القاهرة - لا تعبّر العلاقات المصريّة - الإسرائيليّة الرسميّة، التي تشهد لقاءات على مستوى أعلى في التمثيل بين قيادات البلدين وآخرها اللقاء الأخير للرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أيلول/سبتمبر من عام 2018 عن تحسّن العلاقات الشعبيّة بين البلدين، فدائماً تصطحب عاصفة من الجدل والهجوم بعد كلّ زيارة لشخصيّة مصريّة لإسرائيل أو زيارات متبادلة مع السفير الإسرائيليّ في مصر، وهو ما حدث مع أستاذة الأدب الإنكليزيّ في جامعة "قناة السويس" منى البرنس، التي أعلنت ترشّحها في الانتخابات الرئاسيّة الماضية، حيث التقت السفير الإسرائيليّ ديفيد جوفرين في مقرّ السفارة الإسرائيليّة بمصر في 3 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018، وأثار هذا اللقاء جدلاً وهجوماً من شخصيات عامة وإعلاميين ضدّ منى البرنس إلى حدّ وصفها بـ"الخائنة".
ورغم الهجوم الذي أثاره اللقاء، ظهرت البرنس في تقرير تلفزيونيّ أذيع على قناة "المكان" الإسرائيليّة بـ12 كانون الأوّل/ديسمبر تعليقاً على اللقاء، وأشارت البرنس في التقرير إلى "أنّ القانون المصريّ لا يوجد فيه ما يجرّم التواصل مع الإسرائيليّين، وأنّها لا تمثّل أيّ جهة وأنّ كلّ تصرّفاتها قانونيّة"، وقالت: "لا يوجد تطبيع ثقافيّ ولا رياضيّ ولا على المستوى الأكاديميّ أو الجامعات"، وأضافت"وإنّها تتمنّى أن يتغيّر هذا الوضع في وقت من الأوقات".
وعن الهجوم ضدّها، أكّدت البرنس "أنّها غير مهتمّة بمن يهاجمها، وذلك لأنّها تفكّر في المستقبل، وتتمنّى أن تصل الشعوب إلى حلول إنسانيّة في المنطقة مبنيّة على التعاون، وأن تكون هناك حياة أفضل".
تواصل "المونيتور" مع منى البرنس لكن رفضت الحديث خوفا من التهديدات. أما لرئاسة أو أي مسئول في الدولة يرفض تماما التعليق سواء بالرفض أو الموافقة على هذا الهجوم.
وانتقل الهجوم على البرنس بعد لقائها من ساحات الإعلام إلى القضاء، حيث واجهت بلاغات عدّة ضدّها، ففي 4 كانون الأوّل/ديسمبر، تقدّم المحامي أيمن محفوظ ببلاغ ضدّها ووصف لقاءها مع ديفيد جوفرين، قائلاً في نص بلاغه : "إنّها تصرّ على إنكار ثوابت الأمّة الإسلاميّة من كفاح ضدّ الكيان الصهيونيّ الغاشم والكفاح للحفاظ على المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة المغتصبة من إسرائيل التي أنكرت اسم فلسطين ونعتتها بإسرائيل".
وفي اليوم نفسه، تقدّم محام آخر يدعى سمير صبري ببلاغ ضدّها ووصف لقاءها مع جوفرين في بلاغه بأنّه "جريمة وتعامل مع جهة أجنبيّة عدوّ للعالم العربيّ ولمصر منذ الأساس. وحتّى لو كانت هناك اتفاقيّة مبرمة، فهي لا صفة لها في التطبيق الخاصّ بها، وهو تعامل مع جهة أجنبيّة من دون ترخيص ويعرّضها إلى المحاكمة الجنائيّة".
لن تحول البلاغات إلى القضاء لأنها ليس لها سند قانوني ولكن الضغط الإعلامي والذي شمل وسائل إعلام مؤيدة للدولة وشخصيات عامة وبلاغات ضدها للضغط على كل من يطبع شعبيا.
