القاهرة – بدأت زوبعة سياسيّة جديدة في القاهرة رفضاً للتطبيع مع إسرائيل في 20 تمّوز/يوليو، بنشر تقارير إعلاميّة على لسان مصدر مسؤول في شأن تفاصيل لقاء جديد (لم يذكر موعده بالضبط) جمع السفير الإسرائيليّ في القاهرة ديفيد جوفرين وعالم الاجتماع ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائيّة سعد الدين ابراهيم في منزل الأخير، تضمّن مطالبة ابراهيم بالمساعدة على تخفيف حــدّة هجوم الإعلام المصريّ على إسرائيل
الذي يصف اسرائيل بالـ "العدو". ويأتي ذلك بالتزامن مع موجة هجوم عارمة من وسائل الاعلام المصرية ضد قانون القومية اليهودية,وحيث اعتبره الرأي العام بمصر يمثل عنصرية اسرائيل تجاه الفلسطينيين.
وأضاف المصدر أنه تمت إستشارة ابراهيم خلال الإجتماع عن كيفيّة تدعيم الدبــلوماسيّة الشعبيّة بين مصر وإسرائيل، وتبنّي فكرة مدّ خطّ سكّة حديد بين البلدين، وإيفاد الطلّاب المصريّين إلى إسرائيل.
تحدث "ابراهيم" مباشرة عن ما دار في لقاؤه بالسفير الاسرائيلي بينما لم يتطرق الى موعد اللقاء تحديدا أو مكانه ,و قال ابراهيم: "السفير الإسرائيلي تحدّث خلال لقائنا عن أنّ الرأي العامّ في إسرائيل يرى أنّ التواصل الشعبيّ مع مصر منذ اتّفاقيّة السلام بين البلدين لم يتمّ تفعيله في الشكل المرجوّ".
وأضاف: "أصوات عدّة في إسرائيل تطالب بضرورة التنسيق في شكل فعّال مع مصر من أجل التفاعل والسفر والتبادل التجاريّ والثقافيّ، أسوة بالتنسيق الأمنيّ الذي يتمّ بين البلدين يوميّاً لحفظ الأمن في سيناء، ولهذا طرح السفير خلال اللقاء ما يتعلّق بأهمّيّة وجود خطّ سكّة حديد يربط البلدين".
ووفقاً لابراهيم، فإنّ "السفير الإسرائيليّ تحدّث عن وجود خطّ سكّة حديد قديم يمكن إحياؤه، كان قائماً ويمتدّ من القدس إلى داخل الحدود المصريّة، ولكن بعد عام 1947، وبسبب نشأة إسرائيل، توقّف الخطّ والمبادلات التجاريّة التي كانت تتمّ من خلاله.
ويأتي حديث السفير الإسرائيليّ في القاهرة عن رغبة تلّ أبيب في إحياء خطوط السكّة الحديديّة القديمة مع مصر بالتزامن مع ما تخطّط له الحكومة الإسرائيليّة لمشروع سكّة حديديّة تربطها بدول عربيّة، حيث تضمّنت موازنة إسرائيل لعام 2019، التي أقرّها الكنيست في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، تخصيص 15 مليون شيكل لوضع مخطّط هندسيّ لها، ويسمّى المشروع داخل إسرائيل "قضبان السلام"، وسيمرّ من "إسرائيل إلى المملكة العربيّة السعوديّة، عبر الحدود الأردنيّة ومدينة جنين في شمال الضفّة الغربيّة المحتلّة، وتستهدف منه حكومة بنيامين نتنياهو ربط الشرق الأوسط بالعالم كلّه من خلال إسرائيل، ممّا يعمل على تقوية اقتصادها وزيادة نفوذها في المنطقة وتقريبها من الدول العربيّة، وتسعى إسرائيل إلى حشد الدعم الإقليميّ والدوليّ من خلال الإدارة الأميركيّة من أجل إتمامه"، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيليّة.
ويستكمل ابراهيم حديثه، قائلاً: "إنّ وجهة نظري في ما تمّ طرحه في اللقاء تركّزت على أنّ قضيّة فلسطين تظلّ عائقاً أمام إزاحة الموقف المصريّ المتحفّظ في التعامل مع إسرائيل".
