مدينة غزّة - أثار ظهور المحلّل السياسيّ الفلسطينيّ ابراهيم المدهون الذي يشغل منصب مدير المركز الشبابيّ الإعلاميّ، أحد الأذرع الإعلاميّة التابعة إلى حركة حماس، ضيفاً عبر تطبيق "سكايب" في نشرة أخبار السادسة على شاشة قناة "i24 نيوز" الإسرائيليّة في 25 تمّوز/يوليو 2018، موجة غضب كبيرة بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعيّ الذين اعتبروا هذه الاستضافة تطبيعاً إعلاميّاً مرفوضاً مع إسرائيل.
وقناة "i24 نيوز" هي قناة إسرائيليّة ناطقة بـثلاث لغات هي العربيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة، أسّست في عام 2013، وبينما لم تتوافر في موقعها الإلكترونيّ أو في قناتها عبر "يوتيوب" أيّ نصوص تعريفيّة حولها، ذكر موقع "عرب 48" المتخصّص في نقل أخبار إسرائيل في تقرير أعدّه حول القناة نشر في تمّوز/يوليو 2014، أنّها قناة تهدف إلى تحسين صورة إسرائيل أمام الشعوب الأخرى وخصوصاً الشعوب العربيّة.
كان المدهون يتحدث خلال مداخلته عبر "i24 نيوز" حول التداعيات السلبية للأزمة المالية المتصاعدة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" على حياة اللاجئين الفلسطينيين، عقب القرار الأمريكي في 5 يناير الماضي، بتجميد 125 مليون دولار من مساعدتها السنوية لها، إلا أن ذلك لم يشفع له أمام المنتقدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرفض الرأي السائد في المجتمع الفلسطينيّ التطبيع الإعلاميّ مع إسرائيل والذي يقصد به التخاطب والحوار بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين عبر وسائل الإعلام.
ودعا المواطن محمّد الجاجا في منشور كتبه عبر صفحته على "فيسبوك" في 26 تمّوز/يوليو، إلى عدم استضافة المدهون على أيّ منبر إعلاميّ فلسطينيّ، بسبب ظهوره عبر القناة الإسرائيليّة. فيما كتب الصحافيّ المستقلّ محمّد جاسر على صفحته في فيسبوك في 27 تموز/ يوليو: "ظهورك على قناة إسرائيليّة لا ولن يغيّر من قناعة المستوطنين الإسرائيليّين، فأنت مجرّد إرهابيّ- مخرّب بنظرهم حتّى لو كنت سلميّاً!".
فيما انتقد الباحث السياسيّ الفلسطينيّ في معهد دراسات الشرق الأوسط في كندا هادي العجلة في منشور كتبه في 26 تمّوز/يوليو، ظهور المدهون عبر الشاشة الإسرائيليّة، واعتبر رفض التعامل مع الإعلام الإسرائيليّ نوعاً من أنواع مقاومة الاحتلال.
وقدّم المدهون في منشور كتبه في 26 تمّوز/يوليو اعتذاراً عن ظهوره على الشاشة الإسرائيليّة، قال فيه: "وصلني أخيراً عتاب مطوّل من أصدقاء أعزّاء لظهوري على قناة إسرائيليّة ناطقة بالعربيّة. كان هدفي من وراء اللقاء اختراق المجتمع الإسرائيليّ برؤية فلسطينيّة ورسالة المقاومة ونبض الشارع للتأثير في المتابع الإسرائيليّ وتغيير قناعاته وزعزعة جبهته الداخليّة".
وأضاف: "إنّني أعتذر رسميّاً إلى شباب فلسطين وإعلاميّيها وإلى كلّ مواطن فيها، عن سوء تقديريّ للموقف". وقوبل اعتذار المدهون بترحيب كبير من قبل غالبية المعلّقين على منشوره.
وفي مقابلة أجراها "المونيتور" مع المدهون، قال: "بعد اعتذاري هذا، لن أقبل بالظهور عبر أيّ قناة إسرائيليّة. لقد عاودت "i24 نيوز" الاتّصال بي لاستضافتي مجدّداً لكنّني رفضت ذلك. لقد اتّخذت هذا القرار استجابة لرغبة الجمهور الفلسطينيّ".
على الرغم من ذلك، إلّا أنّ المدهون لا يزال مؤيّداً لفكرة توظيف وسائل الإعلام الإسرائيليّة كوسيلة لنقل الرواية الفلسطينيّة إلى المجتمع الإسرائيليّ، وأضاف: "الرواية الفلسطينيّة يجب أن تكون حاضرة في كلّ وسائل الإعلام الدوليّة، حتّى الإسرائيليّة منها".
وتجاوز المدهون بظهوره عبر الشاشة الإسرائيليّة قرار حكومة حماس الصادر في 25 كانون الأوّل/ديسمبر 2012، والقاضي بمنع الصحافيّين والإعلاميّين من التعامل مع وسائل الإعلام الإسرائيليّة أو العمل معها، واعتبارها معادية للشعب الفلسطينيّ. ولكن لم تقم حماس بتوجيه أي عقوبة للمدهون على هذا التجاوز.
قال سلامة معروف رئيس المكتب الإعلاميّ الحكوميّ في غزّة (وزارة الإعلام في حكومة حماس السابقة)، وهو الجهة المخولة بمتابعة تنفيذ هذا القرار لـ"المونيتور": "إن ظهور المدهون عبر الشاشة الإسرائيلية، لا يعني على الإطلاق أن هناك تغير في موقف حماس الرافض للتطبيع الإعلامي مع إسرائيل. إن قرار الحكومة (حكومة حماس) بمنع التعامل مع وسائل الإعلام الإسرائيلية أو العمل معها، لا يزال سارياً، ويمكن اعتبار إقدام المدهون على التعامل مع هذه القناة الإسرائيليّة، اجتهاداً شخصيّاً في غير محلّه، من دون وجود أيّ قرار من حماس يسمح بفعل ذلك".
