شكّلت المسيرة الحاشدة التي دعا إليها "التحالف التونسيّ من أجل المساواة في الميراث" في 10 آذار/مارس 2018، والذي يضمّ أكثر من 70 جمعيّة مدنيّة تدافع عن حقوق المرأة، أمام مقرّ البرلمان، من أجل المطالبة بسن قانون المساواة في الميراث بين الجنسين تحت شعار "المساواة حقّ وليس فضلاً"، منعرجاً جديداً في مضي نساء تونس في تحقيق مطالبهنّ، باعتماد الحشد والنزول إلى الشارع، بهدف الضغط على رئاسة الجمهوريّة والبرلمان التونسيّ لإقرار هذا القانون.
ويستند قانون الميراث الحالي في تونس على القوانين الصادرة عن مجلة الأحوال الشخصية التي أعلنها الرئيس السابق الحبيب بورقيبة في 13 أغسطس/آب 1956 والمستلهمة أساسا من النص القرآني وتحديدا سورة "النساء" حيث يرث الأخ في حالة تقاسم الأبناء للميراث ضعف ما ترثه شقيقته.
وكان رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السبسي قد وعد في الخطاب الشهير الذي ألقاه في 13 آب/أغسطس 20017 في إطار الاحتفال بذكرى عيد المرأة، بإحداث مجلّة الحقوق الفرديّة والمساواة بين الجنسين، وبمراجعة القوانين المتعلّقة بالميراث والواردة في مجلة الأحوال الشخصية بهدف تحقيق المساواة بين المرأة والرجل.
وأعلن السبسي في الخطاب ذاته عن تشكيل "لجنة الحرّيّات الفرديّة والمساواة" -متكونة من 9 أعضاء من محامين وناشطين في مجال حقوق المرأة وأستاذة جامعيين وتترأسها المحامية والحقوقية بشرى بلحاج حميدة- وأوكلت إليها مهمّة إعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحرّيّات الفرديّة والمساواة بين الجنسين، استناداً إلى ما نصّ عليه دستور ما بعد الثورة لسنة 2014 بتكريس المساواة بين المرأة والرجل، ليتمّ بعد ذلك عرض المقترحات والتوصيات على رئيس الجمهوريّة، ثمّ تمريرها إلى البرلمان للتصويت عليها في شكل نهائيّ.
وأكّدت الرئيسة السابقة للجمعيّة التونسيّة للنساء الديمقراطيّات – جمعيّة نسويّة تعنى بالدفاع عن حقوق المرأة- وإحدى المشاركات في المسيرة أحلام بلحاج في حديث إلى "المونيتور" أنّ نزول التونسيّات إلى الشارع، والتظاهر أمام البرلمان التونسيّ يهدفان أساساً إلى خلق نوع من الضغط الشعبيّ على رئاسة الجمهوريّة والبرلمان ورئاسة الحكومة، من أجل التسريع في سنّ قانون المساواة التامّة في الميراث بين الجنسين.
وتابعت: "نساء تونس اليوم لسن مستعدّات، بعد إرساء دستور 2014 الذي يعدّ مكسباً هامّاً وفخراً لكلّ امرأة تونسيّة، للتنازل قيد أنملة عن حقوقهنّ التي كفلها لهنّ الدستور، وفي مقدّمته المساواة التامّة في الميراث بين الذكر والأنثى".
وكان دستور مابعد الثورة في تونس قد حسم مسألة المساواة التامة بين الجنسين حين نص في الفصل 21 "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز".
وشدّدت بلحاج على أنّ "مطلب المساواة في الميراث ليس وليد اللحظة بل يعدّ مطلباً قديماً ناضلت من أجله الجمعيّة التونسيّة للنساء الديمقراطيّات منذ عام 1999، لكنّها لم تلق تجاوباً في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وأكّدت أنّ الوقت قد حان اليوم لتحقيق المساواة الفعليّة بين المرأة والرجل، وإلغاء كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة، في ظلّ تقاسم الأعباء الاقتصاديّة بينها وبين الرجل على حدّ سواء.
من جانبه، اعتبر العضو في لجنة الحرّيّات الفرديّة والمساواة صلاح الدين الجورشي في حديثه إلى "المونيتور" أنّ اللجنة تواصل النظر في وضع مقترحات وتوصيات تتعلّق بتطبيق المساواة بين الجنسين، وفي مقدّمتها قضيّة المساواة في الإرث، لتعرضها بعد ذلك على رئيس الجمهورية في مرحلة أولى ثم تمريرها على البرلمان -مشيراً إلى أنّ اللجنة اتّجهت إلى وضع خيارين في خصوص هذه القضيّة، يتعلّق الأوّل بالمساواة التامّة بين المرأة والرجل في الميراث، فيما يقترح الثاني الإبقاء على ما هو موجود حاليّاً في مجلة الأحوال الشخصية طبقاً للنص القرآني ، بطريقة تمكن المرأة من الاختيار بين قانونين قانون المساواة التامة أو القانون المعمول به حاليا خلال عملية قسمة الميراث.
وكانت أصوات نسوية تعالت خلال مسيرة 10 مارس/ آذار أمام مجلس النواب معارضة للمساواة في الإرث بين الجنسين باعتباره مخالفا للنص القرآني حسب قولها.
ولم يخف الجورشي شعور اللجنة بمأزق حقيقيّ أمام تعالي الأصوات النسويّة المطالبة بإقرار المساواة التامّة بين الجنسين، والتي جسّدتها مسيرة 10 آذار/مارس 2017 أمام البرلمان، مقابل تعالي أصوات أخرى تطالب باحترام ما جاء في النصّ القرآني في خصوص قضيّة الميراث.
وأضاف: " تحاول اللجنة وفقاً للمهام الموكلة إليها أن تمسك العصا من الوسط، بحيث تكون المقترحات والتوصيات معبّرة عن كلّ الآراء في تونس، ونحن ندرك مدى حساسية هذا الموضوع، لذلك قمنا بتأجيل تقديم التقرير النهائيّ إلى رئيس الجمهوريّة، إلى ما بعد الانتخابات البلديّة المزمع عقدها في 6 أيّار/مايو 2018، كي لا يكون هذا الملفّ محلّ مزايدات سياسيّة بين الأحزاب، قد يتمّ استخدامها في الحملات الانتخابيّة البلديّة."
وبينما تؤكّد الجمعيّات المدنيّة النسويّة في تونس عزمها خوض أشكال النضال السلميّة المتاحة كافّة في اتّجاه تحقيق المساواة التامّة في الميراث، تبقى هذه القضيّة محلّ جدل متواصل في انتظار ما ستعلن عنه لجنة الحقوق الفرديّة والمساواة في تقريرها المقبل.