ولم تنته تلك الزوبعة عند مجرّد توجيه النقد اللاذع إلى ابراهيم، بسبب إصراراه على القبول بالتطبيع مع إسرائيل، وهو الأمر المرفوض شعبيّاً في القاهرة، وإنّما تصاعد الأمر في 22 تمّوز/يوليو ببلاغ إلى النائب العامّ المصريّ ضدّ ابراهيم بتهمة التخابر مع إسرائيل قدّمه طارق محمود محامي مصريّ في محكمة النقض المصريّة والمحكمة الدستوريّة العليا.
واعتبر عضو المكتب الثوريّ لحركة فتح حازم أبو شنب في حديثه إلى "المونيتور" أنّ هذه الأطروحات الإسرائيليّة الخاصّة بمدّ خطوط سكّة حديد عبر المنطقة العربيّة هي إعادة إنتاج للأطروحات السابقة لرئيس الوزراء الأسبق شيمون بيريز التي حملت عنوان "الشرق الأوسط الجديد"، والتي تكرس توسع وإندماج إسرائيل في محيطها العربي.
وفي حديث إلى "المونيتور"، قال الخبير المتخصّص في الشؤون الإسرائيليّة والمحلّل السياسيّ منير محمود إنّ حديث السفير الإسرائيليّ في القاهرة في هذا التوقيت عن خطّ سكّة حديد مع مصر ربّما يكون مرتبطاً بالخطوات المصريّة لإنشاء خطّ سكّة حديد يربطها بالسودان وإثيوبيا". وأضاف: "الحديث الإسرائيليّ عن شبكة ربط خليجيّة أوروبّيّة سيدعمه بقوّة الربط مع مصر هي الأخرى لتسهيل التوغّل في العمق الأفريقيّ".
وكان وزير النقل المصريّ المهندس هشام عرفات قد أعلن في 15 شباط/فبراير الماضي عن البدء مع دراسة الجدوى الاقتصاديّة الخاصّة بسكّة حديد تبدأ من مدينة 6 أكتوبر في القاهرة وحتّى السودان وإثيوبيا، وهو المشروع الذي تمّ الاتّفاق عليه بين قادة مصر والسودان وإثيوبيا خلال قمّة ثلاثيّة جمعتهم في أديس أبابا في 29 كانون الثاني/يناير الماضي.
وقال نقيب المهندسين المصريّ السابق طارق النبراوي في حديثه إلى "المونيتور" إنّ ربط خطّ سكك حديد مع إسرائيل أمر مرفوض من قبل جموع المهندسين في مصر وفق موقف تتّخذه النقابات المهنيّة المصريّة كافّة بعدم التطبيع. وأضاف: "رفضنا لا يتعلّق بأمر فنّيّ أو هندسيّ، وإنّما بموقف سياسيّ لا يقبل التعاون مع كيان احتلاليّ".
ورفض وكيل لجنة الدفاع والأمن القوميّ في البرلمان المصريّ يحيى كدواني في حديثه إلى "المونيتور" إعطاء لقاء جوفرين وابراهيم اهتماماً، مؤكّداً أنّه تمّ مع شخص ليس له صفة رسميّة، وناقش أموراً تتعلّق بالسيادة المصريّة. وأضاف: "على إسرائيل أن تبدي حسن النوايا أوّلاً في إحراز تقدّم على صعيد القضيّة الفلسطينيّة، لتعطي الثقة للشعوب العربيّة بالقبول بها".
وبالحديث عن الفوائد الاقتصاديّة منفردة لشبكة خطوط السكّة الحديديّة بين إسرائيل ومصر، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر صلاح الدين فهمي إنّ هذا الربط يمثّل ظهيراً لحركة التجارة في الشرق الأوسط، إلّا أنّه سلاح ذو حدّين لمصر، ونظراً لتفوّق الاقتصاد الإسرائيليّ على المصريّ، ولا بدّ من الدفع بالاقتصاد المصريّ أوّلاّ".
الطموحات الإسرائيليّة بالانفتاح على العالم العربيّ والأوروبّيّ والأفريقيّ في آن واحد من خلال شبكة ربط سكّة حديد خطّة ذكيّة، تواجهها حواجز كثيرة تتعلّق بسياسة الخطوط الحمراء في قضايا التطبيع مع إسرائيل على المستويين العربيّ والمصريّ تضامناً مع القضيّة الفلسطينيّة.