وتابع معروف: "لا نتّخذ أيّ عقوبات ضدّ المخالف لهذا القرار، ولكن ما نقوم به هو استدعاء المخالف ومناقشته بالدوافع، وتذكيره بضرورة الالتزام بالقرار، وأخيراً الطلب منه تقديم تعهداً مكتوباً أو شفوياً بعدم تكرار ذلك، وهذا ما جرى مع المدهون. ولكن في حال كرر المخالف فعلته، يتم إعلانه كمطبع مع إسرائيل وهذا ما يجعله منبوذاً في المجتمع الفلسطيني، ويتم دعوة وسائل الإعلام الفلسطينية بعدم التعامل معه"، معتبراً أن هذا القرار بمثابة حصن لحماية المجتمع الفلسطينيّ من الدعاية الإسرائيليّة.
وبيّن معروف أنّ حماس لا تزال ترى أنّ لا فائدة من الحوار مع الجمهور الإسرائيليّ أو التعامل مع وسائله الإعلاميّة، وتعتبر التطبيع الإعلاميّ اعترافاً بشرعيّة الاحتلال الإسرائيليّ.
فيما قال القيادي في حركة حماس يحيى موسى معلقاً على ظهور المدهون على القناة الإسرائيلية: "إن حماس ترفض التعامل الفلسطيني مع وسائل الإعلام الإسرائيلي، وهذا لا ينسحب على أعضائها وكوادرها الإعلاميين والسياسيين فقط، بل يشمل كافة الفلسطينيين"، واعتبر ظهور المدهون عبر قناة "i24 نيوز" الإسرائيلية، "ارتجالاً فردياً تم التراجع عنه".
لم يكن المدهون الوحيد الذي ظهر على شاشة "i24 نيوز"، إذ أجرت القناة ذاتها لقاءات مع فلسطينيّين آخرين من غزّة في نشرة الأخبار ذاتها، للحديث حول المصالحة الفلسطينيّة، مثل عضو اللجنة المركزيّة للجبهة الشعبيّة ذو الفقار سويرجو، والناطق باسم حركة فتح عاطف أبو سيف.
لم يتلقّ سويرجو وأبو سيف أيّ سخط شعبيّ مثل المدهون، والفارق هنا هو أنّه تمّ إجراء المقابلات معهما باستخدام مايكرفون بلا شعار تعريفيّ بالقناة كما ظهر في نشرة الأخبار، الأمر الذي يضع احتمال عدم إدراك الرجلين هويّة القناة التي تحدّثا إليها.
وهذا ما أكّده سويرجو الذي نفى خلال حديثه إلى "المونيتور" علمه بهويّة القناة التي أجرت معه المقابلة، وقال: "إنّ مراسل القناة كان يتحدّث بالعربيّة، وعرّف عن نفسه بأنّه مراسل لقناة عربيّة تدعى اللؤلؤة، لذا لم تساورني أيّ شكوك بأنّها قناة إسرائيليّة، ولو كنت أعلم أنّ التصريحات إلى قناة "i24 نيوز" الإسرائيليّة، لرفضت الحديث، لاعتبار ذلك تطبيعاً إعلاميّاً مرفوضاً مع إسرائيل".
بالنسبة إلى أبو سيف، فهو أيضاً نفى لـ"المونيتور" علمه إن كان قد أجرى حديثاً إلى قناة "i24 نيوز" الإسرائيليّة، واكتفى بالقول: "لا أجري مقابلات مع وسائل إعلاميّة إسرائيليّة".
بالنسبة إلى معروف فيؤكّد عدم منح هذه القناة أيّ تراخيص للعمل في قطاع غزّة، وهذا يعزّز لديه فكرة أنّ ثمّة مراسلين مغمورين يعملون لصالح القناة بالخفاء تحت مسمّيات وسائل إعلاميّة وهميّة، من أجل كسب المال.
مفهوم التطبيع الإعلاميّ مع إسرائيل، ليس مقتصراً فقط على إجراء مقابلات فلسطينيّة لصالح الإعلام الإسرائيليّ، بل يشمل أيضاً إجراء وسائل الإعلام الفلسطينيّة مقابلات مع الإسرائيليّين.
وكانت مقابلة أجرتها صحيفة القدس الفلسطينيّة مع وزير الدفاع الإسرائيليّ أفيغدور ليبرمان في تشرين الأوّل/أكتوبر 2016، أثارت موجة غضب فلسطينيّة كبيرة.
ويرى أستاذ الإعلام والعلاقات العامّة في جامعة بيرزيت في رام الله نشأت الأقطش خلال حديثه إلى "المونيتور"، أنّ ترك فكرة الحديث مع الإعلام الإسرائيليّ عموماً أمام الفلسطينيّين يعدّ تطبيعاً مرفوضاً مع إسرائيل.
ولكنّ الأقطش يرى أنّه لا ضير من تحدّث خبراء إعلاميّين فلسطينيّين مع الإعلام الإسرائيليّ، وقال: "يجب أن يكون لدينا خبراء إعلاميّون محترفون ومتخصّصون بالحديث مع الإعلام الإسرائيليّ، من أجل إحداث اختراق حقيقيّ للوعي الإسرائيليّ، ومعنى اختراق هنا هو جعل الرواية الفلسطينيّة من الصراع الدائر تتسلّل بنجاح إلى عقول الإسرائيليّين"، ولكنّه أضاف: "أنا لا اعتقد أنّنا كفلسطينيّين نمتلك كوادر قادرة على فعل ذلك حتّى اللحظة".