بغداد- يواجه رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي تقارباً غير معلن بين خصميه، الأوّل نوري المالكي الذي يتزعّم حزبه (حزب الدعوة الإسلاميّة)، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستانيّ مسعود بارزاني.
إنّ خطاب الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ تجاه المالكي تغيّر، فلم تعد التصريحات التي كانت تتّهمه بـ"تجويع" الشعب الكرديّ أو بالعمل ضدّ الإقليم موجودة، أو حتّى تلك التي وصفته بأنّه أقسى من صدّام حسين على الأكراد، بل يقول بعض القادة في الحزب إنّ المالكي يريد حلّ الأزمة بين بغداد وأربيل.
قال المالكي في 23 كانون الأوّل/ديسمبر خلال مقابلة أجرتها معه قناة رودوا الكرديّة المموّلة من نيجرفان بارزاني إنّ "معاقبة الشعب الكرديّ من أجل الحصول على أصوات أكثر في الانتخابات منطق معيب وغير جائز من الناحية الأخلاقيّة والوطنيّة والشرعيّة"، في إشارة إلى عدم إرسال حكومة العبادي رواتب موظّفي إقليم كردستان العراق إلى الحكومة هناك.
واعتبر نيجرفان بارزاني وهو رئيس حكومة إقليم كردستان العراق وابن شقيق مسعود بارزاني، تصريحات نائب رئيس الجمهوريّة المالكي تجاه الإقليم "إيجابيّة".
إنّ تبادل زعيم ائتلاف دولة القانون المالكي إشارات التقارب مع خصمه مسعود بارزاني يعتقد أنّها لن تكون في صالح رئيس الحكومة العراقيّة العبادي.
حصل مراسل "المونيتور" على معلومات من نائب ينتمي إلى حزب الدعوة طلب عدم الكشف عن اسمه، تفيد أنّ الحديث داخل الحزب الذي يترأّسه المالكي، يدور حول احتمال أن ينتج التقارب مع الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ "تحالفاً"، ومدى تأثيره على مستقبل مرشّح الحزب (الدعوة) لرئاسة الحكومة المقبلة.
وبحسب النائب المنتمي إلى حزب الدعوة، فإنّ المالكي سيقدّم شرحاً داخل التحالف الوطنيّ حول المعلومات التي تشير إلى تحالفه مع بارزاني الذي خاض، بحسب قولهم، تجربة "انفصاليّة" بعيداً عن الدستور العراقيّ، وهذا سيكون في الاجتماع المقبل للتحالف الوطنيّ في نهاية كانون الأوّل/يناير الحاليّ.
يرى الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ الذي يتّخذ موقفاً سلبيّاً من العبادي، أنّ تحالفه لذي قد يكون مع المالكي ربّما شكّل مخاوفاً لدى رئيس الحكومة العراقيّة، وهذا مؤشّر واضح تجاه التحرّكات التي يسعى إليها بارزاني وحلفاؤه في الفترة المقبلة.
لا أحد كان يتوقّع أيّ تقارب بين المالكي وبارزاني، لكنّ حاجتهما إلى تحقيق ما يتطلّعان إليه في الانتخابات المقبلة وتقويض حركة العبادي، سببان دفعا الطرفين إلى التفكير في تقريب المسافات التي طالت منذ عام 2010 حتّى نهاية عام 2017.
العلاقة بين المالكي وبارزاني لم تكن إيجابيّة منذ أكثر من سبع سنوات، فآخر مرّة كانا فيها على توافق هي اللحظة التي شهدت توافق الكتل السياسيّة على منح المالكي ولاية ثانية في عام 2010 أثناء اجتماعات أربيل الشهيرة.
لم يغب المالكي عن اللقاءات التي أجراها الوفد الرسميّ الذي قدم من إقليم كردستان العراق في 4 كانون الثاني/يناير 2018، في شأن إيجاد الحلول للمشاكل التي نتجت عن الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان في 25 أيلول/سبتمبر 2017.
لن يكون العبادي بعيداً عن أيّ تحالف بين المالكي وبارزاني أو تقارب بينهما، فزعيم ائتلاف دولة القانون يعتبر العبادي الصديق الخصم الذي حرمه الولاية الثالثة، بينما يتّخذ زعيم الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ موقفاً قوميّاً من العبادي الذي حرمه من تحقيق الحلم الكرديّ (الاستقلال).
قال المستشار الإعلاميّ للمالكي عبّاس الموسوي خلال مقابلة مع "المونيتور": "لا توجد هناك لقاءات رسميّة بين المالكي وبارزاني، لكن هناك لقاءات مستمرّة بين ائتلاف دولة القانون والقوى السياسيّة الكرديّة، وكلّ وفد كرديّ سياسيّ أو شعبيّ يأتي إلى بغداد، يلتقي بالمالكي".
ويبدو أنّ حديث النائب عن الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ طارق صديق أكثر صراحة من المستشار الإعلاميّ للمالكي، فهو أشار إلى "وجود مباحثات بين المالكي وزعامات الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ". وبحسب قوله، فإنّ هذا التقارب قد "يتحوّل إلى تحالف سياسيّ مستقبليّ".
قال مصدر في حزب الدعوة الإسلاميّة مقرّب من المالكي والعبادي، إنّ "هناك مؤشّرين سيحبطان محاولات المالكي في التقارب مع البارزاني".
وبحسب المصدر الذي تحدّث إلى "المونيتور" شرط عدم الكشف عن هويّته، فإنّ المؤشّر الأوّل يكمن في رفض بعض الكتل السياسيّة الكرديّة أيّ تقارب بين المالكي وبارزاني، والثاني متعلّق بإيران، التي تعتقد أنّ بارزاني يضرّ بمصالحها في الإقليم وسمح بوجود غرفة عمليّات في أربيل أنتجت التظاهرات الأخيرة في المدن الإيرانيّة".
يحاول زعيم ائتلاف دولة القانون المالكي العودة إلى الحكم من بوّابة الأكراد هذه المرّة، فالكتل السياسيّة في بغداد تعتقد الأكراد ورقة الحسم في تنصيب أيّ رئيس حكومة، لذا يريد المالكي كسب ودّهم قبل إجراء الانتخابات.
وفي تصريح أدلى به مدير المكتب الإعلاميّ للمالكي هشام الركابي في 26 كانون الأوّل/ديسمبر 2017، تحدّث عن "إمكان التحالف مع كلّ القوى السياسيّة بما فيها حزب البارزاني، شرط إيمانهم بمشروع الأغلبيّة السياسيّة".
إنّ الأيّام المقبلة سوف لن تشهد أيّ تحالف معلن بين المالكي وبارزاني أو تقارب بينهما، لكنّ مرحلة التحالفات التي ستعقب الانتخابات ستكون شاهدة على تحالف الخصوم لإبعاد العبادي من الحصول على ولاية ثانية.
في المحصّلة، إنّ التقارب بين المالكي وبارزاني سيحاول إعادة الأوّل إلى رئاسة الحكومة العراقيّة وإبقاء الثاني رئيساً لإقليم كردستان العراق في ظلّ الغضبين السياسيّ والشعبيّ منه، لكن هذا كلّه لم يتجاوز الدعوة السرّيّة بين الطرفين، في انتظار أن يعلنا عمّا يسعيان إليه في بغداد وأربيل.