اسطنبول: كان التغيّر في حياة السوريّين كبيراً خلال السنوات الماضية جرّاء ما تعرّض إليه بلدهم من سنوات غيّرت طبيعة البلد وعادات سكّانه. فبعد اندلاع الثورة السوريّة في عام 2011، وبدء النظام السوريّ عمليّاته الحربيّة في أنحاء البلاد، تمّ إغلاق العديد من الطرقات، كما تمّ إغلاق مداخل بعض المدن التي تحاصرت ومخارجها، منها من دخلها النظام السوريّ بعد فترة، ومدن أخرى تحصّنت المعارضة في داخلها ليبقى النظام يحاصرها من الخارج، وبالتالي لم يعد ممكناً الدخول إلى هذه المناطق والخروج منها.
وبعد مدّة من إدراك أنّ نهاية هذه الأزمة في سوريا لن تكون قريبة، بدأ البحث عن بدائل، وذلك رغبة من الشباب الموجود في هذه المنطقة في متابعة تعليمه أو بدء التعلّم في اختصاصات جديدة من بيوتهم أو في مراكز معتمدة ضمن مناطقهم التي يستطيعون الوصول إليها.
كانت الجامعات الافتراضيّة التي تقوم بتزويد الطلّاب بالدراسة عن بعد الحلّ لهؤلاء الطلّاب المحاصرين. جامعة University of the People هي إحدى الجامعات التي توجّه إليها الطلّاب المحاصرون في غوطة دمشق، حيث أنّها تضمّ ما يقارب الـ600 طالب في مختلف أنحاء سوريا، وعدد لا بأس به كان يقيم في غوطة دمشق المحاصرة.
عاد عبادة شلهوب، وهو أحد طلّاب الجامعة في الغوطة، وبعدما توقّف عن التعلّم لمدّة ثلاث سنوات، ليلتحق بهذه الجامعة، ويقول: "صراحة، عندما خرجت المناطق التي نقيم فيها عن سيطرة النظام السوريّ في 1 تشرين الأوّل/أكتوبر 2012، كانت تفتقر إلى كلّ مقوّمات التعليم، خصوصاً أنّ النظام قام باستهداف المدارس، وكنت حينها أدرس البكالوريا أي أنّني مقبل على المرحلة الجامعيّة، وهنا توقّف التعليم (الجامعيّ خصوصاً) لمدّة 3 سنوات، حصلت خلالها على شهادة البكالوريا، ممّا اضطرّني للبحث عن بدائل للجامعات غير الموجودة في الغوطة، حينها تمّ افتتاح مراكز جامعيّة عدّة، فقمنا بالتسجيل فيها والدراسة لمدّة سنتين، لكن نظراً إلى عدم الاعتراف بها في ذلك الوقت، قمنا بالتسجيل في جامعة افتراضيّة تعرّفنا عليها عن طريق البحث عبر الإنترنت وهي University of the People، وقد شجّعنا على التسجيل فيها أنّها لا تطلب أيّ رسوم من الطلّاب، وكذلك لأنّ الاعتراف بها مضمون في حال السفر إلى خارج سوريا، وهذا ما حصل معنا أخيراً".
تتطلّب الجامعات الافتراضيّة العديد من المتطلّبات التي قد لا تتوافر لدى الجميع، مثل اللغة الإنكليزيّة وتوافر الإنترنت والكهرباء الذي يعتبر عائقاً في منطقة محاصرة مثل غوطة دمشق التي تعاني من أزمة كهرباء ومحروقات.
أكاديمية مسار هي مجموعة تعليمية للدراسة ما بعد الجامعية تعمل في مناطق مختلفة من سوريا، كان لها فرع في الغوطة الشرقية، ويقول الأستاذ بشار إنجيلة للمونيتور "بالنسبة لمناهجنا ضمن الأكاديمية فإننا قمنا بانتقاء المواد المقررة من المناهج المعتمدة في عدة جامعات عالمية مع بعض التعديلات من قبل مختصين ولم نعتمد على مقررات الجامعات الحكومية السورية وذلك بسبب عدم مواكبته للتطور الذي طرأ في السنوات الأخيرة، فقمنا بافتتاح الأكاديمية في الغوطة وذلك لوجود العديد من الطلاب الذين توقفت دراستهم نتيجة الحرب والحصار المفروض على الغوطة الشرقية وبعد جهود حثيثة استطعنا الحصول على اعتراف من الحكومة السورية المؤقتة (التابعة للمعارضة) ونسعى لتطوير العمل على الصعيد العالمي".
وقال ماجد دعاس، وهو من الغوطة المحاصرة ويدرس علوم الكمبيوتر في جامعة University of the People، عن ذلك:"انقطعت عن الدراسة 3 سنوات في بداية الحصار، وبعد فترة بدأت جهات تعليميّة بتأمين التعليم بعد الشهادة الثانويّة، لكنّ مستوى التعليم فيها متدنٍّ والشهادات غير معترف بها، ثمّ سمعت من أحد أصدقائي عن جامعةUniversity of the People، فبحثت عنها والتحقت بها، على الرغم من المعيقات المتمثّلة في توافر الإنترنت والكهرباء، ولكن يجب علينا الإصرار والدراسة لإعادة إعمار البلد في المستقبل. هناك كثيرون من الناس لا يستطيعون الدراسة والتعلّم، منهم الأشخاص في المخيّمات أو النازحون، حتّى أنّ بعض الناس تركوا الجامعات ليستطيعوا العمل وتأمين الطعام لأهلهم".
