثت خلال الخمسة شهور الماضية، بين 18 سبتمبر 2018 حتى 19 يناير 2019. والضحايا الخمسة هم أربع نساء قتلوا في منازلهن على يد فرد من أفراد الأسرة (اثنتين وجدن مشنوقات، واثنتين قضين نتيجة العبث بالسلاح)، بالإضافة إلى رجل قتل نفسه بالخطأ خلال عبثه بسلاحه الشخصي.
وكتب الناشط الفلسطينيّ محمّد حسنة منشوراً على "فيسبوك" في 20 الجاري، قال فيه: "شو وضعيّة تنظيف السلاح إلي ما بيجي الطلق إلاّ في مقتل؟ وشو هالسلاح لمّا يتنظف ما بيقتل إلاّ النساء! كمان ليش السلاح بتنظّف في البيت والعيلة موجودة!".
من جهته، كتب المستشار القانوني لدى الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، المحامي عبد الله شرشارة منشوراً على "فيسبوك" في 20 الجاري، قال فيه: "لماذا ضحايا العبث بالسلاح والقتل عن طريق الخطأ في قطاع غزّة هم دائماً من الإناث؟ ألا يجب أن تسترعي هذه الملاحظة انتباه المنظّمات النسويّة ومؤسّسات حقوق الإنسان والحكومة في قطاع غزّة؟ ألا تكفي 10 حالات قتل لإناث عن طريق الخطأ خلال 4 سنوات فقط؟".
وردّت الصحافيّة هاجر محمّد حرب على عبد الله شرشارة بالقول: "طالما تحكمنا العقليّة القبليّة، وليست لدينا قوانين منصفة للنساء وقوانين تجرّم القتل خصوصاً للإناث، وطالما النساء لا يعرفن حقوقهنّ، لن يتغيّر أيّ شيء".
ولدى رفض أطراف عدّة من عائلة أبو مهدي الحديث مع "المونيتور"، قالت إحدى صديقاتها المقرّبات لـ"المونيتور"، شريطة عدم ذكر اسمها: "إنّ فاطمة عانت من العنف الأسريّ بعد انفصال والديها وإجبارها على العيش مع والدها وزوجته الأخرى. كما تلقّت تهديداً بالقتل من قبل والدها مرّات عدّة بسبب رفضها ارتداء النقاب".
واتّهمت هبة الدنف مسؤولة اللجنة القانونيّة في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينيّة التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية والهادف لتنمية المرأة والنهوض بها في التجمعات الفلسطينية، كما يرعى كافة المنظمات النسوية الفلسطينية غير الحكومية، خلال حديث مع "المونيتور"، الأجهزة الشرطيّة والقانونيّة بالتقصير في التعامل مع حوادث القتل التي تكون فيها الضحيّة امرأة، وعدم اتخاذ إجراءات كافية للوصول إلى الأسباب الحقيقيّة وراء هذه الحوادث، وعدم إنزال عقوبة مشددّة ضدّ الجناة، مشيرة إلى أنّ جهات التحقيق الشرطيّة "تتّبع سياسة التستّر في معظم حوادث قتل النساء في إطار العائلة تحت مبرّر الحفاظ على سمعة العائلة وعلى الوجه الحضاريّ للمجتمع، من خلال القبول بمبرّر القتل عن طريق الخطأ، وهذا يسهّل إفلات الجاني من العقاب".
وطالب نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزّة سمير زقوت خلال حديث مع "المونيتور" الجهات المختصّة بالتعامل مع جرائم قتل النساء شأنها شأن جرائم القتل الأخرى ومن دون تمييز، داعياً إلى عدم الأخذ في الادعاءات الزائفة في هذه الجرائم والكشف عن ملابساتها الحقيقيّة واتخاذ المقتضى القانونيّ بحقّ الجناة، فضلاً عن اتخاذ الإجراءات والتدابير الهادفة إلى الحدّ من انتشار الأسلحة في غزّة وسوء استخدامها.
ونفى أيمن البطنيجي أن يكون هناك أيّ تقصير في تعامل الجهات الشرطيّة في قضايا قتل النساء أو تعمّد في إخفاء أسبابها الحقيقيّة، وقال: "نحن نتعامل مع حوادث قتل النساء كغيرها من جرائم القتل ونتّخذ كلّ الإجراءات والتحقيقات الرسميّة وفق أصولها ونقدّم الجناة إلى القضاء".
