رام الله، الضفّة الغربيّة - تحت أضواء متحف الشاعر محمود درويش في مدينة رام الله وسط الضفّة الغربيّة، عانقت رواية "حكاية سرّ الزيت" في 3 أيلول/سبتمبر الحريّة خلال حفل إطلاقها، الذي غاب عنه كاتبها وليد دقّة من مدينة باقة الغربيّة داخل الخطّ الأخضر، نظراً لاعتقاله في السجون الإسرائيليّة منذ 32 عاماً.
وتعدّ "حكاية سرّ الزيت" الرواية الأولى الموجّهة إلى الأطفال واليافعين في ما يعرف بـ"أدب السجون".
وتدور الرواية، التي تقع في 95 صفحة من القطع المتوسّط والصادرة عن "مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ"، حول طفل اسمه جود عمره 12 عاماً، ولد من نطفة مهرّبة من والده الأسير.
وتنطلق الرواية حين يتهيّأ جود لزيارة والده في السجن للمرة الاولى، ويتلقّى نبأ منعه من الزيارة من قبل السلطات الإسرائيليّة لأسباب أمنيّة، ليصاب بحزن وضيق شديد، ويخرج إلى الحقول حول بلدته، ويُحدّث أصدقاءه الحيوانات عن سبب حزنه ليشاركهم في همومه، فأنصب الحوار على التفكير بحلول لمساعدة جود في زيارة والده في السجن، ومن ثم حوارات عن حياتهم الصعبة ومعاناتهم (الحيوانات) بسبب الاحتلال وشوقهم للحرية.
وأجرى وليد دقّة خلال الحكاية حوارات بين الطفل جود والحيوانات (الأرنب السمّور، العصفور أبو ريشة، القطّ الخنفور، والكلب أبو ناب)، ثمّ شجرة الزيتون العجوز "أمّ رومي" وعمرها 1500 عام، وهي مهدّدة من قبل السلطات الإسرائيليّة بالاقتلاع من مكانها في الضفّة لنقلها إلى مدينة العفولة، فتمنحه هذه الشجرة سرّها المتمثل بالزيت المقدّس الذي يجعله غير مرئيّ بعد أن يمسح جسده به، الأمر الذي يساعده على تجاوز الجدار العازل والوصول إلى والده في السجن.
وتمكّن جود من زيارة والده بفضل زيت "أمّ رومي" المقدّس، لتبلغ الحكاية ذروتها، حين يشعر الأب بأنّه سيفقد عقله من شدّة المفاجأة، حين يسمع صوت طفل يناديه، قائلاً: "أنا ابنك جود".
حضر "المونيتور" حفل إطلاق الرواية وقدّمتها القاصّة المتخصّصة بأدب الفتيان الكاتبة أحلام بشارات وعلّق عليها الشاعر ورئيس دائرة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة بيرزيت البروفسّور عبد الرحيم الشيخ.
وأشارت أحلام بشارات إلى أنّ الرواية تجسّد "حرمان أطفال الأسرى الفلسطينيّين من زيارة ذويهم وكيف يكبرون من دون رؤيتهم، إضافة إلى أطفال اعتقلوا في السجون فتنهش طفولتهم ويكبرون داخلها، لتصل الرواية في نهايتها إلى أنّ الفلسطينيين يعيشون سواء في الضفة او غزة في سجن كبير، وبالتالي فأن المستقبل الذي سيعيشه الفلسطينيّون يحتاج إلى التحرّر، من أقدم أسير في السجون وهو الاحتلال"، وقالت: "كان دقّة الذي عاش 32 عاما في السجن، في نصوص وحوارات روايته منتصرا للحريّة والأمل وليس اليأس او الاحباط، وهذا تجلى من خلال حواره مع ابنه في السجن اثناء زيارته وحثه على التمسك بالاخلاق والعلم والحرية ".
إنّ "حكاية سرّ الزيت"، التي تتحدّث عن الأسرى، هي الجزء الأوّل، وستتبعها حكاية أخرى سيكتبها دقّة بعنوان: "حكاية سرّ السيف" عن اللاّجئين والعودة. وأصدر خلال اعتقاله كتباً عدّة، أهمّها: "صهر الوعي" و"الزمن الموازي" الذي جرى تحويله إلى مسرحيّة قُدّمت على مسرح "الميدان" في حيفا، ويشرح فيه حالة السجين ونظام حياته في الأسر.
ويعدّ دقة (57 عاما) من الأسرى القدامى في سجون الاحتلال فهو اعتقل عام 1986 أي قبل اتفاقية اوسلو وكان يبلغ من العمر 25 عاما،وصدر بحقه حكما بالسجن المؤبد لتشكيله خليه عسكرية قامت بخطف جندي إسرائيلي وقتله عام 1984.
في عام 1999 تزوج دقة بالصحافية سناء سلامة داخل السجن ، وكانت سابقة في تاريخ الحركة الأسيرة، واستطاع انتزاع موافقة من ادارة السجون بالتقاط صور وفيديو له خلال الزفاف داخل السجن، لكنه لم يستطع الاختلاء بزوجته سناء وترفض السلطات الاسرائيلية منحهم ذلك، وبقي يأمل بانجاب طفل يسميه ميلاد، حيث عبر عن ذلك في رسالة كتبها من داخل السجن موجهة الى ابنه الذي لم يولد بعد بعنوان (أكتب لطفل لم يولد بعد).
كما تمكّن من الحصول على البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسيّة، وهو يعمل الآن للحصول على الدكتوراه.
أشار عبد الرحيم الشيخ، الذي قال أيضاً: رغم أنّ "الرواية موجّهة إلى اليافعين، لكنّ دلالاتها أبعد من ذلك، فهي في صميمها تتحدّث عن نطف الرجال المأسورة داخل السجون والأطفال المولودين في السجن أو الأطفال المعتقلين، أو الذين يحرمون من زيارة آبائهم، فهي تعرض الواقع من دون مجاملة".
أضاف: "الرواية تبرهن على الصمود، وأنّ البطل الفلسطينيّ لم ينته وقته، طالما بقي الاحتلال، متجسّداً ذلك البطل بجود المولود من نطفة مهرّبة من السجن".
ولفت إلى أنّ الرواية تحمل خلقاً (جنيناً) يأتي من سرّ شجرة الزيتون. وكما استطاع الفلسطينيّ الأوّل، الذي ولد من دون أب بيولوجيّ، وهو المسيح عيسى بن مريم، من شفاء الناس ومعالجتهم من خلال المسح بالزيت، استطاع الفلسطينيّ الأخير الذي ولد بشبهة بلا أب بيولوجيّ (نطفة محرّرة)، وهو جود بطل الرواية، من استخدام الزيت لمساعدة الناس.
ولعلّ الجملة الافتتاحيّة التي بدأ بها دقّة روايته تلخّص الكثير من أهدافه ورؤيته التي يريد إيصالها، حين قال: "أكتب حتّى أتحرّر من السجن، على أمل أن أحرّره منّي"، مستتبعاً إيّاها بإهداء قال فيه: "إلى جود حتّى يعيش طفولته، وإلى كلّ الأطفال الذين أصبحوا رجالاً ونساء بالغين قبل أوانهم، وإلى كلّ البالغين الذين حرمهم السجن طعم الطفولة".