تختلف الجامعات الافتراضيّة عن الجامعات العاديّة من حيث حياة الطالب الجامعيّة التي لا يمتلكها الطالب في الجامعة الافتراضيّة. وقال دعاس: "الفرق بين الدراسة في الحصار والحياة الطبيعيّة كبير، فهي حياة أخرى يطول الحديث عنها ويطول، فالدراسة في الجامعة بالحالة الطبيعيّة تكون فيها حياة جامعيّة واجتماعيّة، يكون هناك أصدقاء والرفاهيّات كلّها مؤمّنة، بينما الدراسة الافتراضيّة في الغوطة هي دراسة لأجل الدراسة فقط".
ومن ناحيتها، أولت الجامعة اهتماماً مميّزاً بالطلّاب من سوريا، كونهم يدرسون على الرغم من الصعاب والحرب في بلدهم. وفي لقاء لــ"المونيتور" مع مديرة العلاقات العامّة في الجامعة سارة فانونو، قالت إنّ لديهم ما يقارب الـ600 طالب من سوريا، كان هناك حوالى 10 أشخاص محاصرين في دوما، وعلى الرغم ممّا يعانوه، كان الطلّاب يبذلون قصارى جهدهم لمواكبة دراستهم، وبما أنّ الإنترنت أمر أساسيّ، طلب الذين كانوا غير قادرين على الاتّصال بانتظام به بما فيه الكفاية، إجازة مع نيّة العودة بمجرّد استقرار الأمور.
ولدى سؤالنا لها عن شعورهم ككادر في الجامعة عند سماعهم أخبار سوريا، قالت: "نحن فيUniversity of the People، نهتمّ بأن يكون طلّابنا في أحسن حال. في الواقع، يتمّ تعيين مستشار شخصيّ لكلّ طالب لمتابعة البرنامج معه، فيقوم بالتدقيق والتأكّد من أنّه يعمل في شكل جيّد، ويقوم بدعم الطالب أيضاً طوال رحلته الأكاديميّة. ونحن دائماً كنّا نتابع الطلّاب في حال حدوث كوارث في مناطقهم (الزلازل، الهجمات الإرهابيّة، إلخ). وفي الأيّام الأخيرة، كنّا قد تابعنا الأخبار عن كثب في الغوطة، كون لدينا العديد من الطلّاب فيها، وكنت أنا على اتّصال بعدد من الطلّاب في دوما قبل الهجومّ الأخير. أعلم أنّهم يقدّرون الاهتمام الذي نعيره لهم والدعم الذي نحاول تقديمه إليهم، لكنّني لا أعتقد أنّهم يدركون مدى الإلهام والتشجيع الذي يمنحوننا إيّاه، وأن يمرّوا بما يمرّون به وأن يظلّوا أقوياء مع هذا التصميم والالتزام، إنّه حقّاً أمر رائع".
كذلك كانت هناك مؤسسات أخرى حاولت تقديم خدمات تعليمية في المناطق المحاصرة مثل جامعة حلب الحرة التي تنتشر لها فروع في العديد من مناطق المعارضة، وتقدم خدمات الدراسة لما بعد المرحلة الثانوية. محمد نور التيناوي طالب كلية الطب البشري سنة ثالثة في جامعة حلب الحرة فرع الغوطة يقول لللمونيتور "اتجهنا نحو التعليم لعلمنا أن المستقبل للعلم بأي حال من الأحوال بالإضافة إلى نقص حاد في الكوادر المتعلمة بشكل عام كون القسم الأكبر منهم خرج من مناطقنا خلال السنتين الأوليتين من الثورة و خصوصا الكوادر الطبية ما دفعنا إلى اختيار فرع الطب لسد الثغرة ومعالجة المرضى والمصابين، وقد عملت في المشفى الميداني للمدينة بصفة طالب طب في قسمي الإسعاف و العناية المشددة. “
وأضاف: "تعتمد الكلية منهاج جامعة دمشق بالإضافة إلى بعض المواد التي تم أخدها عن طريق الإنترنت من خلال التعاون مع جامعتي yale university و Albany الأمريكيتين وقد حصل عدد من الطلاب - كنت واحدا منهم- على شهادة في كورس اللغة الإنجليزية للمستوى المتوسط والمتقدم من جامعة ألباني".
تعدّ مشكلة التعليم في سوريا من المشاكل الضخمة التي قد تشكّل خطراً على مستقبل سوريا بحسب تقرير منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة "يونيسف" حول سوريا في عام 2017، وهذا بعد سبع سنوات من الحرب في سوريا التي دمّرت نواحٍ عدّة من الحياة، وكان التعليم إحدى هذه الضحايا.