وفسّر البطنيجي ظاهرة انتشار الأسلحة الخفيفة بين المواطنين بالقول: "نحن شعب يعاني من احتلال إسرائيليّ مستمرّ. ولذلك، من الطبيعيّ أن يكون هناك سلاح في منازل المواطنين لمواجهة أيّ عدوان إسرائيليّ، لكنّنا نحذّر من استخدام هذا السلاح في أيّ أحداث داخليّة".
وصادق مجلس الوزراء الفلسطيني في 13 كانون الأوّل/ ديسمبر 2016 على مشروع نظام رسوم ترخيص الأسلحة الناريّة والذخائر بهدف "إعادة تنظيم ملف السلاح للحدّ من انتشار الأسلحة غير القانونيّة، والعمل على ضبط السلاح غير الشرعيّ، والعمل ضدّ تجّار السلاح والخارجين عن القانون والعابثين بأمن الوطن والمواطن"، استناداً إلى القانون رقم (2) لسنة 1998 بشأن الأسلحة الناريّة والذخائر، الذي يحظر في مادته (2) اقتناء وحمل الأسلحة النارية بغير ترخيص من وزارة الداخلية.
غير أن هذه الضوابط الحكومية والقانونية، لم تجد آذانا صاغية في قطاع غزة، إذ تنتشر الأسلحة غير المرخصة بين أيدي المواطنين دون قيام الجهات المتخصصة والرسمية التابعة لحماس بأي إجراءات لضبطها، تحت مبرر استخدام هذه الأسلحة في إطار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ووفقاً لسمير زقوت، فمنذ عام 2004 قُتلت 146 سيّدة في أعمال عنف محليّة بقطاع غزّة، من بينهنّ 51 ضحيّة قتلن على خلفيّة الشرف، وقال: "في معظم حالات قتل النساء في إطار العائلة، يدّعي الجاني أنّه ارتكب جريمته للدفاع عن شرف العائلة في محاولة للنجاة من العقاب ولدفع القضاء إلى التماس عذر مخفّف، رغم أنّ الظروف التي تحيط بمعظم حوادث قتل النساء تشير إلى أنّها جرائم تمّت مع سبق الإصرار والترصّد والتخطيط".
وبيّن زقوت أنّ القانون الفلسطينيّ يفرض عقوبات مخفّفة على القتلة في قضايا قتل نساء في إطار العائلة، إذ أنّ المادّة 340 من قانون العقوبات الفلسطينيّ رقم 16 لسنة 1960 تمنح الرجل عذراً مخفّفاً إذا أقدم على قتل زوجته أو إحدى قريباته من النساء، في حال وجدهنّ مع رجل على فراش غير مشروع (خارج إطار الزواج)، إذ يحكم على القاتل بالأشغال الشاقّة الموقّتة من 5 سنوات إلى 20 سنة، بدلاً من الأشغال الشاقّة المؤبّدة.
وكان الرئيس محمود عبّاس أصدر قراراً في 15 أيّار/مايو من عام 2011 بإجراء تعديلات على قانون العقوبات تقضي باستثناء جرائم قتل النساء على خلفيّة الشرف من أحكام العذر المخفّف.
وذكر مركز الميزان لحقوق الإنسان في بيان بـ20 أيلول/سبتمبر من عام 2018، أنّ القضاء في قطاع غزّة الواقع تحت حكم "حماس" لا يزال يلتمس الأعذار المخفّفة في جرائم قتل النساء حتّى اليوم، الأمر الذي يمنح الجناة فرصة أكبر للنجاة من العقاب، ويسهم في إيقاع ظلم مضاعف على الضحيّة فهي تفقد حياتها وفي الوقت نفسه تتعرّض سمعتها للتشويه.
بدورها، طالبت هبة الدنف بضرورة توفير الحماية للمرأة من خلال إطلاق حملة مجتمعية شاملة لنبذ العنف ضد المرأة، تشمل كافة المؤسسات الرسمية والإعلامية والدينية والتعليمية، وسنّ قوانين رادعة لحماية المرأة من أيّ اعتداءات، معتبرة أنّ استمرار الانقسام الفلسطينيّ منذ عام 2007، الذي عطّل عمل المجلس التشريعيّ، يمنع إجراء أيّ تغييرات قانونيّة لصالح المرأة.