أثار اقتراح الحكومة الإيرانيّة القاضي بزيادة ضريبة المغادرة ثلاثة أضعاف سخط الكثير من الإيرانيّين. وتشكّل هذه الزيادة المقترحة جزءاً من خطّة الموازنة الجديدة للسنة الماليّة المقبلة التي تبدأ في 21 آذار/مارس 2018. وقد رفع الرئيس حسن روحاني مسودّة الموازنة إلى مجلس الشورى في 10 كانون الأول/ديسمبر، لكنّ الجدل المحيط بالوثيقة قد يحول دون الموافقة عليها.
لطالما ترافق اقتراح موازنة حكوميّة جديدة في إيران مع جدل كبير. لكنّ المسودّة الأخيرة تثير الانتقادات أكثر من أيّ وقت مضى، خصوصاً أقسامها المتعلّقة بضرائب المغادرة.
لكن ما هي ضرائب المغادرة وكيف أبصرت النور؟ وافق مجلس الشورى الإيرانيّ على هذه الضريبة سنة 1985، نظراً إلى وضع البلد الاستثنائيّ في تلك الفترة، أي الحرب الإيرانيّة العراقيّة ونقص الأموال الحكوميّة. وبحسب هذا الإجراء، يتعيّن على كلّ شخص يريد السفر إلى الخارج جوّاً دفع رسم بقيمة 50 ألف ريال (1,40 دولاراً) للخزينة. ومع مرور الوقت، أصبح هذا القانون دائماً وارتفعت قيمة الرسم باطّراد. ويبلغ الرسم الحاليّ 750 ألف ريال (21 دولاراً)، لكنّ خطّة الموزانة الجديدة التي قدّمها روحاني تنصّ على ارتفاع هذا الرقم إلى 2,2 مليون ريال (61,80 دولاراً) لرحلة الفرد الأولى إلى الخارج. وترتفع قيمة الرسم إلى 3,3 مليون ريال (92,70 دولاراً) للرحلة الثانية وإلى 4,4 ملايين ريال (123,60 دولاراً) لجميع الرحلات الأخرى على فترة 12 شهراً.
وأثار خبر زيادة الرسم المقترحة ضجّة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، ما دفع المسؤولين الحكوميّين إلى الردّ. وقال رئيس منظّمة التراث الثقافيّ والصناعات اليدويّة والسياحة الإيرانيّة، علي أصغر مونسان، في 10 كانون الأول/ديسمبر: "ليس جيّداً أن يكون عدد السيّاح [الإيرانيّين] الذين يخرجون من البلد ضعف عدد السيّاح [الأجانب] الذين يدخلون. في السابق، كان مركز التراث الثقافيّ الإيرانيّ يحصل على حوالى 100 ألف ريال (2,80 دولاراً) من كلّ ضريبة خروج. ومع الزيادة، سيتمّ تخصيص 400 ألف ريال (11,24 دولاراً) [من كلّ ضريبة مغادرة] لهذه المنظّمة".
ومن المتوقّع أن يكون لهيكليّة الرسم المقترحة تأثير كبير على الإيرانيّين المنتمين إلى الطبقة الوسطى. وقال موظّف متقاعد في وزارة التعليم يدعى عباس بهاري لـ "المونيتور": "بالكاد نستطيع تكبّد تكاليف رحلة رخيصة إلى تركيا، التي لا تتطلّب تأشيرة دخول، من خلال الادّخار لأشهر عدّة. والآن، سيكون رسم ضريبة المغادرة الذي يتعيّن علينا دفعه لعائلة من أربعة أفراد أكبر من ثمن تذكرة وإقامة في فندق لأكثر من شخص واحد. وبالتالي، من الآن فصاعداً، إذا أرادت عائلة مؤلّفة من أربعة أفراد الذهاب في رحلة صغيرة إلى الخارج، سيتعيّن عليها استباق الكلفة لستّة أشخاص تقريباً".
