يستعين الجيش الأميركي بأكثر من 5,500 متعاقد في الحملة الهادفة إلى إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) في سوريا والعراق، وفق ما كشفه البنتاغون في تقرير فصلي صدر هذا الأسبوع، ويتضمّن لأوّل مرّة إقراراً باستخدام متعاقدين في منطقة الحرب السوريّة.
تؤشّر آخر الأرقام الصّادرة عن القيادة المركزية الأميركيّة إلى أنّ 5,508 متعاقدين أميركيّين وأجانب يعملون إلى جانب القوات الأميركية في منطقتَي القتال، أي بزيادة 581 متعاقداً، أو ما نسبته 12 في المئة، مقارنة بالأرقام التي نُشِرت في كانون الثاني/يناير، والتي لم تشمل المتعاقدين في سوريا. وتجدر الإشارة إلى أنّ نحو نصف المتعاقدين هم مواطنون أميركيّون، في حين أنّ الباقين هم من السكان المحليّين أو من بلدان أخرى.
يأتي الكشف عن هذه الأرقام في وقتٍ أشار فيه الرئيس دونالد ترامب إلى رغبته في سحب القوات الأميركية من سوريا "قريباً جداً" بعد انتهاء مهمة محاربة داعش. كذلك يخضع دور المتعاقدين في سوريا لتدقيق متزايد بعد مصرع مئات المتعاقدين الروس في معركة مع القوّات الأميركيّة وقوّات سوريا الديمقراطيّة بقيادة الأكراد في محافظة دير الزور الغنيّة بالنفط، وفق ما أكّده علناً مدير وكالة المخابرات المركزية ووزير الخارجية المكلّف مايك بومبيو في خلال جلسة الاستماع للموافقة على تعيينه في مجلس الشيوخ في 12 نيسان/أبريل الجاري.
لكن على النقيض من الروس، يركّز المتعاقدون الأميركيّون بشكل خاص على تقديم الدّعم للجنود الأميركيّين في سوريا البالغ عددهم 2,000 جندي، عبر تزويدهم بالوجبات الساخنة، والبنزين وسواها من الإمدادات. يقدّم أكثر من 30 في المئة منهم الدعم للأمور اللوجستية والصيانة، بحسب التقرير الفصلي الصادر عن البنتاغون، ويساعد 27 في المئة منهم في تقديم الدعم للثكنات العسكرية الأميركية في المنطقة، وبنائها.
قال بيتر سينجر، وهو زميل ومحلّل استراتيجي رفيع المستوى في مركز "أمريكا الجديدة" للدراسات والأبحاث في واشنطن: "هذا مختلف عن دور المتعاقدين الروس في سوريا، والذي يقوم... على نشر وحدات عسكرية تكتيكية بحجم سريّة. إنه الدور القديم الذي كانت تقوم به شركة هاليبورتن".
يشارك أيضاً أكثر من 400 متعاقد "أمني" في القتال في البلدَين، إنما "لا نرى الفرقة العسكريّة الأميركيّة الخاصّة رقم 163 تجتاح مدينة في سوريا"، على حدّ تعبير سينجر. كذلك يساهم المتعاقدون العسكريّون الروس في حماية الحقول النفطيّة في مختلف أنحاء البلاد، فيؤمّنون بذلك الحماية لقطاعٍ كان يمثّل ربع إيرادات الحكومة السوريّة في العام 2010.
على الرغم من أنّ التقارير السابقة بشأن طاقم وزارة الدفاع في المنطقة لم تأتِ على ذكر وجود متعاقدين تابعين للبنتاغون في سوريا، أقرّت وزارة العمل الأميركية في تقرير صدر العام الماضي، بمصرع متعاقدَين وإصابة ستة بجروح في السنة المالية 2017. ولا تعبّر أرقام البنتاغون عن المتعاقدين الذين يعملون لدى الأجهزة الأميركية أخرى، مثل وزارة الخارجية، التي تساعد في عمليات نزع الألغام.
يأتي إقرار البنتاغون بعد أخذ وردّ حرج بين ترامب وبعض كبار مستشاريه العسكريّين والدبلوماسيّين في اجتماع لمجلس الأمن القومي الأسبوع الماضي. ففي حين يريد الرئيس إعلان النصر على تنظيم الدولة الإسلامية والانسحاب، طلب البنتاغون من القائد الأعلى للقوات المسلّحة إبقاء القوّات الأميركيّة في سوريا لمنع خلايا المتمرّدين من إعادة تنظيم صفوفها عند الحدود السوريّة مع العراق.
قال الجنرال جوزف فوتل، قائد القيادة المركزية الأميركية، في تجمّع عام الأسبوع الماضي: "لا يزال الجزء الصعب أمامنا" في البلد التي تمزّقه الحرب. وعلى مسافة أقلّ من ميل واحد في البيت الأبيض، بدا أن ترامب يُناقض التعهّدات الأميركية بمواصلة الانخراط في القتال في سوريا، في خلال اجتماع مفتوح لمجلس الوزراء بعدما دأب على التعبير عن إحباطه من الإنفاق العسكري الأميركي في الشرق الأوسط. كذلك أعلن البيت الأبيض مؤخّراً عن خفض المبالغ المخصّصة لإرساء الاستقرار في سوريا بواقع 200 مليون دولار.
يقول بعض الخبراء إنّ المتعاقدين يواجهون، على الرّغم من دورهم غير الناشط، عدداً كبيراً من المخاطر عينها التي تعرّضَ لها الجنود الأميركيون والقوات السوريّة الذين حاربوا المرتزقة الروس في شباط/فبراير الماضي. ففيما لا يزال تنظيم الدولة الإسلاميّة حرّاً طليقاً، والكثير من مناهضي الولايات المتّحدة جاهزين لطردها مع حلفائها، يواجه الموظّفون المدنيون خطر الاحتجاز في مرمى النيران.
يقول جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: "أظن أنّ شهر العسل الأميركي هنا لن يدوم أكثر من ستة أشهر. فتركيا، وسوريا وإيران تتحيّن الفرصة كي تطعننا بسكاكينها".