وعقدت مصر معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل في واشنطن في 26 مارس 1979 بعد اتفاقية كامب ديفيد الموقعة في 1978. ومن أبرز بنود المعاهدة اعتراف كل دولة بالأخرى والإيقاف التام لحالة الحرب الممتدة منذ الحرب العربية الإسرائيلية في 1948، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة في 1967، وبالفعل تم تنفيذ بنود الاتفاقية لكن مازال التطبيع بين البلدين لم يصل للشعبين في المجالات غير السياسية، فلا توجد مؤتمرات فنية بين البلدين، وتوجد حالة من الرفض الشعبي لتواجد أي مسئول أو فنان أو مثقف إسرائيلي في حدث رياضي أو ثقافي أو فني.
وهدّدت النقابة العامّة لاتّحاد كتّاب مصر البرنس بالطرد وبشطب عضويّتها من الاتّحاد بسبب لقائها مع جوفرين، وقال نائب رئيس النقابة العامّة لاتّحاد كتّاب مصر الشاعر مختار عيسى خلال تصريحات خاصّة لـصحيفة "اليوم السابع" بـ4 كانون الأولّ/ديسمبر: "إنّ مصير الدكتورة منى برنس الطرد، وليس الشطب فقط من عضويّة الاتّحاد، وذلك لمخالفة تقاليد الاتّحاد الرامية إلى مقاطعة الكيان الصهيونيّ، وفقاً للأعراف واللوائح التي نصّ عليها الاتّحاد مراراً وتكراراً برفض التطبيع نهائيّاً".
لم تكن البرنس أوّل من واجهت عاصفة الهجوم بسبب لقاءاتها مع مسؤولين إسرائيليّين، ولكن سبقها مدير "مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائيّة" الدكتور سعد الدين إبراهيم، الذي زار إسرائيل في كانون الثاني/يناير من عام 2018، وأيضاً التقى جوفرين في تمّوز/يوليو الماضي.
وقال سعد الدين إبراهيم خلال تصريحات خاصّة لـ"المونيتور": "إنّ الهجوم ضدّ من يمارس التطبيع الشعبيّ مع إسرائيل مصدره أصوات كتّاب وإعلاميّين ناصريّين الذين يؤمنون بفكر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذي خاض حرب ضد إسرائيل عام 1967 وكان يرفض السلام مع إسرائيل ، هؤلاء يمارسون نوعاً من الترهيب، ولا يدلّ هذا الهجوم على موقف الشارع المصريّ ككلّ".
وتابع: "زرت إسرائيل في كانون الثاني/يناير من عام 2017 وواجهت ضغوطاً وهجوماً إعلاميّاً وتخويناً، لكن لم أهتمّ لأنّي مؤمن بأنّ تلك الأصوات المهاجمة هي بقايا النظام الناصريّ، الذي يؤمن بحالة الحرب المستمرّة مع إسرائيل".
وأردف: "هناك مصريّون ليست لديهم أزمة في التعامل مع إسرائيل، لكنّهم يخشون الضغوط المعنويّة، فالتعامل مع الإسرائيليّين ليس جريمة، فلا يوجد قانون في مصر يجرّم ذلك".
وكشف إبراهيم عن زيارة مرتقبة لوفد من الأكاديميّين والمثقّفين الإسرائيليّين لمصر بـ23 كانون الثاني/يناير المقبل، لافتاً إلى "أنّ هدف الزيارة تبادل الثقافات والآراء، وذلك إيماناً بأهميّة السلام".
وقال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي: "هناك فرق واضح بين العلاقات الرسميّة والشعبيّة، فالإطار الرسميّ بين البلدين مستقرّ وآمن، ولكن ظلّ السفراء الإسرائيليّون في مصر يعانون من العزلة الاجتماعيّة بسبب عدم مشاركتهم في الأنشطة الإعلاميّة والثقافيّة، وذلك لرفض المجتمع المصريّ مشاركتهم في أنشطته".
أضاف في تصريحات خاصّة لـ"المونيتور": "إنّ إسرائيل فشلت في إقامة سلام شعبيّ مع مصر بسبب عدم قبول المواطن المصريّ ذلك، فمثلاً الأعمال الدراميّة المصريّة دائماً ما تعكس العداء مع إسرائيل، معبّرة عن المزاج الشعبيّ المصريّ".
وأشار إلى أنّ "النخبة المثقّفة المصريّة هي حائط صدّ لأيّ محاولات إقامة تطبيع شعبيّ مع إسرائيل، فالمواطن المصريّ يرى أنّ التطبيع مع دولة تعادي فلسطين هو خيانة فالقضيّة الفلسطينيّة دائماً في اهتمامات المصريّين".