ولن يكون للرسم الجديد تأثير كبير على الطبقة الميسورة في إيران بما أنّ هذه الطبقة تستطيع تكبّد رسوم أكبر بعد، لكنّ الطبقة الوسطى لن يكون أمامها خيار سوى تأخير رحلاتها إلى الخارج لأجل غير مسمّى.
وقال رئيس مكتب الرئاسة، محكود واعظي، لوسائل الإعلام في 11 كانون الأول/ديسمبر: "واجهتُ بدوري هذه الانتقادات، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعيّ. لدينا اليوم حكومة كبيرة، وكلّ شهر يتعيّن دفع مبلغ كبير للموظّفين الحكوميّين كراتب. من جهة أخرى، ارتفع عدد الأشخاص الذين تقاعدوا في السنوات السبع أو الثماني الماضية، ولا تغطّي صناديق التقاعد رواتبهم، ولذلك تدفع الحكومة رواتبهم. وبالتالي، إذا أردنا بالفعل تطبيق العدالة، علينا إيجاد مصادر [دخل] جديدة ومساعدة المتقاعدين من خلال هذه المصادر والقضاء بالتالي على الفقر المدقع. ولكنّ الحكومة مستعدّة، في الوقت نفسه، لإعادة النظر في قراراتها إذا دعت الحاجة".
وقارنت وسائل الإعلام الإيرانيّة خطّة إيران الضريبيّة بالخطط الضريبيّة في بلدان أخرى، ووجدت أنّ الخطّة الضريبيّة في إيران أعلى منها في بقيّة أنحاء العالم. وعبّر مشاهير وفنّانون ورياضيّون إيرانيّون أيضاً عن اعتراضهم على الزيادات المقترحة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، إمّا بأسلوب ساخر أو من خلال الانتقاد المحض.
وجاءت الانتقادات أيضاً من أعضاء في مجلس الشورى الإيرانيّ. فقال المتحدّث باسم لجنة الصناعة والمناجم في المجلس، سعيد بستني، في 12 كانون الأول/ديسمبر: "يسافر أكثر من 10 ملايين شخص إلى الخارج سنويّاً لأسباب دينيّة أو تتعلّق بالعمل، ومن أجل الدراسة أو الاستجمام. لكن ما من إحصاءات دقيقة عن عدد الأشخاص الذين يسافرون من أجل الاستجمام. إذا كانت الحكومة تعتبر أنّ من يسافرون إلى الخارج أثرياء وعليهم دفع ثمن متعتهم، فينبغي أن نقول أنّه عندما لا يكون عدد الرحلات بداعي الاستجمام معروفاً، فلماذا ينبغي أن تتعرّض جميع طبقات المجتمع للضغط؟".
وفي اليوم نفسه، وصف عضو لجنة التراث الثقافيّ في مجلس الشورى، قاسم أحمدي لاشكي، الاقتراح بأنّه غير منطقيّ وغير مقبول. وقال: "في الوقت الذي تسعى فيه بلدان كثيرة إلى إلغاء تأشيرات الدخول، تُعتبر هذه الزيادة المضاعفة [على ضريبة المغادرة] غير منطقيّة. بالإضافة إلى ذلك، لا يسافر جميع الناس إلى الخارج من أجل الاستجمام، وقد تكون رحلتهم لغايات طبيّة أو من أجل الدراسة... وستشكّل هذه الزيادة عبئاً كبيراً عليهم".
وتستمرّ الحكومة في التشديد على افتقارها لموارد الدخل، وتسعى إلى استحداث موارد جديدة من خلال مقاربات مبتكرة. ومع أنّ هذه المقاربات الجديدة قد تمنح الإدارة حريّة أكبر في دفع الرواتب والإعانات، إلا أنّها قد تثير استياء الإيرانيّين المنتمين إلى الطبقة الوسطى – وهي طبقة دعمت روحاني والإصلاحيّين في الانتخابات.