للمرّة الأولى في العراق، ستجري الانتخابات العامّة المقرّرة في أيّار/مايو المقبل بنظام إلكترونيّ حديث يضمن تقليل احتمالات التزوير وسرعة إعلان النتائج، بحسب المفوّضيّة العليا للانتخابات التي أعلنت في 9 نيسان/أبريل الجاري استكمال منظومتها الإلكترونيّة.
وعلى الرغم من المزايا المفترضة للعدّ والفرز الإلكترونيّين، إلّا أنّ ذلك لم يمنع بعض القوائم الانتخابيّة من إبداء مخاوفها من نظام التصويت الجديد، ذلك أنّ قلّة الخبرة وضعف الإمكانات وحداثة التجربة قد تضع نتائج الانتخابات في دائرة الشكّ والاتّهام، لا سيّما من قبل الأطراف الخاسرة أو التي ستحصل على عدد قليل من المقاعد في البرلمان المقبل.
التقى "المونيتور" نائب رئيس المفوّضيّة العليا للانتخابات في العراق رزكار حاجي للحديث عن تفاصيل نظام العدّ والفرز الإلكترونيّين، وأوضح أنّ "هذا النظام أعدّته المفوّضيّة السابقة التي تعاقدت مع شركة من كوريا الجنوبيّة اسمها "ميرو" لاستيراد الأجهزة الخاصّة بالعدّ والفرز الإلكترونيّين، واستقدمت حوالى 40 خبيراً كوريّاً لإدامة هذه الأجهزة وصيانتها".
وأضاف: "جهاز العدّ والفرز الإلكترونيّين هو جزء من صندوق الاقتراع، وتحديداً في غطاء الصندوق حيث يوجد ماسح ضوئيّ "سكنر" يصوّر أوراق الاقتراع ويفرزها على الفور"، مشيراً إلى أنّ "الناخب سيستخدم هذه المرّة ختماً خاصّاً بدلاً من القلم للإشارة إلى القائمة أو الناخب الذي يريد، والأجهزة ستقرأ هذا الختم فقط".
ولفت حاجي إلى وجود دورات تأهيل فنّيّة مستمرّة "لإعداد كوادر عراقيّة قادرة على العمل مع الأجهزة الكوريّة الحديثة، وهناك حوالى 100 موظّف تمّ تدريبهم ونتوقّع تدريب العشرات قبل موعد الانتخابات".
وعن احتمال حصول خلل أو سوء استخدام في عمل الأجهزة أو انقطاع في التيّار الكهربائيّ، قال حاجي إنّ "الأجهزة مزوّدة ببطّاريّات للطاقة تعمل من دون تيّار كهربائيّ لمدّة 12 ساعة، كما تمّ تزويد الصناديق في 58 ألف محطّة انتخابيّة بـ"فلاش" للذاكرة يقوم بحفظ النتائج على الفور التي تتمّ مقارنتها مع نتائج أجهزة العدّ والفرز للاحتياط".
وبيّن حاجي أنّ المفوّضيّة العليا للانتخابات "تعاقدت مع أقمار صناعيّة لإرسال نتائج الانتخابات من كلّ مركز انتخابيّ إلى مقرّ رئيس المفوّضيّة العليا للانتخابات في بغداد لضمان السرعة وإعلان النتائح خلال ساعات".
وبحسب نائب رئيس المفوّضيّة حاجي فإنّ الجانب الإلكترونيّ لن يقتصر على العدّ والفرز، حيث ستكون هناك أجهزر خاصّة (تمّ استيرادها من شركة "ندرا" الإسبانيّة) لقراءة البطاقة الانتخابيّة لكلّ ناخب وتسجيل بصمته لمنع تكرار التصويت ومعرفة العدد الحقيقيّ للناخبين".
مع ذلك، فإنّ المفوّضيّة العليا للانتخابات أقرّت بوجود ضغوط تمارسها جهات سياسيّة لإلغاء العدّ الإلكترونيّ في الانتخابات والعودة إلى العدّ والفرز اليدويّين، وعلى الرغم من أنّ المفوّضيّة لم تعلن عن أسماء هذه الجهات، إلّا أنّ أبرز كتلة أعلنت عن موقفها من الطريقة الإلكترونيّة الجديدة هي كتلة دولة القانون بزعامة نائب رئيس الجمهوريّة نوري المالكي، حيث طالبت في بيان في 30 آذار/مارس الماضي بضرورة "إجراء العدّ والفرزّ اليدويّين بعد إغلاق الصناديق في الانتخابات المقبلة في حضور المراقبين المحلّيّين والدوليّين لأجل عدم إعطاء أيّ فرصة للمشكّكين بنزاهة الانتخابات". فيما اعتبر القياديّ في المجلس الأعلى الإسلاميّ جلال الدين الصغير في تصريح إلى وكالة "الغد برس" في 14 نيسان/أبريل الجاري أنّ التزوير في الانتخابات البرلمانيّة أمر لا بدّ منه، مشكّكاً في الوقت نفسه بدقّة العدّ الإلكترونيّ، ومؤكّداً إمكان الغشّ في احتساب نتائج التصويت.
وعلى أيّ حال، فإنّ الحكم على كفاءة الأجهزة الإلكترونيّة في عمليّات العدّ والفرز لم يصدر حتّى الآن من لجان فنّيّة مختصّة يفترض أن تشكّلها المفوّضيّة العليا للانتخابات التي تؤكّد باستمرار أنّ هذه الأجهزة صنعت خصوصاً للعراق.
غير أنّ نائب رئيس المركز العراقيّ للدراسات الاستراتيجيّة والخبير في شؤون الانتخابات الدكتور باسل حسين أوضح في اتّصال مع "المونيتور" أنّ "المفوّضيّة العليا للانتخابات كانت ترفض الإفصاح عن اسم الجهاز وعلامته التجاريّة، وهو أمر غريب جدّاً".
وبيّن حسين أنّ "المركز العراقيّ للدراسات الاستراتيجيّة حصل على معلومات تفيد بأنّ الأجهزة التي استوردتها المفوّضيّة العليا للانتخابات تعاني من أعطال كثيرة وتحتوي على بطّاريّات غير جيّدة ولا يمكنها العمل لساعات طويلة، كما أنّها لم تخضع إلى حدّ الآن إلى اختبارات اللجنة الفاحصة، والاختبار الوحيد الذي سيجري عليها سيكون قبيل الانتخابات بأيّام قليلة في 24 نيسان/أبريل الجاري". وأردف: "نتوقّع أنّ المفوّضيّة تعرف بعدم كفاءة الأجهزة لذا أعطت الخطّة "ب"، وهي الاعتماد على العدّ والفرز اليدويّين".
وعن احتمالات حدوث حالات التزوير، قال الدكتور حسين إنّ "أكثر ما يثير القلق أنّ النتائج سترسل إلى قمر صناعيّ مقرّ إدارته في دولة عربيّة، من دون تشفير ومن ثمّ ترسل تلك النتائج بعد 200 ساعة، مشفّرة إلى بغداد، ممّا يعني وجود وقت كبير لاختراق تلك النتائج، وهنا نضع علامات استفهام كثيرة حول الغاية من صرف 100 مليون دولار لشراء هذه الأجهزة البائسة وحوالى 166 مليون دولار لشراء الخوادم الإلكترونيّة، وترك 200 ساعة من دون رقابة على نتائج الانتخابات".
في المحصّلة، ستجري الانتخابات التشريعيّة في البلاد الشهر المقبل، وفق نظام إلكتروني جديد، إلّا إذا ما صدقت التوقّعات بفشل النظام الحديث.