كنت في مدينة ميلان الإيطالية بتاريخ 15 نيسان/أبريل عام 2015 عندما قرّرت حضور مباراة كرة قدم محلية في ملعب سان سيرو. كان فريق كرة قدم ميلان أحد الفرق المفضلة لدي منذ طفولتي وقد بدا لي ملعب سان سيرو في ذلك الوقت كخيار جيد لحضور أول مباراة كرة قدم لي مباشرة من أرض الملعب.
فمنذ أن هاجرت من إيران في عام 2012، لطالما حلمت بهذا اليوم. في الواقع لقد كنت أحلم بحضور مباراة من أرض المعلب منذ أن كنت في العاشرة من العمر.
بدأ حلمي ذات يوم مشمس في مدينة الأهواز في جنوب غرب إيران، ليلة شاهدت مباراة إيطاليا ضد نيجيريا في كأس العالم لعام 1994 في الولايات المتحدة. منذ ذلك اليوم، أصبحت كرة القدم جزء كبير من حياتي. كنت من بين المشجعين المتحمسين والمتابعين لأخبار كرة القدم وأشتري الصحف لأتابع الأخبار الرياضية. حتىّ أنني اشتريت قبعة وقميص ووشاح لفريقي المفضل. ولكن للأسف لم يكن باستطاعتي حضور أي مبارة كرة قدم من الملعب في إيران.. لأنني فتاة. ففي إيران لا يجوز للفتيات دخول ملاعب كرة القدم. بعدما انتقلت للعيش خارج إيران، تمكنت من تحقيق حلم الطفولة والدخول إلى الملعب. جلست في الصف الرابع في ملعب سان سيرو.
كان سان سيرو بمثابة حلم لي ولكن لم يكن الحلم الذي اخترته. فحلمي الكبير كان ولا يزال الوقوف داخل ملعب أزادي في طهران لمشاهدة مبارة كرة قدم إيرانية.
إن قصة غرامي بكرة القدم وعدم تمكني من دخول الملعب هي قصة العديد من النساء في إيران. فهؤلاء قد حاولن مرارًا وتكرارًا كسر هذا الحاجز وأطلقن في عام 2005 حملة تحت اسم "الأوشحة البيضاء" للدفاع عن حق المرأة بدخول ملاعب كرة القدم. كما وقمن بمراسلة فيفا احتجاجًا على التمييز بين الرجال والنساء في الملاعب الرياضية في إيران.
وقد عبّرن عن سخطهم حول عدم المساواة في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. وكانت النساء يجتمعن على مدخل ملعب أزادي يهتفون بالشعارات المنددة خاصة ضد المعايير المزدوجة حيث أنه يحق لنساء غير إيرانيات من دخول الملعب لتشجيع فرقهم التي تلعب ضد المنتخب الإيراني. وقد حاولت الكثير منهنّ الدخول خلسةً إلى الملعب متنكرات كرجال لتنتشر صور اعتقالهنّ في الصحف في اليوم التالي.
لقد أثمرت جهود النساء بوعود من الرئيس الحالي حسن روحاني وسلفه محمود أحمدي نجاد بمزيدٍ من الانفتاح في المجتمع لتتمكن النساء من حضور الأحداث الرياضية.
ولكن هذه الوعود لم تتحقق إذ أن كبار الرجال الدين الشيعة لا يزالون يعارضون دخول المرأة إلى الملاعب. بنظرهم انخراط المشجعات مع المشجعين في الملعب هو مخالف للشريعة وتجاهل واضح للقيم الإسلامية. ولكن هذا لم يضعف عزم النساء الإيرانيات لدخول ملاعب كرة القدم. فمع بداية مبارات الدوري الإيراني في هذا العام، انتشرت صور فتيات يدخلن إلى ملاعب كرة القدم في جميع أنحاء البلد، يرتدين ملابس رجال ويضعن الشعر المستعار والشوراب المزيفة والقبعات، مما سمح لبعضهن بالدخول بالفعل إلى أرض الملعب من دون أن يتمّ الإمساك بهنّ.
وقالت شبنم من الأهواز للمونيتور: "يهدف تحركنا الرمزي وتظاهرنا السلمي إلى لفت المزيد من الانتباه إلى هذه القضية. فهذه هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لدينا لمحاولة تغيير هذا الوضع. إذا أردنا الدخول إلى الملعب لن يسمحوا لنا بذلك. فلم يسمحوا لنا بالدخول إلى المباراة بين سوريا وإيران بتاريخ 5 أيلول/ سبتمبر الماضي، بينما سمحوا للسوريات بدخول ملعب أزادي لمشاهدة المباراة. لذلك فإن التظاهر السلمي هو الحلّ الوحيد للكثير من الفتيات للضغط بهذا الاتجاه".
وقد تمكنت شبنم من دخول ملعب غدير في الأهواز بتاريخ 23 كانون الأول/ ديسمبر ومشاهدة المباراة بين فريق فولاد خوزستان من الأهواز يلعب ضد فريق برسبوليس من طهران للمرة الأولى. "لطالما كان حلمي منذ نعومة أظافري أن أدخل إلى الملعب"، قالت شبنم للمونيتور.
"في كثير من الأحيان عند مشاهدة مباراة كرة قدم على التلفزيون كنت أركز على الاستماع إلى أصوات الجماهير بدلًا من المعلّق على المباراة وكنت أهتف مع الحضور. وذات يومٍ قررت أن أتنكّر في لباس رجل، الأمر الذي كان مهمة صعبة وشاقة بالنسبة لي. لقد كان عليّ أن أقصّ أظافري وأزيل طلاء الأظافر. كما وقمت باستخدام صبغة الشعر لرسم اللحية ووضعت شعر مستعار وارتديت ملابس رجالية".
في عام 2006، سلّط فيلم المخرج الإيراني جعفر باناهي "أوفسايد" الضوء على وضع مشجعات كرة القدم في إيران. إن الفيلم مقتبس عن قصة حقيقية ولكنه لا يزال حتى اليوم ممنوع من الصالات السينمائية في إيران.
ويروي الفيلم قصة ست فتيات يحاولن الدخول إلى ملعب أزادي متنكرات بملابس رجال لمشاهدة مبارا التأهل لكأس العالم لعام 2006 بين إيران والبحرين ويتمّ توقيفهنّ على عكس شبنم التي لاقت مساعدة من أقربائها الذكور. وقد تمكنت من دخول أرض الملعب ومشاهدة فريقها الفضل. "عندما رأيت لأول مرة عشب الملعب، اغرورقت عيناي بالدموع،" قالت شبنم للمونيتور.
وأضافت:"لقد كانت تجربة فريدة من نوعها بالفعل ولكن قلقي الدائم من أن يُفتضح أمري ويتمّ اعتقالي نغّص فرحة التواجد في الملعب. ستستمرّ النساء الإيرانيات في محاولة الدخول إلى الملاعب على الرغم من المجازفة بأن يتمّ اعتقالهنّ. ولكن هذه النزعة ستساعد على الأقل على لفت الانتباه إلى مطلبنا وأن يكون للمرأة الحق في دخول الملعب".